التوت والنبوت ..

بقلم: أشرف صالح

أشرف صالح
  • اشرف صالح

التوت والنبوت هو فيلم قديم من روائع السينما المصرية , وهو يجسد واقع مصر القديمة في حقبة غياب القانون , حيث كانت شوارع القاهرة تخضع لحكم "الفتوة" والذي أخذ على عاتقه حماية الناس مقابل مبلغ من المال والمعروف بإسم "الإتاوة" وهذه الإتاوة يتم جمعها من عامة الناس كي تتحول الى رواتب ومصاريف شخصية للفتوة ومعاونية والرجال اللذين يعملون معه , وبما أن النبوت هو الوسيلة الوحيدة للوصول الى "الحكم" فمن الطبيعي أن يكون أيضاً أدات للظلم والقهر , فغالب الفتوات اللذين حكموا شوارع القاهرة قديماً وبحسب توثيق السينما المصرية كانوا ظالمين , كانوا يجمعون المال من الناس بحجة حمايتهم , وهم أنفسهم يمارسون الظلم والقهر ويستخدمون القوة ضد الناس , فالنبوت هو رمز القوة والحكم الإجباري , والتوت هو رمز حياة الرفاهية لكل من يعمل مع الفتوة أو يسير على دربه , ورغم مرور أكثر من مئة عام على الزمن الذي يحاكيه فيلم التوت والنبوت , إلا أننا لا زلنا نعيش في زمن التوت والنبوت..

 يبدو أن ثقافة المصريين قبل مئة عام , إنتقلت كالعدوى لنا كفلسطينيين حتى أصبحنا مستسلمين للأمر الواقع بإمتياز , وأصبحنا فريقان لا يمتكان أي وسيلة للمبادرة أو التأثير أو الضغط أو الحلول , الفريق الذي يتبع الحاكم وهو الفريق الذي يعيش حياة الرفاهية ويأكل التوت , والفريق الذي لا يتبع الحاكم وهو الفريق الذي يعيش القهر والخوف تحت سلطة وحكم النبوت , وهنا تكمن المشكلة في الواقع المأساوي الذي نعيش فيه الآن , وهي أنه لا يوجد فريق ثالث يكون جسر هوة بين من يبتعد عن الحاكم نتيجة خوفه من النبوت , وبين من يتقرب من الحاكم لكي يأكل التوت , ففي ظل غياب الديمقراطية وإنقطاع الأمل بعودتها , وفي ظل سطوة الأحزاب السياسية وأجندتها على إتخاذ القرارات , وفي ظل الثقافة القبلية والأعراف العشائرية المنسجمة مع قانون الغابة , وفي ظل تواطؤ القانون مع ما ذكرت , فلا يوجد فرق بين هذا الزمن وذاك الزمن , المسألة فقط مسألة تغيير مسميات .

كاتب صحفي

 

 

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت