يجب عدم تصديق الإسرائيليات المبثوثة في الكتب القديمة

بقلم: موفق مصطفى السباعي

موفق السباعي
  • موفق السباعي

مما يتفطر له الكبد، ويتمزق له الفؤاد أسىً وحزناً ولوعة، أن معظم كتب علماء الأمة الأجلاء العظماء، سواء كانت في تفسير القرآن، أو في التاريخ، أو في سواها من العلوم، مشحونة وممتلئة، بالأخبار المأخوذة من الإسرائيليات، ومن الأحاديث الموضوعة، والمكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أنهم يعلمون خطورة، وجرم الكذب عليه، حسبما ورد في صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة ( سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ){1}.

 

وفي مقالنا هذا، سنبين مقدار الجرم، والخطر الكبير، والإساء البالغة، لله عز وجل، ولرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، حين أخذ الأخبار من المصادر المذكورة أعلاه، مع ذكر الأسباب التالية:  

 

  1. نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن نصدق أهل الكتاب، كما هو مروي في صحيح البخاري عن أبي هريرة:

( لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ ولا تُكَذِّبُوهُمْ، وقُولوا: {آمَنَّا باللَّهِ وما أُنْزِلَ إلَيْنَا} الآيَةَ.).{2}.

 

2- إن تصديق بني إسرائيل المغضوب عليهم، الملاعين.. هو معصية صريحة وواضحة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومخالفة لأمره، وبالتالي فهي معصية لله تعالى .. ومحاددة لله ولرسوله، لأن الله تعالى يقول: عن وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِی یُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ ﴾{3}. فالذي يعصيه ويخالف أوامره، فإنما يعصي الله تعالى.

 

3- إن تصديقهم بأخبار لم يذكرها الله تعالى، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ... هو اتهام صريح، وواضح لله ولرسوله، بالجهل – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وسبحان الله عما يصفون –

 

4- تداول اسم ابني آدم على أنهما هابيل وقابيل، بين المسلمين، والاعتقاد بصحة اسمهما.. أو أسماء أشخاص آخرين، لم يرد ذكرهم في القرآن الكريم، ولا السنة الصحيحة.. هو مخالفة صريحة لله تعالى، واتهام آخر له، بأنه لا يعلم أسماءهم، وأن هؤلاء الخنازير، هم الوحيدون الذين يملكون العلم اليقيني، الذي لا يملكه سواهم، ولا يعلمه حتى الله – سبحان الله عما يصفون – إذ لو أنه يعلم، لأخبر المسلمين بأسمائهم.. وطالما أنه لم يخبرهم بأسمائهم، فهو إذن لا يعلم!!!!

 

5- اجتماع أهل الأرض كلهم على خطأ، لا يحوله إلى صواب، واجتماعهم على باطل، لا يحوله إلى حق. فمعيار الحق والصواب، لا يقرره الناس، وإنما يقرره رب الناس. والحق لا يُعرف بالناس، وإنما الناس يُعرفون بالحق.

 

6- المفسرون ليسوا آلهة، وليسوا معصومين، فأغلبهم قد تورطوا، وانزلقوا في هوة سحيقة، بوعي أو بغير وعي، وسواءً عن معرفة أو غير معرفة، أو بنية سليمة أو غيرها، ونقلوا أخبار الإسرائيليات، وأحاديث موضوعة، ومكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم!

 

7- وهم بهذا مخطئون خطأً فاحشاً، ومجانبون للصواب بشكل قطعي، ويقيني، وآثمون، ولا يجوز الاقتداء بهم، بذريعة أنهم أعلام، وفضلاء، وعلماء!!! ومن يقتدي بهم، ويرفع من شأنهم، ويعظمهم، ويعتبرهم مثله الأعلى، فإنما يقتدي بأناس مخطئين، وضالين في نقل هذه الإسرائيليات، والأحاديث المكذوبة!

 

8- المسلم الحق، لا يعرف الخنوع، والتسليم، والتقليد، لكل من ينعقون، ولو كانوا أعلاماً مشهورين. ولا يأخذ من كل ما هب ودب، بل يتخير الصحيح، الطيب، ويذر الخبيث السيئ، الخاطئ، ولو أتى من شيخ الإسلام، فليس في ديننا كهنوت، ولا أحبار، ولا أولياء معصومون لا يُخطئون!

 

9- ففي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك ( كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ ).{4}. إذن لا يوجد لدى البشرية كلها، من بعد الرسول صلى الله عليه، وهو خاتم الأنبياء، أي إنسان معصوم، على الإطلاق، ولو كره الروافض، والصوفيون، وكل الفرق الضالة المنحرفة، التي تضفي على أئمتها، صفة المعصومية الكاذبة، المزيفة!

 

10- جيلنا الحاضر – وأقصد بالنخبة المؤمنة المفكرة الواعية، المتعمقة في البحث، والدراسة، وليس بالدهماء والرعاع – هم أفضل بمليون مرة من العلماء السابقين – مع عدم الإقلال من قيمتهم وعلمهم – لأنهم أوعى، وأقدر على تمحيص الخطأ، من السابقين، بسبب الكم الهائل من المعلومات التي يملكونها، والتي لم تكن متوفرة لدى الأجيال السابقة!!!

 

11- فبمجرد كبسة زر على الحاسوب، تستطيع أن تعرف درجة الحديث، إن كان صحيحاً أو موضوعاً، وبكبسة زر أخرى وبثواني قليلة، تستطيع الحصول على أخبار الأمم، في السنة التي تريدها... بينما كانوا في السابق، يحتاجون إلى أشهر، لينتقلوا من بلد إلى بلد آخر على الجمال أو الحمير، حتى يعرفوا درجة الحديث.

 

12- يجب الاعتقاد الجازم اليقيني، أن ما ذكره الله تعالى هو الحق المبين، وما أخفاه عنا، هو الحق المبين أيضاً، وهو لصالحنا، فلو كان الله تعالى، يعلم أن ثمة فائدة لنا، في معرفة اسم ابني آدم، أو أي أسماء أشخاص آخرين لذكرها لنا!!!

 

13- وهذا الاعتقاد الجازم، هو شرط أساسي من شروط الإيمان، وبدونه فلا إيمان، ولو زعم أنه مؤمن، فهو غير مؤمن، ولا صادق في إسلامه.

 

14- وبما أن الله عز وجل، لم يذكر اسمهما، ولا أسماء أشخاص آخرين مثل أسماء أهل الكهف، أو اسم ملكة بلقيس، أو سواها من الأسماء الأخرى، كما ذكر أسماء الأنبياء، واسم عزير، واسم طالوت وجالوت، معنى ذلك أنه لا فائدة لنا في معرفتها، ولن يزداد الإيمان عند المؤمن، حبة خردل، في معرفتها!!!

 

15- فلماذا يركض المسلمون وراء عبدة الطاغوت، والقردة والخنازير، ليأخذوا منهم أسماء أشخاص لم يذكرها الله تعالى، وهي من أكاذيبهم وخزعبلاتهم، وتحريفاتهم لكتبهم، وسعيهم لنشر الفتنة في قلوب المسلمين؟؟؟!!!

 

16- فتصديق أكاذيبهم بحد ذاته، تشكك وريب في كلام الله تعالى، واستخفاف به، ولا حجة لهؤلاء المسلمين أن يقولوا: طالما أن السابقين قد ذكروها في كتبهم، وهم أعلام وفطاحل وعظماء، فلنقتدي بهم ونسير على طريقهم!!!!

 

17- هذا هراء، وهرطقة، وتقليد أعمى، لا يليق بالعاقلين المفكرين أن يفعلوه! فالسابقون كانوا بالتأكيد مخطئين وضالين، وآثمين، في الاعتماد على أخبار الإسرائيليات، فهل سيشفعون لهم اتباعهم خطأهم، وانحرافهم، وضلالهم؟! أم سيتبرؤون منهم يوم القيامة، كما قال تعالى: ( إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِینَ ٱتُّبِعُوا۟ مِنَ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوا۟)!!!{5}.

 

18- أليست لكم عقول يا بني آدم، تفكرون بها، وتنقذون أنفسكم من غضب رب العالمين، وتقفون عند حدود الله، وتكتفون بما أخبركم به ربكم في كتابه الحق، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وتثقون به ثقة مطلقة، وكاملة؟؟؟؟!!!!

 

19- فلماذا تُجهدون أنفسكم، وتتعبون عقولكم، في البحث في الإسرائيليات الموصوفة بالكذب، والتحريف، على لسان رب العالمين ( مِّنَ ٱلَّذِینَ هَادُوا۟ یُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ){6}. عن أسماء أشخاص، لا تغني ولا تسمن من جوع؟؟؟!!!

 

20- كما أنه من غير المقبول إيمانياُ، ولا اعتقادياً، ولا أدباً مع الله تعالى، أن يقول القائل (فالاسم عنصر محايد لا علاقة له بالموضوع)!!!!

 

21- إن هذا تمييع لدين الله، وتسفيه لكلام الله، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، الذي غضب أشد الغضب، حينما رأى صحائف من التوراة مع عمر بن الخطاب فقال له: كما جاء في الحديث الصحيح عن جابر بن عبد الله ( أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ ، أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكتابٍ أصابه من بعضِ أهلِ الكتابِ ، فقرأه على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، قال : فغضب وقال : أتَتَهوَّكون فيها يا ابنَ الخطابِ؟ والذي نفسي بيدِه، لقد جئتُكم بها بيضاءَ نقيَّةً، لا تسألوهم عن شيءٍ، فيخبرونكم بحقٍّ، فتكذبونَه، أو بباطلٍ، فتُصدِّقونه، والذي نفسي بيدِه لو أنَّ موسى كان حيًّا ما وسِعَه إلا أن يَتبَعني ).{7}. ومعنى تتهوكون يعني: تتحيرون، وتتشككون.

 

22- أبعد هذا العرض المفصل، للنهي، والزجر، والتحذير الشديد عن الأخذ من الإسرائيليات، هل يعقل أن يأتي واحد ويصر، ويعاند، ويكابر على الأخذ بها، لأي حجة يختلقها؟؟؟!!! ( فَلۡیَحۡذَرِ ٱلَّذِینَ یُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦۤ أَن تُصِیبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ یُصِیبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِیمٌ ){8}.

 

23- وأخيراً، وليس آخراً. يجب أن يعتقد المؤمن، ويوقن يقيناً مطلقاً، وتاماً، لا شك فيه، ولا ريب، أن كلام الله هو الأعلى، وهو الفصل، وليس بالهزل ( إِنَّهُۥ لَقَوۡلٞ فَصۡلٞ ﴿١٣﴾ وَمَا هُوَ بِٱلۡهَزۡلِ ){9}.  وأنه يعلو، ولا يُعلى عليه، وأن ما قاله هو الحق المبين الماحق، وما لم يذكره، وذكره بنو إسرائيل، أو سواهم، فهو الباطل الممحوق. الذي يجب على المؤمن أن ينبذه، ويطرحه وراء ظهره، ويدوس عليه بأقدامه.

 

24- رفعت الأقلام، وجفت الصحف.

 

الجمعة 29 صفر 1442

16 ت1 2020

د/ موفق السباعي

 

المصادر:

  1. الدرر السنية
  2. الدرر السنية
  3. آل عمران ٣١
  4. الدرر السنية
  5. البقرة ١٦٦
  6. النساء 46
  7. الدرر السنية
  8. النور 63
  9. الطارق 13-14

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت