أين تتجه الساحة الفلسطينية في ظل الانتخابات الأمريكية؟

جيش الاحتلال

منذ أن توصلت فتح وحماس إلى اتفاق مصالحة في أيلول (سبتمبر)، تكهن الخبراء والنشطاء والصحفيون الفلسطينيون بشأن متى وكيف وما إذا كانت هذه المصالحة الأخيرة قد تمضي قدمًا بالفعل. ينظر العديد من المراقبين، داخل فلسطين وخارجها، إلى هذه الخطوة على أنها رد على التقارب الأخير بين الدول العربية وإسرائيل، فضلاً عن عدم اليقين بشأن الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا الأسبوع. وتشير حقيقة أن المصالحة هي استجابة لأحداث خارجية وليس لحاجة وطنية فلسطينية إلى أن القادة الفلسطينيين لا يزالون يفتقرون إلى استراتيجية أو رؤية وطنية لشعبهم، مما لا يبشر بالخير للفترة المقبلة.

مضى ما يقرب من 15 عامًا على إجراء انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني. وسرعان ما أصيب الجسد هذه المرة بالشلل بعد أن اعتقلت إسرائيل العديد من أعضائه ورفض المجتمع الدولي القبول بنتيجة جاءت بحماس إلى السلطة. لقد اعتاد الفلسطينيون العاديون على جولات المصالحة بين الطرفين، وقلة منهم تحبس أنفاسها على أمل أن تكون هذه المرة مختلفة. ولكن وبالنظر إلى وعود المصالحة التي لم يتم الوفاء بها في الماضي، فإن الكثيرين لا يثقون بالقيادة. وكثيراً ما تعاظمت التوقعات والآمال في الانتخابات كوسيلة للحفاظ على شرعية النخبة السياسية فيما عمد كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية إلى تأجيلها بذريعة ما أو بأخرى.

لقد دعت صفقة المصالحة الأخيرة في سبتمبر/ أيلول إلى انتخابات جديدة للمجلس التشريعي ورئاسة السلطة الفلسطينية، وكذلك للمجلس الوطني الفلسطيني، برلمان منظمة التحرير الفلسطينية المحتضر في المنفى، ليليها تشكيل حكومة وحدة وطنية. وكان من المقرر عقد اجتماع متابعة للأمناء العامين للفصائل للتحضير للانتخابات في أكتوبر/ تشرين الأول. ومع ذلك، فقد تم تأجيل الاجتماع بسبب الخلافات المستمرة في الرأي حول سبل المضي قدمًا. وبصرف النظر عن بعض البيانات الرسمية الشكلية التي تحاول تفسير هذا الخمول، فقد توقفت العملية مرة أخرى.

ماذا حدث وماذا ينتظر القادة الفلسطينيون؟

هناك عدة أسباب لتبدد محاولة المصالحة الأخيرة، بما في ذلك صعوبة إقامة شراكة بين حماس وفتح داخل السياسة الفلسطينية، التي لم تعتدْ على تقاسم السلطة كجزء من ثقافتها السياسية. لكن لعل الرئيس محمود عباس ينتظر نتائج الانتخابات الأمريكية أيضاً.

بالنسبة إلى فتح، فإن فوز المرشح الديمقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن، يمكن أن ينقذ السلطة الفلسطينية من السير في طريق تقاسم السلطة مع حماس، وهو أمر من المرجح أن تعارضه كل من إسرائيل والإدارة الأمريكية. أما في حالة فوز بايدن، فسيكون عباس حريصًا على تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. وقد ترى قيادة عباس أيضاً فرصة مع بايدن لاستئناف عملية السلام التي تقودها الولايات المتحدة لدعم حل الدولتين. كما يبدو أن اقتراحه الأخير لعقد مؤتمر سلام دولي يوحي بالنسبة لقيادة عباس، بأن أي حكومة وحدة ستكون عقبة أمام الهدف المنشود للدولتين نظرًا لاعتمادها الشديد على الولايات المتحدة كوسيط ومانح وداعم سياسي. لذلك، يمكن القول إن السعي إلى حل الدولتين لا يتوافق مع المصالحة الوطنية، بالنظر إلى الولايات المتحدة وخاصة موقف إسرائيل ضد مشاركة حماس بأي شكل.

بالنسبة لفتح وقيادة السلطة الفلسطينية الحالية، فإنهم لا يحبون شيئًا أكثر من إعادة العلاقات مع أمريكا إلى وضعها الطبيعي، حتى لو كان ذلك يعني العودة إلى المسار التقليدي لإدارة الصراع بدلاً من حله. يعتمد نهج “إدارة الصراع” على السعي لتقليل حدة الصراع بين الطرفين قدر الإمكان، مع تأخير حله إلى لحظة مستقبلية، وإن كانت غير واقعية، يمكن فيها الوصول إلى تسوية سياسية مقبولة. لذلك، يعتمد مسار “إدارة الصراع” على إبقاء خيار حل الدولتين على قيد الحياة، لأنه يمثل غطاء مناسبًا، وغالبًا ما يكون مرغوبًا فيه، لجميع الأطراف.

من المتوقع أن يتخذ بايدن عدة خطوات إصلاحية، مثل إيجاد طريقة لإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، واستعادة تدفق المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، وتجديد التزامها تجاه الأونروا، وربما إعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية. ومع ذلك، سيتعين على الفلسطينيين دفع ثمن باهظ لإعادة العلاقات مع أمريكا إلى ما كانت عليه قبل عهد ترامب. لا يريد الفلسطينيون العاديون إعادة الوضع إلى ما كان عليه مع إسرائيل. فهم لا يريدون تنسيقًا أمنيًا مع إسرائيل يفشل في حماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين، أو العودة إلى مسار مفاوضات مفتوحة. السؤال هو ما إذا كان على الفلسطينيين دفع هذا الثمن. إن الطريقة الوحيدة لمعرفة ما يريده الفلسطينيون هي من خلال منحهم فرصة للتعبير عن تفضيلهم من خلال انتخابات ديمقراطية.

ومع ذلك، إذا فاز ترامب في الانتخابات، فقد يؤدي ذلك إلى تسريع محاولات الوحدة والمصالحة، حيث ستبحث فتح والسلطة الفلسطينية عن مسار فوري لتجنب عدم الارتباط بشعبيهما. ومن المتوقع أن تصبح “صفقة القرن” حقيقة واقعة، بما في ذلك ضم إسرائيل القانوني لغور الأردن، من بين مناطق أخرى في الضفة الغربية. وإذا أعيد انتخاب ترامب، فسيكون هناك طابور طويل من الدول العربية التي تنتظر تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك المغرب وعمان وموريتانيا وربما السعودية. وسيؤدي هذا إلى مزيد من العزلة للفلسطينيين، الذين من المحتمل أن يزيلوا إحباطهم من القيادة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، وبالنظر إلى النقص الحالي في التمويل، فمن المرجح أن تنفد أموال السلطة الفلسطينية وقد تنهار، مع استبدال حل الدولتين على الأرجح بواقع دولة الفصل العنصري الحالي.

ستؤدي هذه العوامل إلى خلق ضغوط لحل السلطة الفلسطينية، كما طالب كثير من الفلسطينيين. لن تكون السلطة الفلسطينية قد فقدت سبب وجودها فحسب، بل لن يكون لديها عذر للاستمرار كما هي. وسيكون من الضروري التفكير في اتجاهات جديدة للتحالفات والشراكات بين الفصائل المختلفة، وسيتعين على القيادة الحالية إعادة تجميع صفوفها للحصول على أي تأثير.

ومهما كانت نتائج الانتخابات الأمريكية، فلا ينبغي للقيادة الفلسطينية أن تقرر خطوتها التالية ومستقبل ملايين الفلسطينيين بناءً على النتائج. إذا كانت القيادة الفلسطينية الحالية غير قادرة على اتخاذ قرار بشأن المسار الأقل ضررًا، فعليها التنحي وإجراء الانتخابات عاجلاً وليس آجلاً. على أي حال، لا ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تتراجع عن وعدها بإجراء انتخابات وإصلاح مؤسساتها السياسية. يستحق الفلسطينيون حياة سياسية مستقرة يحكمها القانون الذي يدعم صمود الفلسطينيين، على الرغم من وجود الاحتلال وبغض النظر عمن في البيت الأبيض.

بقلم: د. كارول دانيال كسبري*

مؤسسة دراسات الشرق الأوسط/واشنطن 4/11/2020

* د. كارول دانيال كسبري هي عالمة اجتماع تتمتع بخبرة تزيد عن 20 عامًا في تصميم وقيادة البرامج في مجال التخفيف من حدة النزاعات وبناء السلام والدعوة والمقاومة اللاعنفية في بيئات دولية معقدة للغاية تركز على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأوروبا. هي باحثة غير مقيمة في برنامج MEI حول فلسطين والشؤون الفلسطينية الإسرائيلية وتدرس كأستاذ مساعد في مدرسة تحليل النزاعات وحلها (مدرسة كارتر) في جامعة جورج ميسون في فيرجينيا. الآراء المعروضة في هذه القطعة خاصة بها.

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - واشنطن