كشف المستور: في تعطل المصالحة والعودة للتنسيق الأمني

بقلم: بدر أبو نجم

بدر أبو نجم
  • بقلم: بدر أبو نجم

القطيعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة الاحتلال استمرت أشهرا قليلة، بسبب سياسة ترامب ونتنياهو تجاه القضية الفلسطينية، وصفقة القرن، مع تغييب كامل للفلسطينيين، ما دفع القيادة إلى "التحلل" من الاتفاقات مع الاحتلال، ومن ضمن تلك الاتفاقات وقف التنسيق الأمني. لكن لم تستمر هذه القطيعة سوى أشهرٍ قليلة وعادت الأمور كما كانت.
تزامن وقف الاتفاقات مع الاحتلال، مع اجتماع الأمناء العامين بين بيروت ورام الله، في مشهدٍ غاب طويلا عن الساحة الفلسطينية، وتفاءل الجميع بالتقدم نحو المصالحة الداخلية وترتيب البيت الفلسطيني لمواجهة التحديات الراهنة التي تواجه القضية.
طالت القطيعة أكثر من ثلاثة عشر عاماً، بينما عادت العلاقات والاتفاقات المبرمة مع الاحتلال بعد شهور قليلة.. أإلى هذا الحد وصلت بنا الأمور تعقيداً بين أبناء الشعب الواحد؟ هل أصبح التفاهم بيننا معقدا أكثر من خلافنا مع هذا الاحتلال.
بعد اجتماع الأمناء العامين، بدأت اللقاءات بين فتح وحماس في اسطنبول والقاهرة، وحينها  بتنا قاب  قوسين أو أدنى من إتمام المصالحة وإجراء الانتخابات وعودة المياه إلى مجاريها، فما الذي حصل وأدى إلى إعادة التنسيق الأمني مع الاحتلال بنفس الزمن الذي يجلس فيه الجانبان في القاهرة أو أنقرة يتفقان على أن لا يتفقا؟؟
في بداية الاجتماعات أبدى الجانبان مرونة كبيرة في إتمام المصالحة، لكن صدرت كثير من التصريحات والتسريبات من قبل قيادات حماس لا تريد أن تمضي في مسار المصالحة أو وضعت شروطا تعرف جيداً أن فتح لن تقبل بها.
  كانت فتح قد بعثت برسالة إلى حماس أكدت فيها أن لديها قراراً استراتيجياً لبناء شراكة وطنية من خلال ثلاثة مسارات: الأول هو تشكيل قيادة وطنية موحدة للمقاومة الشعبية بمرجعية الأمناء العامين للفصائل، والثاني هو السلطة الوطنية الفلسطينية كذراع لمنظمة التحرير التي تشكل مرجعيتها القانونية، والثالث هو الشراكة في مؤسسات م.ت.ف.
وتؤكد الرسالة أن الشراكة تتحقق بالانتخابات في السلطة والمنظمة وانتخابات الرئيس وفق تفاهمات اسطنبول التي صادقت عليها كافة الفصائل بالترابط والتتالي. كما تؤكد أن قرارات 19/5/2020 بالتحلل من جميع الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية والالتزامات المترتبة عليها، بالإضافة إلى البيان الختامي لاجتماع الأمناء العامين ووثيقة الوفاق الوطني وتفاهمات اسطنبول هي المرجعية السياسية والتنظيمية والنضالية للعملية الديمقراطية.
ورداً على هذا الرسالة بعثت حماس رسالة خطية موقعة من صالح العاروري يعيد التأكيد فيها على خيار حماس الاستراتيجي بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة والشراكة.
 وتخلو الرسالة من الإشارة إلى مبدأ التزامن في الانتخابات، كما تخلو من الموافقة الصريحة على مبدأ " التتالي والترابط"، ولكنها تؤكد موافقة حماس على تفاهمات اسطنبول وتتضمن موافقة صريحة على فكرة القائمة الانتخابية المشتركة بين الطرفين ومن يريد من الفصائل والمستقلين، كما تلمح إلى إمكانية امتناع حماس عن منافسة مرشح فتح للرئاسة.
بعد إعادة التنسيق الأمني أجرى تلفزيون فلسطين لقاء مع جبريل الرجوب قال خلاله أن إعادة التنسيق الأمني لم تغير أي شيء على مسار المصالحة، وشدد على أن الجانبين ماضيان في مسار المصالحة بعد ردود الأفعال الواسعة من قبل الفصائل الفلسطينية التي تستنكر هذه الخطوة وانتقادات الشارع الفلسطيني، مؤكدا أن المصالحة ماضية قدماً من خلال تبادل الرسائل والاجتماعات بين الجانبين.
موسى أبو مرزوق قال إن عودة السلطة إلى التنسيق الأمني مع إسرائيل أفشلت المصالحة الداخلية والوحدة الوطنية.. في المقابل علت أصوات كثيرة من هنا وهناك تفيد بأن المصالحة قد تتدهور بعد إعادة العلاقات مع الاحتلال.
فهل اتخذت حماس إعادة العلاقات بين السلطة والاحتلال حجة للتوقف عن السير في طريق المصالحة؟ خصوصاً إذا ما استعرضنا الخلافات الداخلية التي حدثت داخل حركة حماس بين بعض القيادات التي انقسمت إلى تيار مع المصالحة بقيادة العاروري والآخر ضد المصالحة يقوده محمود الزهار، وهذا يقودنا إلى المربع الأول عندما بدأت محادثات المصالحة بعد اجتماع الأمناء العامين، ففي هذا الوقت أبدت حركة فتح أهمية قصوى في إتمام المصالحة بقيادة الرجوب، في المقابل ظهرت تسريبات من قيادات حماس تفيد بأن هناك تيارا يعارض المصالحة وما سيتم الاتفاق عليه، لا نجزم بصحة التسريبات، لكن لا دخان بدون نار.
حماس كانت منهمكة في عملية انتخابات داخلية مفصلية تختلف عن كل انتخاباتها السابقة التي كانت تتسم بالتوافق على تركيب الهيئات القيادية لكن في هذه المرة الصورة تختلف في المطلق، وهناك من يقول  أن سياسات التوافق أصبحت غير ممكنة في ظل الأحداث التي تحصل على أكثر من مستوى داخلي وفلسطيني وإقليمي، فلا بد لحركة حماس أن تحدد موقفها بوضوح، استنادا إلى مبادئ الحركة وثوابتها وليس لمصالحها فقط.
ليس معروفا على نطاق واسع أن في حماس تيارين هما تيار الإخوان المسلمين المحافظ والذي يعارض الانسلاخ عن هيكلية جماعة الإخوان التي كانت الحاضنة الحقيقية لحركة حماس منذ انطلاقتها ومن ابرز رموز التيار موسى أبو مرزوق، ومحمود الزهار، وفتحي حماد.
التيار الثاني يصر على أن حماس هي حركة تحرر وطني تشتق برنامجها من هذا العنوان  الذي يتطلب منها  العمل مع آخرين في الساحة الفلسطينية من اجل تحقيق هذا الهدف دون أن يمس الهوية الإسلامية للحركة، ومن هذا التيار، صالح العاروري ويحيى السنوار وأسامة حمدان، وحسام بدران عضو المكتب السياسي والذي يعمل إلى جانب أبو مرزوق في دائرة العلاقات الوطنية والدولية في حركة حماس.
 هذا التيار أبدى مرونة عالية في إتمام المصالحة وبشكلٍ ملفت في ضوء التطورات الأخيرة.
بالعودة إلى محادثات المصالحة، وبعد اجتماع الأمناء العامين، والبدء بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ومحادثات فتح وحماس في اسطنبول وكان جدول أعماله مقتصرا على بند واحد هو الاطلاع على تقرير العاروري، ولكن العاروري قال في مقدمته أن هذا التقرير وكل ما فيه من تفاصيل مقدم بالشراكة ما بينه وبين رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية،  كونه كان شريكا مباشرا في محادثات اسطنبول وإن لم يشارك في اللقاءات الرسمية التي عقدت في القنصلية الفلسطينية، إلا أن هنية شارك في لقاءات جانبية  في إطار محادثات اسطنبول وكان يتابعها أولا بأول.
الأجواء في اجتماع المكتب السياسي كانت إيجابية، ولم يقف أحد ضد ما أنجز، ولكن أبو مرزوق قدم مداخلة مطولة. ثمن فيها ما أنجز كعنوان إلا أنه اعتبر محادثات اسطنبول بداية ايجابيه ولكنها لم تنه الموضوع ولم تضع سقفا لحل كل قضايا الخلاف العالقة منذ فترة، وأن ما أنجزه وفد حماس هذه المرة أنجز سابقا،  ولكن بدون ضمانات أو آليات للتنفيذ، واعتبر أن فتح والسلطة الفلسطينية في كل مرة يريدون استخدام حماس والمصالحة كورقة قوة عندما يشعرون أن البساط قد يسحب من تحتهم وبعدها توضع كل العراقيل لتطبيق ما تم الاتفاق عليه.. فهل ما قاله أبو مرزوق لغم؟.. سؤال أيضاً برسم الإجابة، ويؤكد على وجود خلاف واضح داخل حماس من عملية إتمام المصالحة.
أراد العاروري مع إسماعيل هنية كبح جماح تصريحات أبو مرزوق ومحاولة احتواء الكل داخل حماس والاتفاق على المصالحة مع فتح دون اعتراض أحد. لكن إعلان حسين الشيخ إعادة العلاقات مع الاحتلال كان مثل القشة التي قسمت ظهر البعير.. والدليل أن أبو مرزوق حتى لحظة كتابة هذا المقال قال إن إعادة التنسيق أفشل المصالحة.. إذن هل باتت المصالحة أضغاث أحلامٍ أم أنه لحين ميسرة؟؟

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت