- رامز مصطفى
كاتب فلسطيني
في ذكراه السادسة عشرة ، لابد من الوقوف عند صاحب الذكرى الشهيد أبو عمار ، ليس لأننا كنا متفقين أو موافقين على ما انتهى إليه شعاره ثورة ثورة حتى النصر ، في الدخول بمنزلق التسوية ، التي قادته إلى " أوسلو " .
بل لأنه أضحى أداة قياس مع ما تعايشه الساحة الفلسطينية من استعصاء نتيجة الانقسامات السياسية والجغرافية ، والتي وفرت ولا زالت الفرصة الذهبية لقادة العدو في فرض وقائع كيانهم الميدانية على مجمل حقوق وعناوين قضيتنا الوطنية ، لتمثل " صفقة القرن " الصهيو أمريكية ، وبالتالي مخطط الضّم رأس الهرم في تصفيتها .
أداة القياس تلك تتمحور حولّ شخصية أبو عمار التي لو بقيت على قيد الحياة ، لبادر ومنذ زمن إلى إنهاء ذاك الاستعصاء ، مستخدماً ما تمتّع به من كاريزما وقدرة على اجتراح الحلول ، التي لم يتقنها أحدٌ غيره ، بما فيهم من خلفه .
أبو عمار قبلنا أم لم نقبل ، كان استثناء في نسجه لعلاقات وطنية حتى مع من خاصمه إلى حد السيف ، فهو صاحب شخصية لطالما كانت مثيرة للجدل ، وفي تقديري وتقدير الكثيرين أنها شخصية لن تتكرر . كيف لا وقد جمع المتناقضات ، فأجاد اللعب على جدرانها وحبالها ، احتار في أمره القريب قبل البعيد .
اختلفت وتصادمت معه معظم القيادات ، من داخل الحركة وخارجها ، ولكنه سرعان ما كان يعيد تجميعها من حوله ، وعندما يعمل على تدوير الزوايا مع أحد ، كان يعرف ماذا يريد منه .
نسج علاقاته مع جميع الدول والقوى والأحزاب وحركات التحرر والشخصيات ، من يمينها إلى يسارها ووسطها . تارة تخاله ماركسي وعلماني ، وتارة تظنه قومي ، وتارة أخرى الإسلامي حتى النخاع .
العلاقات لديه كما الباب الدوار ، لا يطيق أن يُلزمهُ أحد في محاور ، والتكتيك والإستراتيجية لا فاصل بينهما . عندما فرضت التسوية الأمريكية في المنطقة ، بعد حرب الخليج الثانية في العام 1991 ، حضر مؤتمر مدريد فأوصله إلى التوقيع على " أوسلو " ، بعد مفاوضات ماراتونية سرية بين المنظمة وكيان الاحتلال .
بموجبها عاد أبو عمار أو الختيار ، إلى أراضي الحكم الذاتي ، علها تكون المدخل نحو دولة بقيت حلماً مفترضاً ، ولو على 22 بالمائة مجموع ما أبقته " أوسلو " من أرض فلسطين .
في مفاوضات كامب ديفيد ، طالبته إدارة الرئيس بيل كلينتون وحكومة يهودا باراك ، ، بالتنازل عن حق العودة والقدس ، لكنه رفض ، فكانت الانتفاضة الثانية ، بعد أن دنّس شارون المسجد الأقصى . سارع أبو عمار لتوظيف الانتفاضة في محاولة للانقلاب على الواقع الذي عمِلّ العدو الصهيوني على فرضه ، فسلّح وغض الطرف عن المقاومين والعمليات الاستشهادية ، وأعاد وصل ما انقطع مع رفاق الرصاصة الأولى في الساحة الفلسطينية ، الذين بادلوه الحرص بالحرص ، فحملّه العدو الصهيوني المسؤولية . فاغتاله المقبور شارون بعد أن توعّده ، فقضى كما تمنى شهيداً ، وليس أسيراً أو طريداً .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت