افتتح معرض الصين الدولي للواردات، الذي أُشيد به باعتباره "ابتكارا في تاريخ التجارة العالمية"، دورته الثالثة في هذا المركز التجاري الصيني يوم الأربعاء.
وباعتباره أول معرض على المستوى الوطني مُخصص للواردات في العالم، فإن معرض الصين الدولي للواردات يجسد وعد الصين الرسمي بالانفتاح، ويبرز التزامها الراسخ بدعم العولمة الاقتصادية وبناء اقتصاد عالمي مفتوح.
وفي الوقت الذي لا تزال فيه جائحة كوفيد-19 مستشرية والاقتصاد العالمي متأرجح، فإن وعد الصين الثابت بالانفتاح وممارستها الراسخة له يجدان صدى لدى جميع أولئك الذين يكرسون جهودهم لمكافحة فيروس كورونا الجديد ويعززهم، وهو ما يدعم التنمية المشتركة ويبني مستقبلا أكثر إشراقا للبشرية.
ويوضح معرض الصين الدولي للواردات، الذي يزداد قوة منذ ولادته، عزم الصين الثابت على الانفتاح على نطاق أوسع على العالم بغض النظر عن كيفية تغير الوضع الخارجي.
خرج المعرض إلى حيز الوجود بعد مرور عقد من الزمان على الأزمة المالية العالمية لعام 2008، حيث كان الانتعاش الاقتصادي العالمي يفقد زخمه، والحمائية التجارية والنزعة الأحادية في ازدياد، والعولمة الاقتصادية تواجه رياحا معاكسة قوية.
فالتجارة العالمية تعد محركا مهما للنمو الاقتصادي العالمي. وعندما كان الاقتصاد العالمي يواجه تحديات شديدة، قامت الصين، بصفتها أكبر تاجر للسلع في العالم، طواعية بإنشاء معرض الصين الدولي للواردات كمنصة للشركات في جميع أنحاء العالم للاستفادة بشكل أكبر من سوقها الهائل والمتنامي. ووفقا لتقديرات عام 2018، من المتوقع أن تستورد الصين سلعا وخدمات تتجاوز قيمتها 30 تريليونا و10 تريليونات دولار أمريكي على التوالي خلال 15 عاما.
وعلى مدى العامين الماضيين، نما المعرض ليصبح قناة رئيسية تجد من خلالها المنتجات في جميع أنحاء العالم طريقها إلى السوق الصينية. وتظهر الإحصاءات الرسمية أنه قد تم التوصل إلى صفقات مبدئية بقيمة حوالي 57.83 مليار و71.13 مليار دولار في الدورتين السابقتين على التوالي.
وإلى جانب التحركات الصينية الملموسة الرامية إلى تعزيز بيئة أعمال من الطراز العالمي وتعميق التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، لم يقف معرض الصين الدولي للواردات فقط شاهدا على التزام الصين الراسخ بالشروع في جولة جديدة من الانفتاح على مستوى عالٍ، وإنما أظهر أيضا إحساسها بالمسؤولية كدولة كبرى تجاه تقاسم فرص التنمية ودعم الاقتصاد العالمي.
كما أن افتتاح أحدث دورة من معرض الصين الدولي للواردات يبدد الشكوك حول موقف الصين تجاه الانفتاح الناتجة عن جهود الصين لتشكيل نمط تنمية جديد يتسم باتخاذ السوق المحلية دعامة أساسية مع قيام الأسواق المحلية والدولية بتعزيز بعضها البعض. وإن نموذج "التداول المزدوج" لا يعني أن الصين ستدير اقتصادها خلف أبواب مغلقة. بل ستفتح أبوابها على نطاق أوسع.
وقد قال الرئيس الصيني شي جين بينغ في كلمته الرئيسية التي ألقاها عبر الفيديو في حفل افتتاح معرض الصين الدولي للواردات في وقت متأخر من يوم الأربعاء "هدفنا هو تحويل السوق الصينية إلى سوق للعالم، سوق يتشارك فيها الجميع، وسوق يستطيع الجميع الوصول إليها"، مضيفا أنه "بهذه الطريقة، سنتمكن من جلب المزيد من الطاقة الإيجابية للمجتمع العالمي".
يشهد معرض الصين الدولي للواردات، الذي يعقد كما هو مقرر كل عام، على أن الصين تفي بوعدها بالانفتاح من خلال اتخاذ إجراءات ملموسة لتقاسم مكاسب تنميتها مع بقية العالم وتعزيز النمو المشترك.
على مدى العقود الأربعة الماضية، سارت الصين بخطى ثابتة إلى الأمام على طريق الإصلاح والانفتاح بغض النظر عن التقلبات في المشهد العالمي. وهذا المسار لا يناسب احتياجات التنمية في الصين فحسب، بل يتماشى مع اتجاه العصر في ظل عصر العولمة هذا.
وكما قال شي في حفل افتتاح الدورة الأولى من معرض الصين الدولي للواردات، فإن "الانفتاح أصبح علامة تجارية للصين". وأشار الرئيس إلى أن "الصين نمت باحتضان العالم، كما استفاد العالم من انفتاح الصين".
تبذل الصين منذ فترة طويلة جهودا حثيثة لتوسيع الانفتاح. فقد أقامت عددا من المناطق الاقتصادية الخاصة، بما في ذلك منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة، وأنشأت أكثر من 20 منطقة تجارة حرة تجريبية في جميع أنحاء البلاد. واستضافت سلسلة من الأحداث التجارية الكبرى بما في ذلك معرض الصين الدولي للواردات، ومعرض كانتون البالغ من العمر 63 عاما، ومعرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات، كما سنت قانونا جديدا للاستثمار الأجنبي.
إن الصين تتبع بثبات إستراتيجية انفتاح تقوم على الفوز المشترك، يمكن من خلالها للبلاد أن تستمد القوة من العالم وتفيد العالم بشكل أفضل من خلال تنميتها، هكذا قال شي في خطاب ألقاه الشهر الماضي في تجمع كبير للاحتفال بالذكرى الـ40 لتأسيس منطقة شنتشن الاقتصادية الخاصة، التي تأتي في صدارة انفتاح الصين وتعد رمزا له.
منذ الانهيار المالي الدولي في عام 2008، ساهمت واردات الصين بسدس زيادة الواردات العالمية وعملت كمعزز ومرتكز رئيسي للانتعاش الاقتصادي العالمي. ويظهر تقرير صدر عن وزارة التجارة الصينية في وقت سابق من هذا العام أن الصين جاءت كثاني أكبر سوق للواردات في العالم على مدى 11 عاما متتالية، حيث مثلت أكثر من 10 في المائة من إجمالي الواردات العالمية.
ومن ناحية أخرى، أصبحت الصين الآن أكبر شريك تجاري لأكثر من 120 دولة ومنطقة. ووقعت 200 وثيقة تعاون مع 138 دولة و 30 منظمة دولية ونفذت أكثر من ألفي مشروع تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق.
وإلى جانب بناء شراكات اقتصادية وتجارية أوثق، والتي جلبت فوائد ملموسة لكل من الصين وشركائها، تعمل الصين أيضا مع دول أخرى لمعالجة أوجه الاختلال وعدم المساواة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية العالمية، وتحسين نظام الحوكمة الاقتصادية في العالم، وجعل العولمة الاقتصادية أكثر شمولا وتوازنا.
وفي كلمتها خلال الدورة الأولى من معرض الصين الدولي للواردات، قالت كريستين لاغارد، المدير العام لصندوق النقد الدولي آنذاك، إن هذا المعرض يعد رمزا لجهود الصين لبناء "جسر إلى العالم" و"جسر إلى الازدهار" و"جسر إلى المستقبل".
وفي تحدٍ لهجمة كوفيد-19 متعددة الجوانب، لا يعرض معرض الصين الدولي للواردات فقط التقدم الكبير الذي حققته الصين في احتواء الجائحة، بل يوفر أيضا أملا تشتد الحاجة إليه إلى تحقيق النمو والتنمية في العالم فيما بعد الجائحة.
وفي إطار تمسكها بمبدأ وضع حياة الناس في المقام الأول، خاضت الصين معركة حازمة وقاسية ضد فيروس كورونا الجديد ووضعت الجائحة تحت السيطرة الفعالة، وأرست أساسا متينا لاستئناف العمل والإنتاج وكذلك العودة إلى الحياة الطبيعية.
ووفقا لذلك، يتعافى الاقتصاد الصيني، مسجلا نموا لربعين متتاليين. وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي الصادرة في أكتوبر، من المتوقع أن تسجل الصين نموا اقتصاديا بنسبة 1.9 في المائة في عام 2020، لتبرز بصفتها الاقتصاد الرئيسي الوحيد في العالم الذي يمكنه العودة إلى المنطقة الإيجابية هذا العام.
والتزاما منها بالانفتاح وتقاسم فرص التنمية، أقامت الصين في الأشهر الأخيرة العديد من المعارض الكبيرة، بما في ذلك معرض الصين الدولي للتجارة في الخدمات 2020 في بكين، لتنشيط التجارة العالمية والمساعدة في إخراج الاقتصاد العالمي من حفرة كوفيد-19. ومن خلال قيامها بذلك، اكتسبت الصين أيضا خبرة قيمة في تنظيم الأحداث غير المتصلة بالإنترنت وسط تدابير منتظمة لمكافحة الجائحة.
ولضمان الصحة العامة لمعرض الصين الدولي للواردات المنعقد حاليا، تم تطبيق إجراءات صارمة مثل الاختبار الكامل للحمض النووي، والتفتيش الصارم، وإجراءات الحجر الصحي، وأخذ عينات معيارية من أغذية سلسلة التبريد المستوردة. ومنذ فبراير، أدخلت الجهات المنظمة أيضا نظام "التسجيل السحابي" و"التوقيع السحابي" و"العرض السحابي" لتقديم خدمة أفضل للعارضين أثناء الجائحة.
وبفضل ضمان السلامة وآفاق الفرص التجارية الجديدة، أبدت الشركات في جميع أنحاء العالم حماسا وثقة غير مسبوقين في أحدث دورة من المعرض. وبحسب الجهات المنظمة، فإن مساحة المعرض هذا العام تتجاوز بكثير مساحة الدورة السابقة.
ومن أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة إلى معدات وحلول الصحة العامة على وجه الخصوص، خصص معرض الصين الدولي للواردات أيضا قسما فرعيا خاصا للصحة العامة والوقاية من الأوبئة هذا العام، بحيث يمكن لأكثر من 300 عارض عرض منتجاتهم من كمامات وألبسة واقية وكواشف اختبار وأجهزة ECMO ومعدات تنفس صناعي للعملاء في الصين وحول العالم.
في عالم اليوم، حيث أدى التقسيم الدولي للعمل إلى ارتباط مختلف الاقتصادات ببعضها البعض داخل سلاسل توريد وسلاسل قيمة عالمية معقدة، أصبحت مسارات تنمية البلدان في جميع أنحاء العالم مترابطة بشكل وثيق على نحو لم يسبق له مثيل.
وجائحة كوفيد-19، كما أشار شي في المناقشة العامة للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، "تذكرنا بأن العولمة الاقتصادية هي حقيقة لا جدال فيها واتجاه تاريخي". وإن "دفن المرء لرأسه في الرمال مثل النعامة في مواجهة العولمة الاقتصادية أو محاولة محاربتها برمح دون كيشوت يتعارض مع اتجاه التاريخ"، حسبما أضاف.
وإنه بعقل متفتح وحلم إلى تحقيق التنمية، يجتمع رواد أعمال من جميع أنحاء العالم في المركز الوطني للمعارض والمؤتمرات المشيد على شكل ورقة برسيم رباعية الوريقات في شانغهاي، وهم يتوقون إلى أن يحالفهم التوفيق والنجاح في السوق الاستهلاكية الأكثر تعدادا للسكان في العالم.
وطالما تقف جميع البلدان على الجانب الصحيح من التاريخ وتعمل معا لحماية التجارة الحرة والنظام التجاري متعدد الأطراف وتعزيز اقتصاد عالمي مبتكر وشامل وبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، فإن صنع مستقبل أفضل للجميع لن يكون مسألة حظ، وإنما مجرد مسألة وقت.