- د. رمزي النجار
تهل علينا هذه الأيام الذكرى السادسة عشر على وفاة القائد الرمز ياسر عرفات، الذي مازال يحيا بداخلنا، ويحيا بداخل أبناء الشعب الفلسطيني، بينما يموت بعض الأحياء الذين كانوا مقربين فينا وتموت معهم سنوات العشرة، وكثيرون يموتون في حياتنا وهم على قيد الحياة، أما ياسر عرفات ورفاق دربه فهم أحياء دائما فينا، كيف لا وهو من كرس معظم حياته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني مطالباً بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ووهب حياته حتى أخر رمق من أجل قضية شعبه، كان واضحاً ومباشراً وثورياً، أوصلنا ووصلنا معه لما كان يبدو مستحيلا بالعودة إلى أرض الوطن، وإقامة مؤسسات السلطة على طريق الاستقلال وإقامة دولتنا وعاصمتها القدس، على الرغم من آلة الموت والدمار الاسرائيلية على جسد البلاد وروحها، وواصل من بعدك رفيق دربك محمود عباس المشوار على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، فأنجبنا الاعتراف بدولة فلسطين.
لم تكن في يوم من الأيام ذكرى رحيل ياسر عرفات ذكرى عادية، بل لها معان كثيرة، فهي ذكرى قائد رمز له تاريخ مناضل مشرق ومن أهم القادة الذين كان لهم دور مفصلي في قضيتنا، قاد المنظمة في أحلك ظروفها، وهو الذي انتقل بقضيتنا من رمزية المخيم الفلسطيني اللاجئ، إلى الفلسطيني المناضل في حركة تحرر وطني، ورغم الضغوط والحصار بقي محافظاً على الثوابت والحقوق الفلسطينية، فثبّت ياسر عرفات الثبات وشماً أبدياً في كل معرك الثورة الفلسطينية التي خاضها الفدائيين دفاعاً عن الكرامة العربية، وأن يبقى شعبنا عزيزاً كريماً مرفوع الرأس بين شعوب العالم، رافضاً الانكسار والانفراط والانبطاح في زمن السقوط والتردي العربي، فبقى أبو عمار ثابتاً على الثابت لم يحيد عنه، عبر طرقاً قاسية وصعبة ولم تنل منه المنافي، وأبهر الجميع بصموده الأسطوري، تحمل الأقاويل والتقوّلات الخفية والدسائس، واصطبر على الظلم والظلموت، عينه عبور فلسطين بقلب مضيء نحو استعادة الأرض الفلسطينية المغتصبة، وأخذ من ممكنات الحل السياسي طريقا يؤسّس لحلم الدولة.
كان ياسر عرفات زعيما حقيقيا بكل ما تعنيه الكلمة، يتعامل مع الجميع الوطني بكل تواضع فكان الأب الحنون والتي لم نلمسها مع أباءنا الحقيقيين، قريباً من الجماهير منحازاً لقولتهم ووجدانهم الهادر، يشحذ هممهم بخطاباته الثورية النارية، صائد اللحظة التي يطلق فيها ندائه الواثق بتحقيق الوعد بأن يرفع شبل من أشبال فلسطين أو زهرة من زهرات فلسطين العلم الفلسطيني فوق مآذن وكنائس القدس، وأنه ليس منا وليس فينا من يتنازل عن ذرة تراب من القدس وفلسطين، وخلدت مقولاته ذاكرة التاريخ الفلسطيني، فكيف ننسى كلماته الأولي والأخيرة التي ما زالت تطرب مسامعنا، حين قالها أبو عمار وهو محاصرا في المقاطعة من أعداء الشعب "يريدوني إما قتيلاً، وإما طريدا، وإما أسيرا،، وأنا بقلهم شهيداً، شّهيداً، شّهيداً" و "على القدس رايحين شهداء بالملايين"، مقولات باقية في أذهاننا، ينشدها ويرددها الصغار قبل الكبار في حكاياتهم، وموالاً يطلقه المطربين في أغانيهم، يخطها الشعراء في أشعارهم، تذكرنا بأنك ما زلت باقي فينا، وأنك ما زلت معنا في قلوبنا وأرواحنا، وأنت الباقي والحاضر بكامل إشعاعك الغامر.
رحمك الله أبا عمار غادرتنا وتركت إرثاً من البطولات والفداء، وستبقى قائدنا ومعلمنا في القلب والوجدان بفضل مسيرتك النضالية التي تميزت بالصدق والاستقامة والجرأة والشجاعة والشفافية والنقاء الثوري وهي عصية على النسيان، نفتخر بمسيرتك إلى الأبد ونستلهم منها ما يمدنا بالعزم والإصرار والمضي على طريق النضال الوطني، وشعبك على العهد والوعد والقسم بأن نبقى الاوفياء للوطن وأن نعمل على تحريرها وتحقيق الحلم الفلسطيني بهمة وسواعد الابطال ان شاء الله .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت