الديك عشية اليوم العالمي لمكافحة الفقر: نتطلع الى منظومة حماية اجتماعية كفؤة وفاعلة ومستجيبة للصدمات

داود الديك: وكيل وزارة التنمية الاجتماعية

كتب وكيل وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية داود الديك عشية اليوم العالمي لمكافحة الفقر قائلا :"يصادف غدا السبت، اليوم العالمي لمكافحة الفقر. وهو يوم ليس للندب والشفقة على الفقراء والتغني بمعاناتهم، بل يوم للتفكر والتدبر في أسباب الفقر ومسبباته، ويوم لنتذكر فيه أنه حيث يوجد فقير يوجد انتهاك لحقوق الإنسان. ونتذكر أيضا أن وجود الفقر يعني غياب العدالة الاجتماعية وغياب المساواة وغياب الكرامة."

وقال الديك : هذا العام يكرس اليوم العالمي لمكافحة الفقر للعدالة الاجتماعية والعدالة البيئية. فالظلم الاقتصادي والاجتماعي لا ينفصل عن الظلم البيئي، خصوصا في سياقنا الفلسطيني الذي يعتبر فيه الاحتلال أحد أهم مسببات الفقر والإفقار."

وأضاف : في هذا اليوم سيتحدث الناس عن الفقر وستكتب المؤسسات في العالم عن الفقر، لكن بعيدا عن الفقراء وبمعزل عنهم. هذا اليوم فرصة للتذكير بضرورة الالتقاء بالفقراء واشراكهم والحوار معهم. وهو فرصة أمام العالم وأمام النظام الدولي وأمام قوى الهيمنة والنفوذ، للاعتراف بالحق في الكرامة، والعيش الكريم لكل فرد من افراد المجتمع. وهو مذلك فرصة للاعتراف بالجهود التي يبذلها الفقراء في محاولة التغلب على فقرهم ومعاناتهم. ولا يجب أن ننسى أن الفقراء يجب أن يكونوا رأس الحربة في مكافحة الفقر، ويجب أن تعرف لهم بهذا الدور.

اليوم العالمي لمكافحة الفقر، وسيلة ومناسبة لاعتراف الجميع بالمسؤولية في مكافحة الفقر. وهو مناسبة للمكاشفة والشفافية في تحمل كل ذي مسؤولية عن مسؤوليته في وجود الفقر.

 نخطئ كثيرا إذا تعاملنا مع الفقر على أنه غياب الدخل أو نقص الدخل. الفقر متعدد الأسباب ومتعدد الأشكال، ومواجهته يجب أن تكون متعددة الأبعاد. فبالإضافة الى نقص الدخل أو انعدامه، فإن الفقر يشمل عدم القدرة على الوصول والحصول على الخدمات (صحة وتعليم وسكن وماء وكهرباء، ....)، ويشمل أوجه الحرمان، وانعدام المشاركة السياسية والمشاركة في الشأن العام، والحرمان من الفرص والمهارات، وانعدام الأمن الغذائي.

فلسطين يحق لها أن تفخر أنها تبنت مفهوم ومنهجية الفقر متعدد الأبعاد وصادقت عليه الحكومة. وهذا المفهوم يشمل الفقر المالي (النقدي) والهشاشة والحرمان الاجتماعي. وبالإضافة الى الفقر المالي، تتضمن منهجية الفقر متعدد الابعاد 6 أبعاد اجتماعية و17 مؤشر. أما الابعاد فتضم التعليم، الصحة، التشغيل وظروف العمل، ظروف السكن والوصول الى الخدمات، الأمن الشخصية والملكية واستخدام الموجودات، الحرية الشخصية.  ويتزامن مع ذلك تبني وزارة التنمية الاجتماعية مفهوم

ومنهجية إدارة الحالة التي تمكنها من تحليل واقع الأسر الفقيرة وافرادها وحصر المشاكل والاحتياجات ومن ثم رسم خارطة التدخلات وبناء نظام التحويل. وهذا سيعيد الاعتبار الى مفهوم الخدمة الاجتماعية مون الاخصائي الاجتماعي أو مدير الحالي هو فاعل أساسي في عملية التنمية.

وتابع وكيل وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية داود الديك  قائلا : استنادا الى منهجية الفقر متعدد الابعاد، عكفت وزارة التنمية الاجتماعية على مراجعة وتحديث معادلة الاستحقاق لبرنامج التحويلات النقدية (معادلة فحص مستويات المعيشة)، وهذا من شأنه عند تطبيقها احداث فرق جوهري على معايير الاستهداف والاستحقاق خصوصا أنه ستضاف متغيرات جديدة تنسجم مع مؤشرات الفقر متعدد الابعاد.

وفي نفس السياق، شرعت وزارة التنمية الاجتماعية ببناء السجل الاجتماعي الذي سيشمل الفئات الفقيرة والمهمشة على المستوى الوطني.

وهذا مدخل مهم لإعادة بناء أو إعادة هيكلة برامج الحماية الاجتماعية على طريق تحويلها الى نظام للحماية الاجتماعية بكل ما في الكلمة من معنى. نحن نتطلع الى منظومة حماية اجتماعية كفؤة وفاعلة ومستجيبة للصدمات والهزات والكوارث (مثل جائحة كورونا)، وسريعة التدخل. ملامح هذا النظام أو المنظومة تشمل أمن الدخل (الدعم النقدي)، خدمات اجتماعية (صحة وتعليم،.)، أمن غذائي، السكن، التمتع بخدمات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية(ماء، كهرباء، انترنت،..). وهذه تعتبر مقومات أساسية وضرورية لبناء الرأسمال الاجتماعي والاستثمار فيه، وبدون توفيرها تبقى مقاربة أو مقاربات مكافحة الفقر منقوصة وقاصرة.

وبالإضافة الى هذه الخدمات، يتطلب مكافحة الفقر تغيير واقع الفقراء ومساعدتهم على تغيير واقعهم والانتقال من الاحتياج الى الإنتاج، ويتم ذلك من خلال التمكين الاقتصادي وتنمية وتطوير سبل العيش المستدام، والشمول المالي، وبناء القدرات والتمهير والتشغيل والريادية.

وقال الديك : هذا ليس كلاما نظريا، بل إطار سياساتي وبرامجي تضمنته استراتيجية قطاع التنمية الاجتماعية المحدثة 2021-2023، ونطبقه جزئيا على أرض الواقع. نصبو باختصار الى نظام حماية اجتماعية تحويلية وإنتاجية تعزز المنعة والصمود، وتخرج من الفقر، وتنمي الرأسمال البشري والاجتماعي، وفي نفس الوقت لا يترك أحدا خلف الركب.

هذه الوجهة السياساتية أكثر قربا والتصاقا بمنهج الحقوق، لأنها بالأساس تتعاطى مع الفقر واللامساواة في آن واحد. غايتها الانتقال من حالة اللامساواة إلى المساواة، ومن حالة التهميش إلى حالة التضمين. وترتكز الى ثلاث قيم موجهة: المساواة، العدالة، التضمين. ولكي تكتمل مرتكزات نظام الحماية الاجتماعية، فنحن بالتأكيد بحاجة الى إصلاحات تشريعية وقانونية متعددة.

مكافحة الفقر واللامساواة والتمييز متداخلة ولا يمكن فصلها. فالفقر يولد العنف، ويولد الوصمة والاقصاء، ويقتل النفس. منظومة الحماية الاجتماعية هذه، تشمل كذلك حماية متخصصة تتعلق بحماية النساء، وحماية الأشخاص ذوي الإعاقة، وكبار السن، والأطفال. وهذه الفئات المهمشة لها مسارات سياساتية وبرامجية نواكبها تباعا. سواء قانون حماية الأسرة من العنف، أو قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة المعدل، أو قانون رعاية كبار السن. بالإضافة الى قوانين انجزناها كقانون الطفل، وقانون حماية الاحداث.

وقال وكيل وزارة التنمية الاجتماعية الفلسطينية داود الديك : إن اليوم العالمي لمكافحة الفقر، يشكل فرصة للمراحعة وجرد الحساب، والتقييم والمصارحة والمساءلة. ليس على مستوى المؤسسات الحكومية وغير الحكومية فحسب، بل يطال ذلك القطاع الخاص أيضا. بكل ما يعنيه ذلك من مراجعة السياسات الاقتصادية وسياسات الاستثمار، وسياسات التسعير، ومحاولة جعل هذه السياسات صديقة ومحابية للفقراء. على سبيل المثال، وللتوضيح: كلما ارتفعت الأسعار وتحديدا السلع الأساسية، نتوقع ارتفاع نسب الفقر. مثلا، اذا ارتفعت أسعار الكهرباء 10%، يزيد معدل الفقر بنسبة 1.5%. وإذا ارتفعت أسعار الكهرباء بنسبة 50%، يزيد معدل الفقر بنسبة 5.8%. وهذا يعني أن تخفيض الأسعار يخرج بعض الأسر من الفقر أو يحمي بعض الأسر من الانزلاق الى الفقر.

وبالعودة الى موضوع الفقر، تقدم وزارة التنمية الاجتماعية مساعدات نقدية منتظمة ل 115 ألف اسرة منها 80 ألف اسرة في قطاع غزة، و35 ألف اسرة في الضفة الغربية. وتبلغ موازنة هذا البرنامج 500 مليون شيكل سنويا، أي ما نسبته 60% من موازنة الوزارة. وتقدم الوزارة كذلك للأسر الفقيرة مساعدات غذائية وتأمين صحي وإعفاء من أقساط المدارس، واعفاء جزئي من أقساط الجامعات يتم من خلال الجامعات الفلسطينية مشكورة.

الملفت في الأمر، أنه عندما سألنا الأسر الفقيرة (عن طريق العينة لتقييم برنامج التحويلات النقدية عام 2017) عن أولوياتها في أنفاق المساعدة النقدية، أفادوا بالتالي: شراء مزيد من الطعام، شراء الأدوية، دفع الفواتير والديون. مع تباين في ترتيب هذه الأولويات بين الضفة وغزة.

وعندما سألناهم عن احتياجاتهم من الخدمات الخاصة لتحسين أوضاعهم، افاد 96% منهم بزيادة قيمة المساعدة، وأفاد 80% منهم بحاجتهم الى عمل مشروع، و72% بحاجتهم الى فرصة عمل.

وهذا يقودنا أخيرا، للحديث عن التخريج من الفقر. الفقراء ليسوا عالة وليسوا حمولة زائدة. مثلا، 67% من الأسر الفقيرة لديها فرد أو أكثر قادر على العمل، لكن ينقصهم المعرفة أو الفرصة، أو المهارة، أو التشبيك، أو يقطنون في مناطق مهمشة لا تتوفر فيها فرص عمل. هؤلاء جاهزيتهم عالية وتواقون للعيش الكريم. هنا يأتي دور التمكين الاقتصادي بكل مكوناته سواء المنح أو القروض، او التمهير، أو التدريب. وهذا ما نقوم به من خلال المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي. خصوصا أن برنامج التمكين الاقتصادي حقق نجاحات وأنشأ مشاريع صغيرة ل 16 ألف أسرة، وخلق أكثر من 50 ألف فرصة عمل، واستفادت من مختلف خدماته حوالي 32 ألف اسرة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

أخيرا، لا يمكن اغفال الأثار الاقتصادية والاجتماعية للجائحة، وتحديدا في ظل توقعاتنا بارتفاع نسبة الفقر ب 53% ليصل بذلك الى حوالي 40% مقارنة مع 29% قبل الجائحة. نأمل أن يكون هذا الارتفاع مؤقتا وليس دائما خصوصا في ظل التعافي الاقتصادي وما تعكف عليه الحكومة من تطير لخطة الانتعاش الاقتصادي التي نأمل أن يكتب لها النجاح.

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله