عقد مركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" بالتعاون مع وزارة الزراعة الفلسطينية، وبتمويل من مكتب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو"، لقاءات الأعمال الثنائية بين المحافظات الشمالية "الضفة الغربية" والمحافظات الجنوبية "قطاع غزة"، التي استمرت على مدار الأسبوع الماضي، لتكون بمثابة حلقة وصل للمزارعين والموردين، والتجار في شقي الوطن، بهدف تعزيز الحركة التجارية والتبادل التجاري الداخلي.
وأشار محمد نسيبة الرئيس التنفيذي للمركز أن اللقاءات تأتي في إطار مشروع MAP الممول من منظمة "الفاو"، والتي جاءت بالتزامن مع إعلان الحكومة الفلسطينية للأول من نوفمبر من كل عام، يوما للمنتج الوطني، وهو يوم هام لجميع الأطراف في الاقتصاد الفلسطيني، والهادف لرفع مستوى المعرفة والثقة بالمنتجات المحلية وخلق المزيد من فرص العمل، من خلال تذليل العقبات الاقتصادية والسياسية وانعكاسات ممارسات الاحتلال من جهة، والتخفيف من انعكاسات الانقسام الداخلي على الاقتصاد من جهة أخرى، والتي لاقت نجاحاً وإقبالاً مميزاً من التجار والمزارعين في جميع المحافظات، داعيا الشركات والمزارعين إلى بذل مجهود إضافي لتلبية الاحتياجات المستقبلية.
ومن جانبه شدد حسام مساد منسق برنامج تطوير الأعمال الزراعية والتجاريةMAP في وزارة الزراعة، على إيلاء الوزارة الأهمية القصوى لقضية إيجاد أسواق للمنتجات المحلية وخاصة التبادل التجاري الداخلي، بهدف رفع الناتج الإجمالي للاقتصاد المحلي وتطبيق رؤية الحكومة الفلسطينية بالانفكاك الاقتصادي، موضحا بأن الوزارة تتعامل مع تصاريح التجارة الزراعية بين كافة محافظات الوطن بنفس الطريقة دون تمييز، فيما قدم جزيل الشكر والتقدير لمركز التجارة الفلسطيني "بال تريد" ومنظمة "الفاو" على دعمهم المستمر وتنظيم هذه اللقاءات، متمنيا التوفيق لكافة التجار والمزارعين المشاركين.
وقدمت فرح شاهين ممثلة منظمة "الفاو" في هذه اللقاءات، الشكر لمركز التجارة الفلسطيني على تنظيم اللقاءات في هذا اليوم بالتحديد وهو يوم المنتج الوطني، مشيرة إلى أن المنظمة تسعى من خلالها لتحسين وتطوير الاقتصاد الفلسطيني الكلي، وتعزيز صمود المزارعين في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها العالم بما فيه الأراضي الفلسطينية، وضمان استمرارية عملية الإنتاج عن طريق إشراك كافة الجهات وصولا للتماشي مع الأولويات الوطنية الفلسطينية.
وأشارت شاهين أيضا، إلى أن تدخلات "الفاو" من خلال مشروع MAP بالفترة السابقة لدعم الاستثمار الزراعي، قد استهدفت 108 مزارعين بقيمة 4.5 مليون دولار، فيما استقبلت للمرحلة القادمة 1800 طلب سيتم اختيار المناسب منها في المراحل النهائية، بالإضافة للمشاركة في حملات لرفع مستوى وعي الجمهور حول جودة المنتج المحلي التي نأمل أن تساعدهم في التبادل التجاري رغم جميع الصعوبات.
تجارب ناجحة وتحديات
فيما واصل المنتجين والتجار المجتمعين لقاءاتهم على مدار أسبوع عبر استخدام وسائل وتطبيقات التواصل والفيديو كنفرس، معبرين عن سعادتهم بالتجارب الناجحة السابقة التي تمثلت في بعض القطاعات مثل التمور والتوت الأرضي وغيرها من المنتجات ورغبتهم بتوسيع مجالات التجارة في حقول أخرى، وأشاروا إلى الروح الإيجابية ومحاولات ذاتية لتذليل كافة العقبات التي تواجه الحركة التجارية بين المحافظات.
ومن جانبه أشار زياد عنبتاوي رئيس مجلس إدارة شركة الأرض، إلى أن هذه اللقاءات تمثل فرصة طيبة وجيدة لكافة الأطراف، داعيا لتحديث معلومات التواصل وتبادلها بينهم وهو إجراء مهم لمعرفة آليات الإنتاج والأسعار وغيرها من التفاصيل الهامة، مؤكدا سعي الشركة لتسهيل تصدير زيت الزيتون من قطاع غزة إلى الضفة الغربية وإلى العالم، ومؤكدا أيضا على أن هذا التبادل يمثل رافعة حقيقية للاقتصاد الوطني خاصة في ظل ارتفاع إنتاج المحافظات الجنوبية من الزيت إلى 14990 طن وهو تطور إيجابي، في ظل حالة من ضعف القوة الشرائية هناك.
وأضاف عنبتاوي بأن مخرجات اللقاءات جيدة ونأمل أن يتم استثمارها بالشكل الصحيح من كافة المشاركين، موضحا بأنه تم التواصل مع 5 شركات من قطاع غزة سيتم ترتيب آليات عمل معهم، ومؤكدا على أن المنتج الفلسطيني مرغوب بشدة نتيجة تميزه ومراعاته للمواصفات والمقاييس العالمية.
ومن جانب آخر، أوضح المشاركين بأن التبادل التجاري يطغى عليه الجانب الوطني، من حيث إحلال تجار التمور على سبيل المثال للمنتج المحلي بدلا من الإسرائيلي بهدف الوقوف إلى جانب المزراع الفلسطيني الذي دشن مشاريع ناجحة ورائدة في هذا المجال، وأضافوا بأن الحكم على هذه التجارب بأنها ناجحة، جاء نتيجة للتعامل الجيد والصدق ما بين المزارع في الأغوار الفلسطينية والتاجر في قطاع غزة، والتطور الذي يشهده هذا القطاع، واصفين التعامل على أنه تعامل إنساني ووطني قبل أن يكون عبارة عن تجارة فقط.
ومن جهته أشاد مدير شركة أبو شنب للتجار العامة حجازي أبو شنب، بفكرة التواصل مع الشق الجنوبي من الوطن بعد الوصول لعدد من التفاهمات خلال أعمال اللقاءات، معرجا على صعوبة التواصل غير الوجاهي، إلا أنها تفتح طرق وآليات عمل مستقبلية، رغم وجود أكبر عائق أمام هذه الحركة التجارية المتمثل بالمواصلات التي تتطلب وجود مركبة إسرائيلية للنقل في الداخل المحتل، بالإضافة لمركبتين عند المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية وما يتبعها من تحميل وتنزيل، وضرورة التنسيق المسبق وغير الآني خاصة لحجز المركبة التي توصل البضائع بالداخل، واصفا إياه بالأمر الصعب خاصة بما يتعلق بنضج وتاريخ صلاحية المنتجات الزراعية.
وأوضح فتحي أبو عياش رئيس مجلس العنب الفلسطيني، بأن سوق العنب ومنتجاته جذب انتباه التجار في المحافظات الجنوبية خلال اللقاءات، رغم ما يواجهه من تحديات تسويقية جسيمة خاصة بما يتعلق بفترة ذروة الإنتاج والاختلاف بين المحافظات الشمالية والجنوبية في مواعيدها، بالإضافة لارتفاع نسبة الإنتاج عن كمية الطلب في المحافظات الشمالية، وضرورة إيجاد أسواق جديدة خاصة للسلع المصنعة من العنب كالزبيب والملبن وغيرها، التي تمنعها سلطات الاحتلال من الدخول والخروج من قطاع غزة، إلا أن هذه اللقاءات بحسب وصف أبو عياش كانت بمثابة منفعة اقتصادية لشعب واحد وسوق واحد، وهو السوق الوحيد للتاجر أو المزارع الفلسطيني في ظل عدم وجود أسواق خارجية، متأملا الخروج بنتائج طيبة بعد تزويد التجار بالأسعار والمنتجات.
ومن جانب آخر، أكدت ياسمين شديد مديرة جمعية دورا النسائية التعاونية للأغذية على أن هذه اللقاءات أثمرت عن عقد عدد من الصفقات الأولية مع تجار من غزة، موضحة بأن عدم معرفة الأهالي في المحافظات الجنوبية بالمنتجات التي تقوم مصانع وجمعيات المحافظات الشمالية بإنتاجها، كان عائقا أساسيا في نمو الحركة التجارية بين المحافظات، ودعت للمزيد من هذه اللقاءات التعريفية، وأوضحت بأن "بال تريد" ساهمت بالعديد من الآليات التي لها علاقة بنقل البضائع، وأبدى المركز استعداده للمساعدة في هذا الشأن.
وناقش المشاركون المزيد من المعيقات التي تواجه التبادل التجاري بين المحافظات الشمالية والجنوبية، والتي تمثلت بالدرجة الأولى بممارسات الاحتلال الذي يضع شروطا صعبة في وجه المزارعين والتجار في شقي الوطن، ومنعه العديد من السلع من الدخول إلى الضفة الغربية وخاصة زيت الزيتون، والمنتجات الزراعية المعلبة وغيرها من السلع، والتحديات المتمثلة بالنقل وتوصيل البضائع، بالإضافة لتناول انعكاسات الوضع السياسي الداخلي والانقسام على الحركة التجارية الداخلية، داعين لتناول هذه القضايا الداخلية بجدية أكثر من أجل الوصول إلى حل نهائي.
علاقة شراكة
وشدد معين اشتية مدير شركة قطاف للاستثمار والتسويق الزراعي، على أن التسمية المناسبة لعملية التبادل التجاري بين شقي الوطن هي علاقة شراكة وليست مجرد تجارة، معربا عن استعداده للمضي قدما في أي تجارة قادمة بعد تجربته الأولى، وذلك نتيجة تشكل حالة من الثقة في المنتجات المقدمة، ورغبة حقيقية من المستهلك في المحافظات الجنوبية بامتلاء منازلهم بهذه السلع، وعبر اشتية عن سعادته في هذه التجربة المتجددة والمتزايدة بالحركة التجارية في كل عام، وضرورة فتح آفاق جديدة في مجال تجارة ثمرة الأفوجادو والتوت الأرضي.
فيما قدم مازن بلعاوي مدير شركة البلعاوي للتمور شكره لمركز "بال تريد" على هذه الفرصة المثمرة والبناءة، والتي قللت من التخوفات من صعوبة التواصل، مؤكدا على عقد عدة صفقات خلال هذه اللقاءات التي ستصل بضائعها في القريب العاجل.
مجالات جديدة ومبتكرة
وفي مداخلة لياسمين جبر صاحبة مصنع شوكولاتة بمدينة رام الله، أشارت إلى أن المصنع يهدف إلى توسيع سوقه ليستهدف المحافظات الجنوبية بمنتجات وسلع جديدة ومبتكرة، يدخل فيها صناعة التمور مع الشوكولاتة، وهي منتجات فلسطينية رائدة تنافس في الأسواق المحلية والعالمية، فيما استقبل تجار المحافظات الجنوبية خلال أعمال اللقاءات هذه المبادرة بالتأكيد على أهمية دخول هذه السلع الجديدة للسوق الغزي، ومن المتوقع أن تجري صفقات في هذا المجال قريبا.
وتطرق المزارع نور ياسين في مشاركته إلى ضرورة الاهتمام بسوق الافوكادو الذي تنتجه مدينة قلقيلية بكميات ونوعيات ممتازة، وهو سوق جديد قام من خلاله المزارعين بطرح عدة أشكال من هذه الثمرة وزراعة العديد من الأشجار، مما يعتبر إضافة جيدة ومنتوج وافر وخط إنتاجي وتسويقي كبير.
وناقش المجتمعون أيضا، الآليات المقترحة لتعظيم الاستفادة من المساحات القليلة للأراضي الزراعية في قطاع غزة، وشح مياه الري، بالإضافة لعدد من القضايا المشتركة التي تخص السوق ومتطلباته.