- بقلم الشيخ الدكتور/يوسف جمعة سلامة
يعيش المسلمون في هذه الأيام في ظلال أيامٍ مباركة من شهر ربيع الأول، يتفيَّأون ظلالها، ويتعلّمون من دروسها وعظاتها، وعندما يهلّ هلال شهر ربيع الأول في كلّ عام، يتذكَّر المسلمون ميلاد حبيبهم ورسولهم محمد– صلّى الله عليه وسلّم -، فهو رسول البشرية بِأَسْرِهَا ، ومثال الإنسانية في أتمّ صُوَرها، وهو رحمة الله للعالمين وخاتم النبيين، ورحم الله القائل:
وُلِدَ الهُدى فَالكائِنات ضِياءُ وَفَمُ الزَمانِ تَبَسُّمٌ وَثَناءُ
لقد تابع العالم كلّه في الأيام الماضية تلك الحملات المتلاحقة التي تهدف إلى الإساءة للإسلام ونبيّه الكريم – صلّى الله عليه وسلّم -، وذلك من خلالِ قيامِ المجلة الفرنسية الساقطة (شارلي إيبدو) بإعادة نشر الرسوم المُسيئة للرسول –صلّى الله عليه وسلّم- التي سبق أن نشرتها سنة 2015م، وَتَطَاوُلِ الحاقدين على القرآن الكريم بحرق نسخة منه خلال تظاهرة في السويد، وكذلك تصريحات الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) ضِدَّ الإسلام والرسول – صلّى الله عليه وسلّم- ، بكثيرٍ من الوقاحة والغُرور، فهذه الأعمال الإجرامية ليست من حرية الرأي والتعبير في شيء ،وإنما هي محضُ تعصّب مَقيت، وهي مخالفة لكل الشرائع السماوية والمواثيق والأعراف الدولية، لِمَا فيها من إساءة لديننا الإسلامي الحنيف ونبينا الكريم –صلّى الله عليه وسلّم- الذي جاء رحمة للعالمين.
وهذه ليست أوّل مرة يُنَال فيها من ديننا الإسلامي الحنيف، أو يُسَاء فيها إلى رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم-، فقد صدر مثل ذلك من مستشرقين وصحفيين وفنانين وغيرهم كثيرين، ولكنْ في هذه المرَّة جاءت الإساءة من قادة سياسيين، حيث تَبَنَّى الرئيس الفرنسي (ماكرون) الرسوم المسيئة للرسول – صلّى الله عليه وسلّم – وَنَشرها في الميادين العامة وعلى بعض المباني بفرنسا، ويأتي هذا الموقف من الرئيس الفرنسي بعد تصريحاته غير المسؤولة المُسيئة للإسلام والتي قال فيها : (إنّ الإسلام يعيش اليوم أزمة عميقة في كلّ مكان بالعالم).
إِنّ قائمة المُتطاولين على رسولنا الكريم - صلّى الله عليه وسلّم- قديماً وحديثاً طويلة، مليئة بالمجرمين المستهزئين ، ولكن يجب علينا أن نعلم بأنّ المصير المحتوم ينتظر كلّ طاعن ومستهزئ، فهذه الرسوم والإساءات المتكررة لَمْ ولَنْ تنال من جنابه الشريف – عليه الصلاة والسلام- قَيْدَ أُنْملة، فقد تكفّل الله سبحانه وتعالى بِصَوْنِه وحِفْظه كما جاء في القرآن الكريم : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.
إِنّ هذه الأعمال الإجرامية تأتي استمراراً لجرائم التَّطاول على الدين الإسلامي الحنيف وعلى رسولنا –صلّى الله عليه وسلّم-، فقد درج بعض الحاقدين على التشكيك في نبيّ الإسلام والطَّعْن في رسالته، لأنهم يريدون الإساءة للرسالة الإسلامية والنَّيْل من صاحبها – عليه الصلاة والسلام –؛ لذلك فإِنّ الواجب علينا ضرورة التَّمَسُّك بِسُنَّة الرسول – صلّى الله عليه وسلّم– قولاً وعملاً، وكذلك نُصرته
-عليه الصلاة والسلام- بكلّ الوسائل، والدفاع عنه والذبّ عن سُنّته وهَدْيه، والتَّصدي للحاقدين
الذين يعملون على النَّيْل من قَدْرِه والتشكيك في رسالته، وتعريف الآخرين بسيرة النبي – صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك من خلال وسائل الإعلام المختلفة، ورحم الله القائل:
يا سيّدي يا رسولَ اللهِ آلَمَنا أنْ قامَ غِرٌّ بدارِ الكُفرِ عَادَاكَ
وغيرُهُ قام في حِقدٍ وفي صَلَفٍ بالزّورِ والظُّلْمِ والعُدْوانِ آذاكَ
هذا وذاكَ يُريدانِ الدّمارَ لَنَا لا تُبقِ يا ربِّ لا هذا ولا ذَاكَ
هذه هي عاقبة المستهزئين الذين يتطاولون على سيِّدنا وحبيبنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – فهناك من شُلَّتْ يده جزاءً له على تكبّره وتعاليه على توجيهات النبي – صلّى الله عليه وسلّم – ، وهناك مَنْ مَزّق الله مُلْكَه جزاءً له على تكبّره واستهزائه بالرسول – صلّى الله عليه وسلّم-، وهناك من لفظته الأرض لأنه سبَّ واستهزأ بالرسول الكريم – عليه الصلاة والسلام -، وكأنها تقول له : لا مكانَ في بطني لمن استهزأ بك يا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- .
لقد ظنّ الحاقدون على الإسلام وعلى رسولنا – صلّى الله عليه وسلّم- أَنَّ أعمالهم الإجرامية من رسوم وإساءات وغيرها سَتُشَوِّهُ صورته، وأنّ ذلك سَيُطفئ نوره، ويمنع ظهوره: {وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}، ونسوا أنّ الإسلام لن ينتهي من هذه الدنيا؛ لأنه يوم أن ينتهي الإسلام من هذه الدنيا فلن تكون هناك دنيا؛ لأنّ الشمس ستنطفئ والنجوم ستنكدر والحصاد الأخير سيطوي العالم أجمع.
ومن فضل الله سبحانه وتعالى أنّ الناس في كلّ يوم يدخلون في دين الله أفواجا، كما أنّ عشرات الآلاف يعتنقون هذا الدين سنوياً في أوروبا بفضل الله سبحانه وتعالى، وهذا ما أكّده المُفَكّر الإنجليزي (برنارد شو) عندما قال: (لَوْ حَكَمَ هذا العالم رجلٌ كمحمد لقدّم له الحلول لمشكلاته ، بل لَفَتَحَ كلّ مُستغلق من شؤونه وفي وقت قريب )، وفي ذلك دلالة واضحة على أنّ العالم قَدْ يَئِسَ من جميع الأيدلوجيات الاشتراكية والرأسمالية ، وما عليه إلا أنْ يدرسَ هذا الدين ويؤمن برسالة سيدنا محمد–صلّى الله عليه وسلّم – وَيُطَبّق مبادئ الإسلام، لتعيش البشرية حياة آمنة مطمئنة إن شاء الله .
ومن المعلوم أنّ ديننا الإسلامي يحترم جميع الأنبياء والمرسلين-عليهم الصلاة والسلام-ويعرف فضلهم،كما يدعو المسلمين للإيمان بهم جميعاً، لقوله تعالى:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ}،وقد سبق لنا أنْ ندَّدْنا بالأفلام التي عُرضت قبل سنوات في أوروبا، والتي تُسيء إلى سيدنا عيسى-عليه الصلاة والسلام– وأمّه مريم البتول،حيث إِنّ أيَّ إساءة لأيِّ رسول تُعتبر إساءة لجميع الأنبياء والمرسلين– عليهم الصلاة والسلام-.
إننا ندعو الأمتين العربية والإسلامية، والمجتمع الدولي، للوقوف جنباً إلى جنب للتصدي لهذه الهجمة الإجرامية التي تمسّ عقيدة نحو ملياري مسلم في العالم، وتُثير الضغائن والفتن والكراهية بين الشعوب، وتُشكّل كارثة على العلاقات الإنسانية والتعايش بين البشر، وكذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة ضدّ الدول والهيئات والصُّحف التي تُسيء لرسولنا -صلّى الله عليه وسلّم – والقرآن الكريم والإسلام والمسلمين.
وصلّى الله على سيدنا محمد rوعلى آله وصحبه أجمعين .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت