قال مشاركون في ندوة نظمها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، تحت عنوان "20 عاماً على الانتفاضة الثانية" إن الانتفاضة بدأت نتيجةَ محاولات اليسار الصهيوني فرض الإملاءات على الفلسطينيين، وأن التطورات التي لحقتها انتهت إلى تفرّد اليمين بالمشهد الإسرائيلي، وتغلغل اليمين الاستيطاني في مفاصل الحكم.
واعتبر المشاركون في الندوة التي نُظمت عبر تقنية "زووم"، وأدارها الكاتب أنطوان شلحت أن الممارسة العنيفة للشرطة الإسرائيلية عموماً، وفي قمع الانتفاضة في أراضي 48 خصوصاً، تعبّر عن طبيعة علاقتها مع النظام الاستعماري، وتنسجم مع ما شهدته، وما تشهده إسرائيل، من تحولات كرست سطوةَ اليمين الاستيطاني.
وأضافوا إن عدم مساءلة الشرطة عن القمع، وإغلاق ملفات القتل ليس صدفة، ولا هو خللٌ مؤسساتي، إنما تنفيذٌ لدور الشرطة المحدد مسبقاً في قمع أي تعبير سياسي للفلسطينيين عن أنفسهم.
وبينت مديرةُ دائرة الأراضي والتخطيط في مركز "عدالة" المحامية سهاد بشارة في مداخلتها تحت عنوان "حول الموروث الكولونيالي لعنف الشرطة الإسرائيلية" إن عنف الأخيرة جزءٌ من النظام القانوني، وجزءٌ من قيم النظام، ويندرج في إطار مهمتها فرض السيطرة الجيوسياسية الإثنية على الفلسطينيين، حيث تأخذ الشرطة على عاتقها قمع أي احتجاج سياسي، كما تتولى متابعة تنفيذ السياسة الجيوسياسية التمييزية ممثلةً بهدم البيوت العربية، وبإخلاء السكان، كما الحال في النقب وغيرها.
واعتبرت بشارة هذا السلوك انعكاساً لفهم الشرطة لدورها عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين في الداخل، خاصةً بعد إنهاء الحكم العسكري عام 1966، إذ ورثت الشرطة -كما تكشف المواد الأرشيفية - مهام الحكم العسكري.
واعتبرت بشارة أن هذا الشكل من العلاقة بين الشرطة والنظام القمعي هو ما يفسر عدم محاسبة الشرطة قطعياً، لأن المحاسبة غير منطقية في هذا الواقع وتخلق مشكلة للنظام، وهذا ما يفسر أيضاً أن القمع والتستر عليه لا يقتصر على حالات التعامل مع الاحتجاجات ذات الطابع السياسي، بل يشمل أيضاً تعامل الشرطة في القضايا المدنية والجنائية، المتمثل باستسهال إطلاق النار والقتل، وبالتقصير في حماية الجمهور وإسناده، وحماية النساء من الجريمة، خاتمةً بأن التغيير في هذا الإطار غير ممكن دون إعادة صياغة دستورية وقانونية لدور الشرطة، وتغيير بنيتها كما حدث مع شرطة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
من جهته، تناول عضو الكنيست عن القائمة المشتركة، الباحث سامي أبو شحادة، مسألة انعكاس الانتفاضة الثانية على المشهد السياسي الإسرائيلي، مستعيداً السياق الدولي والإقليمي والمحلي الذي أفضى إلى الانتفاضة، معتبراً أن الانتفاضة اندلعت بسبب رفض القيادة الفلسطينية القبول بإملاءات الجانب الإسرائيلي في فترة أيهود بارك، لفرض حل تستفيد منه إسرائيل إقليمياً واقتصادياً.
واعتبر شحادة أن باراك أغلق عبر مقولة "لا شريك" بوابة التفاوض، وفتح الطريق لصعود اليمين.
وبين شحادة أن المشهد الإسرائيلي تغير تماماً في العقدين الأخيرين، حيث بدأ الأمر بالتراجع المتسارع لطرح إمكانية قيام "دويلة" فلسطينية كجزء من الحل، وصولاً إلى ترسيخ اليمين كمرشح وحيد على الساحة، وأفول حزب العمل.
وتناول شحادة تطور الاستيطان وخطابه وسياساته التي كانت على هامش المشهد، وتدرجت لتحقق تمثيلاً ونفوذاً يفوق الثقل العددي للمستوطنين على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، وحتى الأكاديمية.
وحول تفاعل الواقع الفلسطيني في الداخل مع هذه التطورات، اعتبر شحادة أن ما حدث فعلاً في تشرين الأول 2000 لم يكن هبة، بل كان مشاركةً في الانتفاضة، حيث اكتشف الفلسطينيون في الداخل قوتهم، وخرجوا في مطالب سياسية مرتبطة بالقدس، وبالقضية السياسية الكبرى.
وأضاف شحادة، لكن ردة الفعل العنيفة كشفت أيضاً جوانب الهشاشة وغياب المؤسسات، وتركت صدمة عميقة من عنف ردود أيهود بارك وحكومته.
وختم شحادة بالقول إن التجربة فيما يتعلق بالداخل بلورت على المستوى الإسرائيلي منهجيةً جديدة للتعامل مع الفلسطينيين تستهدف قواهم السياسية، فيما أثارت بين الفلسطينيين أسئلةً كبرى حول الوجهة، وحول طبيعة العلاقة مع الدولة، ما أسفر عن ظهور عدة سيناريوهات للتعامل مع الواقع.