- د. أسامه الفرا
مؤكد أن ولاية ترامب في البيت الأبيض كانت هي الأسوأ بالنسبة للقضية الفلسطينية بين الإدارات الأمريكية المختلفة، وبالتالي فإن فشل ترامب في إنتخابه رئيساً لولاية أخرى هو بحد ذاته شيء إيجابي لنا، لكن لا يعني ذلك أن الرئيس القادم "بايدن" يمسك بتلابيب العدالة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولا نتوقع منه أن يوقف إنحياز الإدارة الأمريكية التاريخي لدولة الإحتلال، والمؤكد أن هناك العديد من الملفات ستحظى بأولوية عمل الرئيس القادم منها جائحة كورونا ومعالجة تداعياتها على الإقتصاد الأمريكي وترميم علاقة أمريكا الخارجية التي تشققت خلال ولاية ترامب سواء ما يتعلق منها بالإتفاقات الدولية أو العلاقات مع الدول الوازنة في العالم، وسيكون للشأن الداخلي المساحة الأوسع في عمله وبخاصة ما يتعلق منها بالعنصرية التي طفت على السطح والعلاقة مع الأقليات، وعليه نخطيء إن إعتقدنا أن بايدن سيأتينا بإنفراجة كبيرة تعيد شيئاً من الحق والعدل الفلسطيني إلى نصابه طالما بقي وضعنا الداخلي على حاله من السوء، ونحن دون سوانا من بإستطاعته أن يفرض القضية الفلسطينية على المكتب البيضاوي وعلى المسرح السياسي الدولي.
يمكن لكم سيادة الرئيس فعل الكثير وبخاصة ما يتعلق منها بالشأن الداخلي، لسنا بحاجة إلى مرسوم رئاسي يحدد موعد الانتخابات التشريعية في ظل إنقسام يضرب بمكوناته مفاعيل العمل الوطني طولاً وعرضاً بقدر ما نحن بحاجة لمرسوم رئاسي تدشن به العدالة الإنتقالية لتهيئة المناخ الصحي لإجراء الانتخابات، العدالة الإنتقالية التي يشعر من خلالها المواطن الفلسطيني بجدية العمل نحو طي صفحة التشرذم والضعف التي أصابتنا ونستعيد من خلالها تجميع قدرات شعبنا بإعتبارها الرافعة الأساسية للمشروع الوطني، العدالة الإنتقالية التي نقر من خلالها أننا جميعاً ودون إستثناء أخطأنا بحق الوطن والمواطن وحاجتنا الماسة لإصلاح هذه الأخطاء ومداواة نتائجها، وكي نصل بالعدالة الإنتقالية إلى النتائج المرجوة لا بد وأن يحكمها سقف زمني وأن تكون شاملة بما يحقق اللحمة الفلسطينية الحقيقية وتتضمن:
أولاً: حركة فتح:
العدالة الإنتقالية التي تقود لمصالحة حقيقية لا بد وأن تبدأها بحركة فتح ذاتها، فجميع أبناء وكوادر الحركة بإستثناء قصيري النظر من أصحاب المصالح الخاصة يرون الحالة التي وصلت إليها الحركة على حقيقتها والذي يدفعنا للقول أن خوض الحركة لإستحقاق الانتخابات بهذه الحالة التي هي عليها مجازفة كبيرة بمستقبل الحركة، فلا يعقل أن تذهب الحركة إلى انتخابات في ظل اقصائها للآلاف من أبنائها وكوادرها بذريعة التجنح، ناهيك عن سلسلة الإجراءات العقابية التي إتخذتها السلطة بحق الموظفين في قطاع غزة وغالبيتهم من أبناء الحركة سواء ما يتعلق منها بالتقاعد المبكر أو التقاعد المالي "الغير قانوني" وقطع الرواتب والخصومات التي طالت الموظفين في قطاع غزة والتمييز المقيت بين موظفي السلطة في شقي الوطن، ومراوحة تفريغات 2005 مكانها دون أن يكون هناك حلاً يمنحهم الحق الذي كفله لهم القانون، وصرف مستحقات الأسرى والشهداء، لا يمكن للحركة أن تعول على أخطاء الغير دون أن تقوم ذاتها وتسترجع كل جماهيريتها، ولنبقي الخلافات الشخصية جانباً ونتطلع لما فيه مصلحة الحركة والوطن ونستجمع كل قواها ويكون النظام الأساسي للحركة هو ما يحتكم الجميع إليه.
ثانياً: المصالحة الوطنية:
لم يعد خافياً على أحد حجم الضرر الذي ألحقه الإنقسام بالقضية الفلسطينية وأن الإنقسام بكل مكوناته وإفرازاته يصب في خانة العمل الغير وطني، وكي نغادر هذا المربع المقيت على وجه السرعة لا بد وأن نجعل من تحقيق المصالحة الوطنية وطي صفحة الإنقسام أولوية لدينا عما سواه، ولعل هذا يتطلب من الرئيس أن يكون على رأس الإجتماعات المتعلقة بالمصالحة وإن تطلب منه ذلك أن يلتقي بقيادات الفصائل في غزة أو أي مكان آخر أن يذهب إليه دون تردد، وأن يحمل معه رؤية متكاملة حول إنهاء إفرازات الإنقسام وجدولة واضحة للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني وعلى قاعدة أنه لا يمكن القبول بإستمرار إرتهان المستقبل الفلسطيني بتسويف من هذا الفصيل ومماطلة من آخر.
ثالثاً: الانتخابات:
رغم حاجتنا لتجديد الشرعيات وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني إلا أنها ليست الفانوس السحري الذي بإستطاعته ترميم البيت الفلسطيني، وبالتالي لا بد وأن يسبقها توفير البيئة الصحية لها كي تأتي الإنتخابات على الوجه الذي يخدم الشعب الفلسطيني لا تلك التي تفاقم من تعقيداته، وجيد أن تبنى الانتخابات على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ونشيد على أساسها شراكة فلسطينية حقيقة، لكن نحن بحاجة قبل ذلك أن نشرع في معالجة القواعد التي بني عليها الانقسام، أما أن نحمل تبعيات معالجة الانقسام وتداعياته على الحكومة القادمة فهذا بمثابة هروب إلى الأمام ولا يؤسس لمستقبل يطمئن له الجميع.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت