صدر حديثاً عن دارة الاستقلال للثقافة والنشر (جامعة الاستقلال)، الترجمة العربية الأولى للكتاب "فَنُّ القيادة" أو "ممارسة القيادة بلا إجاباتٍ سهلة"، للمؤلف أ. هيفيتز، ومن ترجمة د. صالح خليل أبو أصبع، المتخصِّص في "الاتصال الجماهيري.
ووجَدَ عديد النقاد والكُتّاب والأكاديميون في الغرب أن الكتاب ليس عملاً جديراً بالاهتمام فحسْب، بل يُشَكِّلُ "مرجعيّةً عمليّةً ونظريّةً، حيث تبرز بشكلٍ متوازنٍ الروح والقيم في موضوعٍ حياديٍّ حين يتعلق الأمر بالقيادة. علاوةً على كَونِهِ كتاباً جريئاً ومحفِّزاً، وعلى القادة، وليس المُدَراء فحسب، وكذلك المواطنين؛ قراءَتَهُ على نطاقٍ واسعٍ، لِكَوْنِه يُقَدِّمُ رؤيةً حديثةً ومغايرةً فيما يتعلَّقُ بمفهوم المواطنة، وطبيعة السلطة".
وأشار ريتشارد ي. نيوستاد، في مقدمة الكتاب إلى أنَّ مؤلِّفَهُ يُقَدِّمُ فيه ما هو أكثر ثراءً وأكثر إيحاءً، وأن تحليلَهُ يذهب إلى ما هو أعمق مما قد تفْعَلُهُ شخصيةٌ في السُّلْطَة من هذا النوع، وأن قواعِدَهُ العامة تخاطب التفكير الاستراتيجي، ليس فقط لدى القادة في مناصب السلطة، ولكن أيضاً أولئك الذين يفتَقِرون إلى هذه المهارات. فالقيادة عند هيفيتز تختَلِفُ عن مواقف السُّلْطَة التي عادةً ما يعتقد أن تكون نقطة البداية لها، بحيث تنطبق قواعده العامة، ومبادئه، على أيّ شخصٍ يتلهَّفُ فيه للحصول على القيام بشيءٍ ما في أيّ وقتٍ، وبالشراكة مع الآخرين، مقدِّماً النُّصْحَ بضرورة قراءة هذا الكتاب وتعميمه وتدريسه على أوسع نطاق.
ويتوزَّعُ الكتاب على أربعة أجزاءٍ في أحد عشر فصلاً، أوَّلها بعنوان "وضع الإطار"، ويضم ثلاثة فصولٍ: القيَم في القيادة - لتقود أو تُضَلِّل - جذور السلطة. والثاني بعنوان "القيادة مع السُّلْطَة" في أربعة فصول: تعبئة العمل التكيُّفي - تطبيق السلطة/النفوذ - على حدّ السيف (حد النصل) - السقوط من الحافة.
أما الجزء الثالث فحَمَلَ عنوان "القيادة بدون سُلْطَة" واشتَمَلَ على الفصلين الثامن (الانحراف الإبداعي على خط المواجهة) - والتاسع (تحوير/تعديل الاستفزاز). فيما حمل الجزء الرابع والأخير عنوان "البقاء على قيد الحياة"، وامتدَّ على مدار فصلين قصيرين أوَّلهما "الاغتيال"، وثانيهما "التحدّي الشخصي".
ويقول مؤلِّفُ الكتاب في مقدمته: "نواجه اليوم أزمةَ قيادةٍ في العديد من مجالات الحياة العامة والخاصة، ومع ذلك نحن نُخطِئ في إدراك طبيعة أزمات القيادة هذه، ونعزو مشكلاتنا للسياسيين والمسؤولين التنفيذيين، كما لو كانوا هم سببها؛ وكثيراً ما نستخدمهم ككبش فداء. وعلى الرغم من أن الناس في السُّلْطَة قد لا يكونون مصدراً جاهزاً للإجابات، إلا أنهم نادراً ما يكونون مصدرَ آلامِنا (...) أزماتنا ذات صلةٍ أكبر بنَهْجِ حياتنا الاقتصادية الحديثة والسياسية والاعتماد المتبادل، وبعدم إدراكنا للمُساءلة إزاء الحياة الاقتصادية والسياسية، فَفُقدان القيادة يُطيلُ أمَدَ المآزق لدينا، ولكن نادراً ما يكون أساساً لها".
ويتطرق هيفتز، الذي يُعَرِّفُ نفْسَهُ بالطبيب النفسي والموسيقيّ والمُحاضِر في السياسات العامة بكلية كينيدي الحكومية مديراً لمشروع "تعليم القيادة"؛ إلى العديد من التحدّيات في الكتاب، من قَبيل: الصناعة غير المنافِسَة وتعاطي المخدرات والفقر وضعف التعليم العام والمخاطر البيئية والنزاعات العِرقية والعجز عن الميزانية والتفكك الاقتصادي والعقبات التي تعترض إقامة العلاقات الخارجية، وغيرها. مشدِّداً على أن إحراز أيّ تقدُّمٍ لِحَلّ هذه المشكلات "لا يتطلَّبُ وجود شخصٍ يُوَفِّرُ الأجوِبَةَ من أعلى، بل يتطَلَّبُ تغييراتٍ في مواقِفِنا وسلوكِنا وقِيَمِنا، فلمواجهة هذه التحدّيات نحن بحاجةٍ إلى فكرةٍ مختلفةٍ عن القيادة، وعقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ لتعزيز قُدراتنا التكيُّفيّة، بدلاً من توقُّعاتٍ غير ملائمةٍ من السُّلْطَة. نحن بحاجةٍ إلى إعادة النظر في إعادة تنشيط الحياة المدنية، ومعنى المواطنة".
من الجدير بالذِّكْر أن المترجم د. صالح خليل أبو أصبع، حاصلٌ على درجة الدكتوراه في الاتصال الجماهيريّ من جامعة هاوارد الأمريكية، وله العديد من الدراسات والأبحاث تراوَحَتْ ما بين الدراسات الأدبية (11 دراسة)، ودراسات وبحوث اتصالية (19 دراسة)، إضافةً إلى كُتُبٍ في النقد الأدبي (6 كتب)، وفي الاتصال (18 كتاباً)، ومجموعاتٍ قصصيةٍ (6 مجموعات)، وكتبٍ عامة وأخرى مشتركة.
وأشرَفَ أبو أصبع على إصدار وتحرير العديد من الكتب والدراسات العربية، وله مشاركاتٌ عديدةٌ بأوراقٍ وجلساتٍ في مؤتمراتٍ وندواتٍ وحلقاتٍ دراسيَّةٍ عربيةٍ ودوليةٍ، كما تَرْجَمَ العديد من الكتب والمراجع ذات الصلة بمواضيع متنوعة، بينها الثقافي والإعلامي وما يتعلَّقُ بدراسات القيادة.