- بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
يأبى وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو مغادرة منصبه وتسليم مهامه إلى خلفه، في حال اعترف رئيسه دونالد ترامب بالهزيمة أمام بايدن وغادر مكتبه في البيت الأبيض، قبل أن يستكمل ما وعدت به الإدارة الأمريكية الكيان الصهيوني، ويفي بالوعود التي قطعتها لصالحه، وينفذ المشاريع التي بدأتها إدارته خدمةً للشعب اليهودي عامةً، ولرئيس الحكومة الإسرائيلية الذي يعاني سكرات الإقالة أو المحاكمة والسجن، ولعله يصر على إتمام ما بدأ وإنجاز ما وعد، خوفاً من انقلاب السياسة وتغير الإدارة، وتبدل الأولويات والعودة إلى السياسات القديمة والتفاهمات السابقة، التي كانت قائمة على أساس حل الدولتين، وتفكيك المستوطنات، وانسحاب الاحتلال من الضفة الغربية.
استباقاً للأحداث وقطعاً للطريق على الديمقراطيين في حال استقرار الحكم لهم، ومنعاً لهم من إحداث أي تغييرٍ يمس جوهر صفقة القرن، والأسس التي بنى عليها ترامب تصوره للحل، فقد قرر وزير خارجيته مايك بومبيو زيارة الكيان الصهيوني، قبل انتهاء مدة الستين يوماً الباقية لولاية رئيسه، ولقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وشريكه في الحكومة بني غانتس، ليعلن أمامهما دعمه المطلق ل"إسرائيل"، والتزام الإدارة الأمريكية بوعودها، وتمسكها بشروطها، ووفائها بتعهداتها، فيما يبدو أنها محاولة منه لدعمهما في حال قرر نتنياهو الدعوة إلى انتخاباتٍ برلمانية مبكرةٍ، طالما أنهما يؤيدان الأفكار التي وضعها ترامب، ضمن ما بات يعرف باسم "صفقة القرن".
سيصل بومبيو خلال الأيام القليلة القادمة إلى فلسطين المحتلة، وقد هيأ له منظمو الرحلة زيارةً خاصةً إلى مستوطناتٍ إسرائيليةٍ مشادةٍ في الضفة الغربية، وهو يعلم أن أصحاب الأراضي التي تقوم عليها المستوطنات التي ينوي زيارتها يسكنون بالقرب منها، ويحرمون من الدخول إليها، وقد صادرتها سلطات الاحتلال منهم وطردتهم منها، وكأن بومبيو يريد أن يؤكد ما أعلنه رئيسه دونالد ترامب، من أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مستوطناتٌ شرعية، وأن من حق الحكومة الإسرائيلية البناء في أراضي الضفة الغربية حيث تشاء، ومن حقها أن توسع المستوطنات القائمة، وأن تزيد مساحتها وتحسن خدماتها، فهي وفق فهم ترامب وإدارته أراضي إسرائيلية، تخضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة.
هذه الزيارة التي يخطط لها بومبيو للمستوطنات الإسرائيلية زيارةٌ وقحةٌ مستفزةٌ، تنم عن حقيقته الصهيونية وطبيعته العنصرية، فهو ومساعده السفير دافيد فريدمان يؤيدان الاستيطان ويحرضان الحكومة الإسرائيلية عليه، ويستخفان بمشاعر العرب الفلسطينيين وينكرون حقوقهم، ويصرون على حرمانهم ومنعهم من استعادة أملاكهم وتحقيق أحلامهم، وكأنه بهذه الزيارة يؤكد الشراكة الأمريكية للكيان الصهيوني في احتلال فلسطين، فالولايات المتحدة الأمريكية بهذه السياسات المنحازة، تتحمل كامل المسؤولية عن ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في أرضهم ووطنهم، بل هي شريكة فيه وجزءٌ منه.
يتحدى بومبيو بالتنسيق مع نتنياهو بزيارته المستوطنات الإسرائيلية الأمم المتحدة، حيث يعتبر المجتمع الدولي كله، بما فيه الإدارات الأمريكية السابقة، أن المستوطنات الإسرائيلية في القدس والضفة الغربية مستوطناتٌ غير شرعية، وأن على الحكومة الإسرائيلية تفكيكها والانسحاب منها، وقد صدر بهذا الشأن قرارٌ أممي حمل الرقم 2334، أدان الاستيطان الإسرائيلي وندد به، واعتبره عدواناً على الشعب الفلسطيني واعتداءً عليه، ودعا الحكومة الإسرائيلية إلى الاعتراف به والعمل بمقتضاه القانوني، إلا أن زيارة بومبيو التي هي الأولى التي يقوم بها وزير خارجية إلى المستوطنات الإسرائيلية، تتنافى مع القرار الأممي وتستخف به.
يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بغض النظر عن محاولته التمسك بالسلطة وعدم تسليمها، استغلال الفترة المتبقية من ولايته في دعم الكيان الصهيوني إلى أبعد مدى، وذلك من خلال وزير خارجيته وسفيره إلى الكيان، ومساعديه ومبعوثيه إلى المنطقة، فهو يؤمن أنه مكلف بخدمة الشعب اليهودي ومساعدته، ويعتقد أن ما يقوم به إنما هو جزءٌ من تكليف الرب له، وعليه الالتزام والوفاء به، وهو ما وعد به ناخبيه والتزم به أمامهم، وقد عهد إلى وزير خارجيته تنفيذ وعوده، والعمل على دفع الدول العربية للاعتراف ب"إسرائيل" والتطبيع معها، وأوكل إليه مهمة تشريع المستوطنات وتقنين وجودها.
لن يكتفي بومبيو بزيارة مستوطنة "بساغوت" في مدينة البيرة المحتلة، واحتساء النبيذ من أحد المعامل التي يملكها مستوطنٌ يهوديٌ أمريكي جمهوري، حيث من المقرر أن يزوره في معمله، وقد كان له دور في دعم حملة ترامب الانتخابية، بل سيزور أيضاً مستوطناتٍ في هضبة الجولان السورية المحتلة، التي أعلن ترامب أنها جزء من أرض إسرائيل، وتخضع إلى السيادة الإسرائيلية الكاملة، وكأنه بهذه الزيارة الاستفزازية يبيض الأراضي التي اغتصبها الاحتلال، ويشرع الجرائم الي ارتكبها، ويؤكد على سياسة بلاده الداعمة للاستيطان، ويدعو المجتمع الدولي إلى الاعتراف به وعدم مجابهته.
لن يطول الأمر حتى يتفكك الكيان الصهيوني وينتهي مشروعه، وتسقط أحلامه ويزول وجوده، ومهما حاول المستكبرون في الأرض، والمستعمرون من الدول، والمستبدون من الحكام، والموالون من الأنظمة، والمطبعون من الجهلة، دعم هذا الكيان وإسناده، ومساعدته وتمكينه، وإطالة عمره وتشريع وجوده، فإن الشعب الفلسطيني الذي ضحى بعشرات الآلاف من أبنائه، سيتعهد بإنهائه وتحرير الوطن واستعادة الأرض وعودة الأهل، ولن تنفعه جهود بومبيو ولا مساعي سيده، بل إنهم ومن أيدهم سيرحلون، وهم ومن ساندهم سيزولون، ولن يبقى في الأرض إلا أصحابها، ولن يسكنها إلا أهلها، ولن يعيش فيها إلا عُمَّارُها الأصليون، العربُ الفلسطينيون.
بيروت في 16/11/2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت