أغرسوا حب الوطن في أولاكم حتى لا يكبروا وهم لا يدركون قيمته ومعناه

بقلم: علي ابوحبله

علي ابوحبله
  • المحامي علي ابوحبله

لا يختلف اثنان أن الوطن هو أغلى ما نملك، وأننا مهما بذلنا لأجله، فلن نوفيه حقه، فقد عشنا تحت ظله، وأكلنا من خيراته، وترعرعنا فوق أرضه وبين جنباته، وتوفر لنا بهذا الوطن الأمن والأمان، وبعد كل ذلك، فمن منا لا يحب الوطن؟!
ومن هنا ينطلق حب الوطن، ويترسخ الانتماء، فالأسرة مسئولة والمجتمع مسئول والمؤسسة التربوية «المدرسة» مسئولة عن غرس هذا الحب في قلوب أبنائنا الطلبة، وتنمية ذلك الحب والانتماء. عرفت المجتمعات البشرية، الأوطان، حتى قبل أن تكون هناك حدود بالشكل المتعارف عليه الآن، وارتبط «الوطن» - الأرض - فى المفهوم الشعبي بـ«العرض»، الذي لا يقبل أبناؤه المساس به، أو التفريط فيه، وإن كلفهم الحفاظ عليه حياتهم، لكن ذلك لا ينفى وجود خلط في المفاهيم لدى البعض، فيعتبرون أن حب الوطن يتعارض مع حب الدين، وأسسوا معتقدهم الخاطئ على أن الوطن «فكرة مضادة للأمة»، وأن الأوطان «عبارة عن حدود صنعها الاستعمار»، يفسرون قوله تعالى: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِى سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ».. على أن المقصود بالمساكن هنا الوطن.. وأن الله نهانا عن حب الوطن بنص هذه الآية، ويعتبرون الوطن فى مفهوم «عصبية جاهلية» نهى عنها الإسلام، هؤلاء لا يفهمون أن الوطن ليس «حفنة تراب»، بل هو شعب، تاريخ، علماء، إنجازات، حماية الدين، لو لم يكن هناك وطن لما عرفنا هذا التنوع والتعدد والاختلاف الإيجابي، فلكل دولة علماؤها، لهم أفكارهم وثقافتهم المرتبطة في الأساس بوطنهم..
مالك بن نبى «الجزائر»، الشيخ الغزالى «مصر»، الشيخ الشعراوى «مصر»، على الطنطاوى وراتب النابلسى «الشام»، كل واحد من هؤلاء العلماء أفاد الإسلام من زاوية، ولو لم يكن هناك وطن لما ظهر هذا التنوع.
 الأمة والوطن:
فكرة الأمة هي جزء من عقيدة المسلم، لكنها تستخدم لتمرير ثقافة قبول تفتيت الوطن أو عدم التمسك به، لتقديم مصلحة الأمة على مصلحة الوطن، وهذه فكرة خطيرة يستفيد منها أعداء الوطن وأعداء الإسلام فى آن واحد نتيجة الفهم السطحى الساذج. فالأمة والوطن عبارة عن دوائر متداخلة وليست متقاطعة، كلما سعيت لمصلحة الوطن فأنا بالضرورة «فكريًا وهندسيًا» أسعى لمصلحة الأمة.
الوطن فى القرآن والسنة: كما أن هناك من يتذرع فى رفضه لفكرة الوطن بأنه لم يرد مفهوم الوطن فى القرآن والسنة.. وهذا غير صحيح.. ففى القرآن «وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا».. «الفخر الرازى» فى تفسيره جعل فراق الوطن معادلاً لقتل النفس، أما باقى المفسرين فقالوا إنه أعلى قيمة حب الوطن وجعله فى مقام حب النفس، كان رسول الله إذا رجع من سفر فأبصر جدرات المدينة حرك إليها دابته من حبها..
يقول «ابن حجر» إن هذا دليل على مشروعية حب الوطن والحنين إليه، عندما أرغم على الهجرة منه إلى المدينة، نظر إلى مكة والدموع تنساب من عينه، وقال: «والله إنك لأحب بلاد الله إلىّ، ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت أبدًا». ولا يجوز لأحد أن يشمت فى وطنه إذا أصابه مكروه، لأنها من الشماتة فى الدين. والوطن لا يحسب عمره بالأزمات، لكن يحسب عمره بالعافية، نريد غرس حب الوطن فى أولادنا، حتى لا يكبروا وهم لا يدركون قيمة ومعنى الوطن.. فتضيع أرضنا ويأخذها عدونا.. وعندها نكون ارتكبنا إثمًا عظيمًا.. علموا أولادكم أن بر الوطن مثل بر الوالدين، وأنه مثلما لا يوجد شخص يكره أمه، فلا يوجد شخص يكره وطنه.. اللهم احفظ بلادنا من كل شر ورد المعتدين الصهاينة الى نحورهم عن عدوانهم على فلسطين وكل البلدان العربيه

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت