- بقلم: دعاء الجيوسي.
صبيحة الثامن عشر من أكتوبر لعام 2011 قبل أن يولد فجر هذا اليوم بساعات قليلة كان أمامي ثلاثمائة وأربع وعشرون عاماً كي أُغادر السجن كنُت عندما أتذكر الرقم أضحك وأسأل رفيقات القيد برأيكن هل سيطول عمر الإحتلال لكل هذه السنوات وهبوا أنه طال فعلاً كيف ستخرج رفاتي من السجن بأي شكل أتراهم سيسلموا للجيل الخامس عشر من العائلة كومة تراب أو بقايا عظام وهل من سيتسلم هذه الرفات سيعرفني أيكون أسلافه قد أخبروه أن إحدى بنات العائلة خرجت من بيت أبيها ليلة السادس من حزيران عام ألفين وإثنين ولم تعد إليه إلا بعد ثلاثة قرون وثلث.
أسئلة القيد هذه كانت مُرة تراجيدية في محتواها ولكنها عنيدة لا تُغادر الرأس أبداً ، ربما كانت عنيدة مُتصلبة كالرأس الذي تستوطنه أو إنها كانت أحدى مُسببات البقاء على قيد الحياة داخل السجن إذ كنا نحن الأسيرات المحكومات بالسجن المؤبد نتندر على السجان بأسئلتنا التي نقسم له أننا لن نموت قبل أن نسبر أغوار إجاباتها.
أسئلتي السابقة إشتد أوارها عند أسر جلعاد شاليط وبدأت تنحو مناحي أخرى على شاكلة يوم التحرر كم سيكون عمري وكم ستختصر البنادق من عمر سجني السرمدي.
المهم أن تساؤلاتي ومحاولات منطقة حياة السجن أحكامه وأيامه تداخلت صبيحة اليوم الذي ذكرت فباتت كلوحة مُبهمة لا تشي بمحتواها لعين ناظر مهما دقق.
قبل التاريخ المدون آنفاً بيومين كنت في إحدى زنازين العزل بسجن الدامون ومنه نُقلت إلى عوفر بعدما علمت أن إسمي سيكون ضمن الأسرى المُفرج عنهم كنت مُضربة عن الطعام لليوم الثامن عشر على التوالي وقد وصلت السجن وساعدي مُقيداً إلي ساعد رفيقتي صمود كراجه التي كانت مُضربة كحالي وكانت كلٌ منا تتوكأ على الأخرى إلى أن نزلنا إحدى زنازين السجن أخيراً ، في هذه اللحظة كان التعب قد نال منا وزاده ضغط الإدارة كي نفك إضرابنا وهو أمر لم يحدث إذ أنني وأنا مسؤولة أسيرات الجبهة الشعبية أكدت لضباط الإدارة وجهاز الشاباك أننا لن نوقف إضرابنا حتى بعد التحرر إلا عندما يأتينا قرار بذلك من أحمد سعدات...صرخ ضابط السجن في وجهي وزمجر من أخطر أخطاء حكومتنا أنها وافقت على إخراجكم من السجون والأخطر أنها تدخلكم أصلاً إليها مكانكم الذي يُريحنا هو المقابر لا غير أغلق باب الزنزانة وغادر.
إقتربت أنا وصمود ورفيقتنا لنان ابو غلمي التي وصلت السجن تقتسم القيد مع أسيرة أخرى أخذت مني الأيام أسمها ، تجمعنا غنينا بصوت عالٍ جمع الأسرى وهي يا سجاني وقفت لنان بخفة روحها وقالت هذا آخر عهدنا بالسجون هذه المرة ولنا موعد آخر ، إنفض جمعنا وجلست كل منا في زاوية بصمت تذكرت أسامة بشكار بكيته بمرارة كانت المرة الأولى والأخيرة التي أبكيه صحت بصوت مرتفع أين أنت يا قسيم المجد أين ترقد أشلائك الآن إني مغادرة السجن بعد ساعات ولكن قسماً بروحك وعطر حزامك الناسف والنار التي أشعلناها في سوق نتانيا لن أنساك ستعيش في روحي يا رفيق وسأشبع زوج وأطفال المستقبل ومن أصادفهم في رحلة النضال حديثاً عنك ، تذكرت أمي وردة فعلها فكرت في أبي الذي غادرته وكل وسامة الأرض على وجهه وإلتقيته في آخر زياراته للسجن وقد تكومت هموم الدنيا على كاهله، تذكرت أخي الذي تركته يافعا وبات اليوم رب أسرة وأب لطفلة تحمل إسمي....تذكرت أبناء مجموعتي العسكرية وماذا سيكون مصيرهم ، عدت لليالي التعذيب في مسلخ الرملة ومعبار الشارون وتحقيق الجلمة لم يتوقف حبل الذكريات إلا حين أتت الإدارة مرة أخرى وإقتادتنا للحافلات المُغادرة صوب رام الله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت