- بقلم: بدر أبو نجم
أثناء عملي في إحدى الوكالات الصحفية المحلية، سألت عن فتاة كنت قد شاهدتها لأول مرة في الوكالة، حينها قالوا لي أنها طالبة بكلية الاعلام بجامعة بيرزيت، وهي بصدد خوض تدريبٍ صُحفي.. ميس أبو غوش شقيقة الشهيد حسين والأسير سليمان أبو غوش.
بدا عليها النشاط منذ أول يومٍ دخلت فيه الوكالة الصحفية كمتدربة، وفي أول يوم طرحت ميس أن تكتب تقريرا صحفية عن قضيةٍ ما في إحدى قرى رام الله، وكنوعٍ من دعم ميس، ولأنها تستحق، أصبحت مادتها الإخبارية على واجهة الموقع الإخباري. لكن في اليوم التالي لم تكن ميس حاضرة في الوكالة.. اعتقلها الاحتلال بعد مداهمة بيتها في مخيم قلنديا.
في أثناء رحلة التحقيق مع ميس قابلتُ والدتها أكثر من مرة، و في كل مرة أشاهدها في وقفات التضامن مع الأسرى، أرى أن كل أسير وأسيرة في سجون الاحتلال كأنه إبنها، وكانت مدافعة عن الأسرى من الطراز الأول بهتافاتها وظهورها الاعلامي البارز.. وقفت أمام سجن عوفر بالساعات ولم تمل، وتعرضت للكثير من المضايقات أثناء حضور محاكمة ميس، وبالرغم من ما كانت تتمتع به من معنويات عالية، إلا أنها لم تخفي دموعها في كثيرٍ من المرات أمام كاميرات الإعلام، خصوصاً عندما كشفت بعض التقارير حجم التعذيب الذي تتعرض له إبنتها ميس.
بعد خمسة عشر شهراً من اعتقال ميس "العنيدة" كما وصفتها مخابرات الاحتلال، يستطيع الآن أخويها الصغيرين، إيليا (4 أعوام) وزين (عام)، أن يدخلا إلى غرفتها ويعانقانها، بعدما كانوا يعبّران عن اشتياقهما إليها ويذهبان إلى غرفتها للبحث عنها، حتى إنه حينما خرج أخوهم سليمان من السجن، قالا له نريد أن تحضر ميس إلينا.
تعرضت لأبشع أنواع التنكيل والتعذيب في أقبية الاحتلال وزنازينه أثناء التحقيق معها، وفي وقتٍ ما من التحقيق، وبعدما سُمح لوالدها بمقابلتها والاطلاع على صحتها، قال حينها أنه لم يتمكن من التعرف على ملامحها لما شاهده من آثار التعذيب والإرهاق الذي بدا على إبنته خلال التحقيق معها، كما أنها تعرضت إلى تنكيل ممنهج من قبل محققي الاحتلال، إذ كانت "جولات التحقيق لساعات طويلة قضتها وهي "مشبوحة" على كرسي صغير داخل زنزانة شديدة البرودة"، واخضاعها لتحقيقٍ عسكري، تخلله شبحها على طريقة "الموزة والقرفصاء"، رغم أنه لم يثبت أن لها علاقة بنشاطات عسكرية، وتم توجيه لائحة اتهام لها بالمشاركة في نشاطات طلابية. في الوقت ذاته هددت مخابرات الاحتلال محاميها بعدم نشر تفاصيل التعذيب الوحشي الذي تعرضت له.
في إحدى المرات حاولت ميس الهروب من أيدي المحققات والجلوس بإحدى زوايا الزنزانة، لكن المحققة قامت بإمساكها وبدأت بضرب رأسها بالحائط وركلها بقوة والصراخ عليها وشتمها بألفاظ بذيئة، كما تعمد المحققون إحضار أخيها وذويها لابتزازها والضغط عليها لإجبارها على الاعتراف بالتهم الموجه ضدها، لافتةً إلى أن ظروف الزنازين التي كانت تُحتجز بها طوال التحقيق معها غاية في القسوة وتفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الآدمية، فالحيطان اسمنتية خشنة من الصعب الاتكاء عليها، والفرشة رقيقة بدون غطاء وبدون وسادة، والضوء مشعل 24 ساعة ومزعج للنظر، والوجبات المقدمة سيئة جدًا، بالإضافة إلى معاناتها من دخول المياه العادمة إلى زنزانتها والتي كانت تفيض على الفرشة والغطاء.
كما أن المحققون تعمدوا إدخال جرذ كبير إلى الزنزانة لايذائها، عدا عن مماطلتهم في الاستجابة لأبسط مطالبها كحرمانها من الدخول إلى الحمام، واستفزازها والسخرية منها، وخضعت أبو غوش للتحقيق لـ 30 يومًا، ومن ثم نُقلت إلى معتقل "الدامون" حيث لاتزال موقوفة هناك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت