- اشرف صالح
تتميز حركة حماس بأنها تمتلك البدائل في كل الأزمات , فهي تعد الخطة "أ" ومن ثم تنتقل الى الخطة "ب" ومن ثم الى "ج" ومن ثم الى "د" , وهناك خاصيتين مهمتين تسهلان عليها ذلك , وهما , أولاً : من الناحية الفكرية والنظرية فإن حماس حركة برغماتية بإمتياز , باتت تتعامل مع الواقع وفق المصلحة وبعيداً عن المبادئ أو الإعتقاد , وقد توثق هذا التغيير عندما إنفصلت حماس عن الإخوان المسلمين (...) تنظيمياً في وثيقتها الأخيرة قبل ثلاث سنوات , وإتجهت الى تفعيل العلاقات الدولية والتقارب من الأنظمة العربية , وتحديداً النظام المصري , وهذا التحول السريع لا يعني أن حماس أصبحت حليف إستراتيجي للنظام المصري القائم , فسرعان ما تعود الى حضن الإخوان في حال إمتلكو زمام الإمور ووصلو الى الحكم مجدداً , أما ثانياً : ما يساعد حماس على إمتلاك الخطط البديلة هي المساحة الجغرافية الصغيرة التي تسيطر عليها , وتكمن قوتها السياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية في تلك المساحة , وهي قطاع غزة , والتي إنسحب منه شارون كي يتفرغ لتهويد القدس والضفة الغربية , فاليوم تعتبر سيطرة حماس الكاملة على غزة أشبه بالنظرية الإدارية التي تقول "أن إدارة المحافظة أسهل من إدارة الدولة , وإدارة المدينة أسهل من إدارة المحافظة , وإدارة القرية أسهل من إدارة المدينة , وإدارة الأسرة أسهل من إدارة القرية , فكلما داقت المساحة الجغرافية تكون الإدارة أسهل , وهكذا يحدث مع حماس في غزة وزد على ذلك أن حماس مكتفية ومتفرغة تماماً بإدارة غزة..
أما على صعيد أزمة كورونا وبشكل خاص , فقد إعتمدت حماس النظرية الأمنية والسياسية بإمتياز في إدارة أزمة كورونا , فعلى الصعيد السياسي إعتبرت حماس أن فتح المساجد والمدارس والأسواق وما شابه , هو إنتصار على الكورونا , وقد تم تسويق هذا الإنتصار الوهمي عبر وسائل إعلامها وكأنه إنتصار مهني وعملي , وأكبر دليل على أن الإنتصار وهمي هو إزدياد عدد الإصابات بالفايروس بالتزامن مع فتح المساجد والمدارس , بات الأمر وكأن حماس تريد إرسال رسالة للعالم أنها إستطاعت أن تعيد الحياة الى طبيعتها في غزة في وقت عجزت فيه دول كبيرة وعظمى على فعل ذلك , فالإنتصار على الكورونا من وجهة نظر حماس كان في فتح المساجد والمدارس وليس في القضاء على الفايروس , أما على الصعيد الأمني فحماس نجحت في إختبار قبضتها الأمنية في غزة , وخاصة في موضوع الإغلاق الأخير "الخامسة مساءاً" فرغم أن المواطن يسخر في داخله من هذا الإغلاق متسائلاً ومستغرباً : هل الكورونا تتوقف قبل الساعة الخامسة وتنتشر بعد الساعة الخامسة !! ومع ذلك ينصاع المواطن في غزة الى هذه الإجراءات الأمنية , وفي تمام الساعة الخامسة يلتزم الجميع بالإغلاق , وهكذا تكون حماس حققت الهدف المنشود , وهو إختبار مدى قوة قبضتها الأمنية وإنصياع المواطن لها , وكل ذلك بعيداً عن إجراءات الوقاية الصحية الصحيحة والتي من الممكن أن تحد من إنتشار الفايروس .
بغض النظر عن وجهة نظر حماس السياسية والأمنية في إدارة أزمة كورونا , أود أن أكتب في مقالي كيف ممكن أن نسيطر على كورونا دون اللجوء الى الإغلاق الشامل , فكان يجب من البداية أن يتقتصر الإغلاق ويستمر على المؤسسات التي لا يشكل إغلاقها ضرراً إقتصادياً على غزة , مثل المساجد والمدارس والجنازات والأفراح والتجمعات العامة في الميادين وما شابه , ومقابل ذلك تستمر الحياة العملية وسط إجراءات ميدانية وقائية طبية مشددة , فمثلاُ بدلاً أن تستخدم حماس القوة الأمنية في إغلاق المحلات التجارية الساعة الخامسة مساءاً , كان من الممكن أن تستخدم هذه القوة في إجبار المواطن في الشارع بإرتداء الكمامات والكفات الطبية وإصطحاب زجاجة المطهر الخاصة للتعقيم , ومراعات التباعد وتنظيم الحركة والتسوق والإلتزام بالطابور أثناء الدخول الى سوبرماركت أو صيدلية أو بنك أو مؤسسة حكومية أو خاصة , فهذه هي الإجراءات الوقائية الصحيحة التي من شأنها أن تحمي المواطن من العدوى , وفي نفس الوقت تجنبه من ضرر الإغلاق الشامل وشلل الحياة الإقتصادية .
ملاحظة هامة : بعيداً عن الأهداف الأمنية والسياسية , فمن وجهة نظري ككاتب أرى أن إستمرار الحياة على طبيعتها وحركة المواطنين بحرية وخاصة للعمل والضرورة مع مراعاة الإجراءات الوقائية مثل الكمامة والكفات والمطهرات... أفضل من الإغلاق الشامل وتقييد الحركة وشلل الحياة الإقتصادية , لأن إجراءات الحماية مرتبطة بسلوك المواطن ومدى فهمه لها وليس بتقييد حركته .
كاتب صحفي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت