- د. فايز أبو شمالة
يحسب بعض الفلسطينيين الغافلين أن مدن الضفة الغربية في مأمن من الأطماع الإسرائيلية، وأن مجرد وجودهم داخل مدن الضفة الغربية يقصم ظهر المخططات الصهيونية، وأن تزايد أعدادهم، وتكاثرهم الديمغرافي سيفسد على الإسرائيليين تآمرهم على القضية الفلسطينية، ويحسب هؤلاء الفلسطينيون أن بقاءهم يشكل خنجراً في خاصرة الاستيطان الذي يغتصب الأرض، وأن بقاءهم داخل المدن والقرى يشكل شوكة في زور الاحتلال، ويحبس أنفاس المستوطنين.
قد يكون في المنطق السابق بعض الواقعية فيما لو كان العدو فرنسياً أو بريطانياً، ولكن العدو إسرائيلي، والذي يخطط لتغيير الواقع الديمغرافي في الضفة الغربية له منطلقات عقائدية، والطامع بالأرض لا يخشى العواقب، وله تجربة سابقة في طرد ملايين الفلسطينيين من مدنهم وقراهم، وله خطط معدة من عشرات السنين في انتظار اللحظة المناسبة، وعلى سبيل المثال، فإن خطة طرد الفلسطينيين من وطنهم قد أعدت لحظة انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول سنة 1897، وتم تنفيذ المخطط سنة 1948، لتظل النكبة خير شاهد على فظاعة المخططات الصهيونية، وخير دليل على سهولة تنفيذ نكبة أخرى في مدن الضفة الغربية، بطرق إبداعية جديدة، وبوسائل وأساليب تتناسب والقرن الواحد والعشرين.
أصحاب نظرية الصمود على الأرض دون فعل شيء، هم أصحاب نظرية تفويت الفرصة على الاحتلال دون تمكينه من ممارسة البطش والطرد لسكان الضفة الغربية، أصحاب هذا المنطق يطالبون الشعب بعدم المقاومة، والانتظار بصمت، وعدم المبادرة بأي خطوة تجر على أرض الضفة الغربية المزيد من المصادرة، وتجر على السكان المزيد من القمع والتنكيل، وربما الطرد في حالة اشتداد الغضب الإسرائيلي، وتوفر الذرائع لذلك.
إلى أولئك الفلسطينيين الحالمين بالعيش بسلام في مدن الضفة الغربية بمنأى عن الأطماع الإسرائيلية، أسوق لكم ما نشره يوسي بيلن ـ أحد الوزراء الإسرائيليين السابقين، وأبرز مهندسي اتفاقية أوسلو ـ لقد نشر مقالاً عبر صحيفة إسرائيل هيوم، نقل فيه على لسان الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن العبارة التالية:
يقول جو بايدن"من وجهة نظر أمريكا، فإن السلام مع الفلسطينيين لن يحدث إلا تغييرا تكتيكيا، بينما السلام مع سوريا سيؤدي الى تغيير استراتيجي، ويضيف بايدن: أعلم أن الأمر بالنسبة لكم هو إيجاد حل للمسألة الديمغرافية، لكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الأولوية هي السلام بينكم وبين سوريا".
الخطورة في كلام بايدن لا تكمن في الدعوة لترتيب اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل، الخطورة الأشد تكمن في إدراك جو بايدن لقلق إسرائيل من المسألة الديمغرافية، إن مجرد تفهم أمريكا للمسألة الديمغرافية التي تشغل بال إسرائيل لجريمة، وإن الصمت العربي على هذا التفهم الأمريكي لجريمة، وإن الانتظار حتى تتخلص إسرائيل من الوجود الديمغرافي الفلسطيني لجريمة أكبر، وإن عدم قراءة المستقبل بعيون إسرائيلية مأساة تتكرر.
المؤامرة على أرض الضفة الغربية أنشبت أظفارها منذ سنوات، وخطر طرد الفلسطينيين أو ترحيلهم عن مدن الضفة الغربية قاب قوسين أو أقرب من انقطاع الرواتب، وإذا لم يبادر الفلسطينيون بخطوات عملية تفسد المخطط الصهيوني، وتضع الألغام على جوانب المنحدر الذي يقود إلى تنفيذ المخطط ، فإن سكين الأطماع الإسرائيلية ستقطع من الجبن الطري ما طاب لها، ويكفي في هذا المضمار أن تفجر المخابرات الإسرائيلية صراعاً داخلياً على السلطة، أو أن تغلق إسرائيل بوابة الارتزاق لعدد 150 ألف عامل من سكان الضفة الغربية، يعملون في مصانعها ومستوطناتها، وتفتح في المقابل بوابة الارتزاق في مدينة العقبة على البحر الأحمر، أو في مدينة "نيوم" الجديدة، أو في دولة الإمارات أو في دولة كندا؛ ليبدأ مخطط الترحيل في النفاذ، والانسياب باتجاه مصدر العيش دون ضجيج إعلامي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت