النص الكامل للحوار الذي أجرته فضائية «فلسطين اليوم» مع فهد سليمان

فهد سليمان

■ أجرت فضائية «فلسطين اليوم» حواراً مع فهد سليمان، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، في برنامج «من دمشق». تناول الأوضاع الفلسطينية والإقليمية والدولية، وفيما يلي النص الكامل للحوار:

عن المرحلة الانتقالية في الولايات المتحدة، لحين تسلم الرئيس المنتخب جو بايدن مهامه في البيت الأبيض قال:

المرحلة الانتقالية هي مرحلة دقيقة، ستحاول من خلالها الإدارة الأميركية الآفلة، أن تثبت في الميدان أقصى ما يمكن من وقائع تنسجم والسياسة التي اتبعتها على امتداد السنوات الأربع الأخيرة، أعطي هنا مثالين: الأول زيارة وزير الخارجية بومبيو إلى المستوطنات في الضفة الغربية وفي الجولان، وهي المرة الأولى يحصل شيء من هذا القبيل، وكأنه تأكيد على ما اصطلح تسميته بـ«عقيدة بومبيو»، التي استندت إلى قراءة تقول أن بناء المستوطنات ليست مخالفة للقانون الدولي، هذا ما أراد أن تؤكده قبل رحيله. المثال الآخر يعود إلى أيام خلت، تمثلت باغتيال قامة علمية كبيرة في إيران، نقف جميعاً بكل احترام وإجلال أمام ذكرى استشهادها، وكأن الإدارة الأميركية تريد أن تقول، بعد أن أطحنا بعملية اغتيال الرأس الإستراتيجي الأول في الجمهورية الإسلامية في إيران، ممثلاً بقاسم سليماني. الآن نطيح بالرأس العلمي الأول في الجمهورية الإسلامية، هذه بعض الأمثلة القليلة التي يمكن إيرادها عن سعي مسعور للإدارة الأميركية، لتثبيت أقصى ما يمكن من وقائع قبل أن تحمل حقائبها وتغادر البيت الأبيض، لكن هنالك حدود، أي أن الإدارة الحالية لا تستطيع أن تتمادى بهذه العمليات، لأننا كلما اقتربنا من عملية تسليم المسؤوليات للرئيس المنتخب جو بايدن، كلما صعب على الإدارة الأميركية أن تلجأ إلى خطوات أكثر عدوانية.

  وعن احتمال لجوء ترامب إلى الحرب قبل رحيله قال:

الاحتمال الأسوأ يجب أن يندرج بحسابات مراكز القرار، سواء في إيران أو غيرها بطبيعة الحال، لكنه كما ذكرت، فإن الإدارة الأميركية (إدارة ترامب) أفرغت كامل ما في جعبتها من أعمال عدوانية، البقايا المتبقية لن يكون بوسعها أن تستخدمها على نطاق أوسع من كونها خطوات رمزية، أو عمليات عسكرية واضحة كاغتيال الشخصية الكبيرة التي أشرت إليها قبل قليل.

■ عن «صفقة القرن» أوضح:

«صفقة القرن» ليست صفقة أميركية بالأساس، أو مشروعاً أميركياً بالأساس، هي مشروع إسرائيلي تقدم به نتنياهو بأكثر من مناسبة، وهناك عديد التصريحات تؤشر إلى هذا الأمر، تعود للعام 2008 أي قبل أن يصل إلى سدّة الحكم في إسرائيل. هنالك خطة تستند إلى ركيزتين: الضم من جهة والتطبيع من جهة أخرى، هذه الأفكار صدّرت للإدارة الأميركية (جاريد كوشنر ومن معه) وتم تبنيها تقديمها بإعتبارها أفكاراً أميركية، لا يعني أن الخطة سترحل مع ترامب. باتت الآن سياسة رسمية معتمدة، لكنني أعتقد أنه أسلوب التعاطي معها سيختلف بعض الشيء عن الأسلوب الفج والدموي والمباشر التهديدي الإبتزازي المباشر، الذي لجأ إليه ترامب وإدارته.

فيما يتعلق بنا كفلسطينيين، فإن أفضل ما يمكن أن يقدم كرد بالمعنى الإستراتيجي للكلمة، هو تجاوز الإنقسام واستعادة الوحدة الداخلية، هذا ما حصل، بعد أن أعلنت الحكومة الإسرائيلية حديثة التشكيل، القائمة على التحالف الثنائي نتنياهو، وغانتس في 17 أيار أنها بصدد أمرين: الأول تطبيقات ما يسمى بقانون أساس يعطي حق تقرير المصير للشعب اليهودي وحده على كامل التراب الوطني الفلسطيني (يسمى قانون أساس أو يهودية الدولة)، والأمر الثاني يضم ثلث الأراضي الفلسطينية، وتم تعيين تاريخ للشروع بهذا الضم في شهر تموز 2020، بناءً عليه اجتمعت القيادة الفلسطينية بعد يومين من هذا الإعلان، وأعلنت قرار التحلل من الإتفاقات والتعهدات والتفاهمات مع الحكومتين الإسرائيلية والأميركية، بما فيه التنسيق الأمني. طبعاً هذا القرار فائق الأهمية لأنه وفر ركيزة مرجعية مكنت الحالة الفلسطينية من خوض حوار مثمر، أعطى النتائج الإيجابية المعروفة، تمثلت بإجتماع الأمناء العامين في رام الله وبيروت في 3 سبتمبر أيلول الماضي. الرد باشرت إلى تقديمه الحالة الفلسطينية فوراً.

عن الخطوات المطلوبة لمواجهة الأخطار القادمة، أجاب الرفيق فهد سليمان:

الأولوية هي لاستعادة الوحدة الداخلية، هي التي من شأنها أن تضفي على الأوضاع الفلسطينية؛ عناصر قوة مهمّة، افتقدت إليها في السنوات الأخيرة، وهذا يمكن أن يشكل قاعدة صلبة، تنطلق منها كل المبادرات النضالية التي تتمثل بدايةً باستعادة العناصر التي تمكن من استئناف الانتفاضة، وتطويرها وصولاً إلى العصيان الوطني، هذا يحتاج إلى مؤسساته وهيئاته والحوارات الفلسطينية، قدمت صيغة معينة لإدارة هذه النشاطات الانتفاضية، حتى الآن ولسوء الحظ هذه الأمور لم ترَ النور بعد، هذا لا يعني أنها قد فوتت، بقدر ما يعني أنه ينبغي استحثاث الجهد من أجل أن ترى التطبيقات العملية النور وبشكل سريع، رغم كل ما يمكن أن يشوب المسار الفلسطيني من خلافات ومنغصات.

■ وعن نتائج اجتماع الأمناء العامين قال فهد سلمان:

ما اتفق عليه في بيروت ورام الله يؤسس لانطلاقة متجددة لمرحلة كفاحية مهمة جداً للشعب الفلسطيني، موضوعياً عواملها ومكوناتها متوفرة، والمطلوب هو اتخاذ القرار المفصلي القائم على استعادة الوحدة الداخلية، وهذا ما فشلنا حتى اللحظة في تحقيقه، في عودة إلى اجتماعات رام الله ـ بيروت، والبيان الذي صدر عنها مهم جداً، لأنه يوفر القاعدة السياسية للوحدة الداخلية الفلسطينية المتمثلة بالإحالة إلى وثيقة الوفاق الوطني، التي أنجزت من قبل الحركة الأسيرة بشهر حزيران (يونيو) 2006، والتي تحولت إلى وثيقة معتمدة وطنياً، هذا بالجانب السياسي. وبالجانب التنظيمي تم التعهد بشكل مباشر على تشكيل هيئتين رئيسيتين: الأولى تضم عناصر وطنية وازنة، تضع رؤية إستراتيجية لتجاوز الانقسام، واستعادة الوحدة، وتثبيت قواعد المشاركة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على أساس أن هذه الرؤيا تتجسد بوثيقة استراتيجية تطرح على اجتماع المجلس المركزي بمشاركة الأمناء العامين، بما يعني المشاركة الفلسطينية الشاملة لجميع القوى الفلسطينية، سواء تلك التي تتمثل في اللجنة التنفيذية، أو في هيئات المؤسسة (منظمة التحرير)، أو الذين حتى الآن لم ينضموا إلى هذه المؤسسات، هذا هو القرار الأول. القرار الثاني يتمثل بالنص على استحداث قيادة وطنية موحدة لإدارة شؤون الانتفاضة، لسوء الحظ، الأمور لم تجد طريقها إلى التنفيذ حتى هذه اللحظة.

■ وعن دور الجبهة في العمل على إزالة العراقيل أمام تنفيذ قرارات رام الله ــ بيروت، قال فهد سليمان:

عندما لاحظنا أن ما تقرر في اجتماع رام الله ـ بيروت، ما زال يصطدم ببعض العقبات، عاجلنا إلى الدعوة لورشة عمل، لكي تصوغ إجراءات تفصيلية ملموسة على مجمل هذه القرارات. مثلاً في ملف استعادة الوحدة الداخلية هنالك ضرورة ماسة للبحث عن آلية لتوحيد الإدارات والوزارات الفلسطينية، وآليات تسمح بتوحيد المرجعية الامنية للمجتمع الفلسطيني، دون أن تنال أو أن تمس بسلاح تشكيلات المقاومة التي ينبغي الفصل بينها وبين البندقية التي ترعى أمن المجتمع الفلسطيني. هنالك ضرورة لطرح خطة اقتصادية تستند إلى مبدأ الإكتفاء الذاتي ما أمكن ذلك، ومقاطعة المنتجات الإسرائيلية إذا نحن أمام مهمات ذات طبيعة إدارية وإقتصادية، وتنظيمية تقتضي معالجة بإطار الكل الفلسطيني ونعتقد أن ما جرى بعد اجتماع 3/9 لم يكن ملبياً لإحتياجات استحثاث المسار الذي يجعل الشعب الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني أمام وقائع وإنجازات ملموسة، أي ترجمة النص السياسي الذي اتفق عليه إلى وقائع وأمور ترعى الشأن الفلسطيني بالوجهة التي أشرنا إليها.

■ وعن نتائج الجهود لدفع الأمور إلى الأمام، بموجب قرارات الأمناء العامين، أوضح فهد سليمان:

بعد اجتماعات بيروت – رام الله جرت اتصالات مكثفة بين حركتي فتح وحماس أفضت إلى الاتفاق على تنظيم عملية انتخابية تقوم على ثلاث محطات، انتخابات المجلس التشريعي ثم رئاسة السلطة ثم المجلس الوطني الفلسطيني، في إطار فترة زمنية لا تتجاوز الستة شهور، تبين فيما أنه هذه الآلية لم تحظَ بموافقة المكتب السياسي لحركة حماس، بينما هي أجيزت من قبل اللجنة المركزية لحركة فتح. هذه الأمور جرت قبل أن تعبر الفصائل الفلسطينية عن موقفها حيال ما اتفق عليه في اسطنبول. لكن من حيث المبدأ نصّ لقاء اسطنبول على العودة إلى آخذ رأي الفصائل بكل تأكيد. المشكلة أن هذه الآلية التي اتفق عليها تعطلت، تواصلت الجهود على امتداد الفترة الماضية، أخيراً عقد اجتماع في القاهرة (16 تشرين الثاني/ نوفمبر)، لكنه لم يتمكن من جسر الهوة، بين هل تجري هذه الإنتخابات بمحطاتها الثلاث متزامنة أم بالجدول الزمني المتفق عليه في إسطنبول. هذه لا زالت تمثل عقبة أمام مواصلة الجهد لتطبيق قرارات اتخذت في بيروت ورام الله. الجهود الآن يجب أنه تنصّب على تجاوز هذه العقبة.

■ عن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، قال فهد سليمان:

إنهاء الإنقسام الفلسطيني يمر أولاً عبر شروط تمثيل الكل الفلسطيني في المؤسسات الفلسطينية، والمقصود بهذه المؤسسات في المقام الأول مؤسسات منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، على مؤسسات المنظمة أن تعكس هذه المقولة، ولا يمكن أن تعكسها بشكل دقيق ما لم يلتئم الكل الفلسطيني في إطار هذه المؤسسات. هذا هو الشرط التأسيسي لإجراء أي تعديل أو إصلاح للنظام السياسي القائم الآن. هذه النقطة لم تتأمن. النقطة الثانية: ينبغي إعادة صياغة مؤسسات منظمة التحرير على أسس تعبر بشكل دقيق عن حالة الشعب الفلسطيني، من خلال عملية ديمقراطية عن مشكلات الشعب الفلسطيني بكل تجمعاته، في كافة أماكن تواجده على الأرض الفلسطينية وخارجها، هذا الموضوع يمر عبر المؤسسات الجماهيرية في المقام الأول، وكذلك المؤسسات الأخرى ذات الطابع الإختصاصي الوظيفي، ونخصّ بالذكر مؤسسة الصندوق القومي الفلسطيني التي ينبغي إصلاحها كي تستعيد طابعها المؤسسي الإداري النظامي الذي كان سائداً فيما قبل، ولا يحولها إلى ملحق بوزارة المالية للسلطة الفلسطينية، إعادة صياغة الدوائر ذات المهمات السياسية إن كان مع الدول أو الأحزاب أو المنظمات الشعبية، على المستوى الدولي والمستوى العربي. والنقطة الثالثة المؤسسات ذات الطابع الخدمي التي تؤمن احتياجات الشعب الفلسطيني حيث لا تستطيع السلطة الفلسطينية وحكومة السلطة أن تلبيها، كالحقل التربوي والصحي والإجتماعي..الخ، هذه الإصلاحات المطروحة على المنظمة، لكنها تمرُّ عبر ممر إجباري لا نستطيع أن نتجاوزه، فلا إصلاح بدون استعادة الوحدة الداخلية، ولا وحدة داخلية بدون تمثيل الكل الفلسطيني. وعندما نتكلم عن تمثيل الكل الفلسطيني فنحن نعني تمثيل الكل الفلسطيني عبر عملية ديمقراطية إنتخابية من جهة، وعبر عملية توافقية. العملية الديمقراطية الإنتخابية قاعدتها قانون التمثيل النسبي الذي يعطي لكل ذي حق حقه، أما التوافقية فهي التي تسعى إلى إضفاء طابع التكافؤ في التمثيل الفلسطيني في المفاصل السياسية المعنية باتخاذ القرار الوطني الجامع، آخذين بالإعتبار أننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني، إذاً المشاركة للجميع، بغض النظر عن الوجود والتواجد والحجوم ... هي مشاركة ضرورية. الكل الفلسطيني يجب أن يتمثل على قاعدة متكافئة.

■ وعن سؤال لماذا تم التعطيل الكبير لكل ما يحدث الآن في البيت الفلسطيني؟ أجاب فهد سليمان:

أشرت فيما قبل إلى العقدة التي واجهتنا بتطبيق تفاهمات لقاء اسطنبول بين حركتي فتح وحماس، والتي تمثلت بالخلاف حول تسلسل المحطات الانتخابية، بين رأي يدعو للحفاظ عليها متسلسلة وكاملة في فترة زمنية لا تتجاوز الـ 6 شهور، ورأي آخر يطالب بتزامنها. هذه نقطة خلاف رئيسية، لكنها ربما لن تكون نقطة الخلاف أو التباين الوحيدة. أتى قرار السلطة الفلسطينية بإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل قرار 19/5، وبالذات العودة إلى التنسيق الأمني، ما جعل الحركة الفلسطينية الآن في مواجهة عقبة إضافية وكبيرة، لأن قرارات 19/5 مثلت مرجعية رئيسية لمجمل الحوارات التي أديرت على امتداد الشهور الماضية، أكاد أقول ما يلي: أن فترة الـ 6 شهور الواقعة ما بين 17/5، قرار الحكومة الإسرائيلية في الشروع بالضم، و17/11 قرار السلطة الفلسطينية بالعودة إلى التنسيق الأمني، هذه الفترة يمكن أن نسميها «الربيع الفلسطيني» في إدارة الحوار الداخلي، نأمل أن لا تسجل هذه المواقف نهاية لهذا «الربيع الفلسطيني» الحواري، الذي كاد أن يثمر نتائج مهما يكن نحن نقول ما يلي: رغم الصعوبات الكبرى التي نشأت جراء ما ذكرت بين الحركتين بالتحديد، وبين السلطة من جهة، ومجمل الحالة الفلسطينية، بما فيها العودة إلى التنسيق الأمني مع العدو الإسرائيلي، بغض النظر عن كل هذا؛ نحن نقول: بما أن استعادة الوحدة الداخلية هي أولوية فلسطينية، يجب أن تبذل كل الجهود الممكنة باستئناف العملية الحوارية، ما يطمئن هو إشارات إيجابية أتت من قبل الأخوين صالح العاروري، وجبريل الرجوب (حماس وفتح)، اللتين تولتا إدارة الحوار، والنتائج التي توصلنا إليها. أشارا بأكثر من مناسبة إلى عزمهما الاستمرار في الحوار، انطلاقاً من الأولوية الوطنية باستعادة الوحدة الداخلية، وهذا ما ينبغي أن نراهن عليه.

■ عن ذهاب بعض الدول العربية إلى التطبيع وأثره على القضية الفلسطينية قال فهد سليمان:

أولاً بالضبط المصطلحي، ما يجري ليس تطبيعاً، بل هو عملية تأسيسية لتحالف أمني إستراتيجي اقتصادي ثقافي ... ، متعدد الأوجه والمستويات بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من خلال الذراع التنفيذي، الذي تمثله إسرائيل في هذا الإقليم. هذه الوجهة التي تنطوي على احتمالات التعميم على عدد أكبر من الدول العربية، لا يجب أن تخيفنا كفلسطينيين، أريد أن أؤكد على هذا بدايةً للسبب التالي: أن العنصر الأساسي الذي نعتمد عليه هو القوة الذاتية، وتعبئة القوة الذاتية للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. الاعتماد الرئيسي هو على التعبئة الشاملة للقوى الفلسطينية، التي بكل تأكيد، يسهم بتعزيزها أي جهد أو عمل تضامني من قبل الأخوة العرب، والقوى المحبة للسلام والتقدم والاستقرار في العالم، هذا ما نريد أولاً أن نؤكد عليه، بمعنى آخر، لا يجب أن نعيد النظر بأولوياتنا وبرامجنا وأهداف نضالنا، لأن الحالة العربية قد اختلت بوجهة التقدم نحو إقامة هذا التحالف الإستراتيجي مع أميركا وإسرائيل.

النقطة الثانية: نحن ما زلنا نعتقد أن هذا التطبيع الذي جرى، هو تطبيع بين حكومات، ومن الصعب أن يصل إلى المجتمعات العربية، أولاً لأن هذا التطبيع لا يلبي مصالح المجتمعات نفسها، نحن لا نعتقد أن لإسرائيل استعداداً للدفاع عن أي من هذه الأنظمة في حال تعرضها لعمليات عسكرية من قبل طرف ثالث، إسرائيل لا تقاتل لحساب الآخرين، بل تسعى لجعل الآخرين يقاتلون من أجل مصالحها، وثانياً: إسرائيل لا تقدم هدايا مجانية، إن كان في المشورة العلمية والتكنولوجية أو بالمساعدات المباشرة، بالمعنى الاقتصادي للكلمة، بل إسرائيل تسعى باستمرار لكي تأخذ ولا تعطي، تعطي أقل ونأخذ أكثر، وبالتالي هذه البلدان سوف تكتشف سريعاً أن الحركة السياحية التي تأتي من جانب دولة الكيان، لن تؤدي إلى زيادة الاستثمارات في هذا المجال، وستكشف أن المشورة الفنية الإسرائيلية مقابلها يجب دفع فاتورة باهظة الثمن ... الخ، ومن جهة أخرى؛ هذه قضية يجب أن لا تغفل المشاعر الوطنية القومية التي تشد الشعوب العربية، القضية الفلسطينية ما زالت قوية مهما حصل، رغم كل حملات الدعاية وتسميم الرأي العام وتشويه الوعي ...، مازال الوعي العربي بشكل عام أصيلاً بإنتمائه إلى القضية الوطنية الكبرى والقومية الكبرى التي تمثلها قضية فلسطينية، وهي قضية إنسانية بكل الأحوال، في العام 2000 عشية اندلاع الإنتفاضة الثانية، كان لإسرائيل 6 ممثليات في دول عربية 3 من شمال إفريقيا و3 من الخليج، بعد إندلاع الإنتفاضة الثانية، لم يعد هنالك وجود لهذه الممثليات، النضال الوطني  الفلسطيني واحتدامه كفيل بأن يلغي كل هذه التعبيرات والمظاهر التي توحي وكأن هذه البلدان العربية باتت أبوابها مشرعة أمام الهجمة الإسرائيلية، هذه موجة عابرة، تزعجنا وتكشف ظهرنا وتضعفنا بعدد من المجالات، لكنها لا تؤثر على مجرى النضال الوطني الفلسطيني وعلى أهداف هذا النضال الوطني.

■ وعن احتمال دخول دول عربية أخرى إلى ميدان التطبيع أضاف فهد سليمان:

من حيث المبدأ نحن لا نرى سلبيةً في انخراط دول مسلمة ودول عربية بمشاريع تؤدي إلى دعم صمود المقدسيين المهددين بالإقتلاع من مدينتهم وبحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، هذا من حيث المبدأ، لكن ما جرى مؤخراً في اللقاء بين السعودية وإسرائيل يندرج بسياق مختلف تماماً، إنه يرمي إلى خلق حالة من العداء بين السعودية من موقع الدين الذي تحتله في الخارطة الإسلامية في تنافس عدائي مع الأردن صاحب الولاية على المقدسات في القدس وحتى مع دول أخرى، المقصود بهذا الموضوع ليس دعم صمود المقدسيين ومساهمة من أجل حماية الأماكن المقدسة، بقدر ما هو إيجاد موطئ قدم تنطلق منها بعض الدول من أجل إدارة عملية منافسة جداً سلبية مع قوى أخرى وبالتالي تحل المنافسة والمزاحمة مكان التكامل والدعم النزيه المبدأي هذه مشكلة، المشكلة الثانية: إسرائيل تحاول أن تتاجر بإحتلالها الأماكن المقدسة، المسجد الأقصى بالتحديد، لأنها هي من تحتل القدس وبالتالي هي تريد أن تقدم نفسها بأنها تستطيع أن تلعب دور الدولة الراعية للأماكن المقدسة وأن تسهل أمام المسلمين في العالم قاطبةً لزيارة وأداء المناسك الضرورية في هذه الأماكن. هذه لعبة سياسية ومكشوفة، هذا استخدام وتوظيف سياسي ومن هذا الموقع نحن نتوجه بالنداء إلى مقدسيينا، أبناء شعبنا، بأن يقاطعوا هؤلاء الوافدين من البلدان العربية والمسلمة بالذات، من البوابة الإسرائيلية وبوابة التطبيع، لأنهم من خلال زيارتهم للأماكن المقدسة إنما يشجعون الجهد الإسرائيلي بإدامة سيطرتها على مدينة القدس وعلى الأماكن المقدسة.

■ وعن سؤال كيف تقيمون عمل الجامعة العربية بخصوص كل ما يجري على الساحة الفلسطينية، قال فهد سليمان:

جامعة الدول العربية خرجت من التاريخ، وهي تعبر عن النظام السياسي العربي، وهو نظام قد انهار. طبعاً تلقى صدمات كبيرة بامتداد العقود الماضية تمثلت على سبيل المثال بانفراط الإجماع العربي بالنسبة للموقف من الإحتلال الإسرائيلي ودولة إسرائيل...، هذا النظام الرسمي العربي حاول أن يرمم أوضاعه من خلال قمة بيروت 2002 بإصدار ما يسمى بمبادرة السلام العربية التي لم تتمكن من شق طريقها، لأنها لم تؤخذ بالاعتبار لا من واشنطن ولا من تل أبيب، نحن الآن أمام حالة عربية ممزقة، متصارعة مشتتة منقسمة على نفسها، وبالتالي يجب أن لا نستغرب أن الواجهة التي تتمثل بالجامعة العربية، قد فقدت عملياً وظيفتها، بالنسبة لنا كفلسطينيين اكتفي بالإشارة إلى المثال التالي، بعد القرار الذي اتخذ بالتطبيع، تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب إلى الجامعة العربية، بأن يصدر عنها موقف يعتبر عملية التطبيع مناقضة لخطة السلام العربية، هذا الشيء حصل في 9 أيلول (سبتمبر) الماضي. الجامعة العربية رفضت هذا الطلب الفلسطيني. هذا مثال على مدى عجز الجامعة العربية، وعدم قدرتها على اتخاذ أي موقف من شأنه أن يناهض العملية التطبيعية الجارية في المنطقة العربية، ومع  ذلك نحن نقول: سنبقى أعضاء في الجامعة العربية، ونحاول قدر المستطاع مع دول أخرى أن نصحح المسار، لكن نحن ندرك تماماً أن نسبة القوى على المستوى الرسمي ما زالت حتى الآن مختلّة، ما يعني أن الاعتماد في الفترة القادمة يجب أن يكون على الحركة الشعبية العربية.

■ وعن ضرورة الإفادة من الدعم الجماهيري العربي والدعم الدولي، أجاب فهد سليمان:

الإمكانيات المتاحة أمامنا واسعة للإفادة على نطاق أوسع من المؤسسات الدولية وقرارات الشرعية الدولية، ما زلنا حتى الآن لم نستثمر كل هذه الإمكانات المتاحة، أعطي مثالاً: حتى الآن المستوى الرسمي الفلسطيني أحجم عن الانتساب إلى مؤسسات دولية على غرار مؤسسة الطيران الدولي، أو المؤسسة المعنية بالحفاظ على حقوق الملكية الفكرية الأميركية، هددت في حال انتسبت فلسطين لهذه المؤسسات فإنها ستنسحب منها، نحن ندرك تماماً أنه سيكون من الصعب على واشنطن الخروج من هاتين المؤسستين، خاصة مؤسسة حماية الحقوق الفكرية، لأنها ستفتح الأبواب أمام الذين ينافسونها، على غرار الصين وغير الصين. نحن لا نستفيد تماماً ولا نستثمر تماماً تلك المساحة التي تقدمها المؤسسات الدولية والشرعية الدولية وغيرها، لكن في الوقت نفسه يجب أن لا نبالغ في هذه التقديرات، هنالك ازدواجية بمواقف العديد من الدول التي تدعي حرصها على القضية الفلسطينية وعلى الحقوق الوطنية الفلسطينية. مثال: القرار المهم 19/67 الذي اتخذ في العام 2012 باعتماد العضوية المراقبة لفلسطين في الأمم المتحدة، هذا القرار على سبيل المثال، صوتت دول الاتحاد الأوروبي عملياً إلى جانبه، تشيكياً كانت ضد، 12 دولة أوروبية ممتنعة، 16 دولة أوروبية كانت مع إقرار هذا الموضوع لنكتشف فيما بعد أنه من بين الدول التي صوتت إلى جانب عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، واحدة منها فقط هي التي اعترفت بشكل مباشر بدولة فلسطين وهي السويد، بينما دول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا حتى الآن، ما زالت محجمة عن الإقدام على هذه الخطوة، وعندما نراجع هذه الدول تقول: إذا ما أقدمت إسرائيل على الضم، عندها نفكر في إعلان اعترافنا بدولة فلسطين، هنالك عقبة ما زالت تعترض طريق تدويل القضية الوطنية الفلسطينية، ومع ذلك نحن نعتقد بأن هذه المساحة، وهذا المجال، هو مجال رئيسي ينبغي مواصلة الجهد لنأخذ منه أقصى ما يمكن من دعم قضيتنا الوطنية.

■ حول أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، الذين يتعرضون لاستهدافات سياسية واقتصادية متعددة، وما هي إستراتيجية الجبهة، أوضح فهد سليمان:

ما زلنا نفتقد إلى إستراتيجية موحّدة، تحملها مؤسسات منظمة التحرير للتعاطي مع الشؤون المعيشية الحياتية للاجئين الفلسطينيين، هذا الضعف في الأداء يكون على حساب ومصلحة اللاجئين الفلسطينيين، وخاصة في هذا الظرف، ظروف جائحة «كورونا». هذه المخيمات وهؤلاء اللاجئون بحاجة إلى دعم كبير من قبل مؤسسات منظمة التحرير، والمؤسسات الدولية. نحن نعتقد أن الحل من خلال اعتماد قيادات سياسية فلسطينية محلية في كل بلد، وفقاً لمعطياته، تتولى الشأن الفلسطيني بكل جوانبه، وتكون على صلة مباشرة مع الدوائر المعنية في منظمة التحرير من جهة، ومعتمدة لدى الدول المضيفة، هذا الاقتراح من شأنه أن يقدم للاجئين الفلسطينيين بعض ما يحتاجون إليه في هذا الظرف العصيب.

وعن المقاومة ودورها قال فهد سليمان:

مهما اتسعت فعالية والنتائج الإيجابية للعمل السياسي الفلسطيني، والعمل الاجتماعي الفلسطيني، فهي لا تصل بمصلحتها ومجموعها إلى مستوى التأثير بالعدو الإسرائيلي، بما يرغمه على التسليم بحقوقنا الوطنية. هذه مساحات ومحاور عمل ضرورية وإيجابية جداً، لكنها لن تفعّل بمداها كاملاً، ما لم تستند إلى ميدان ملتهب. الميدان الملتهب هو الذي توفره المقاومة بكل أشكالها، هذا ما نفتقد إليه حتى الآن في الساحة الفلسطينية، وكما ذكرت، نحن لا نستطيع أن ننهض بمقاومة فعّالة، تُلحق الخسائر بالعدو الصهيوني، ما لم نؤمّن بدايةً قاعدة صلبة، تتمثل بالوحدة الداخلية الفلسطينية، هذا الأمر مبدأي ويجب التمسك به، بطبيعة الحال، نحن نعتقد أولاً أن موقع المقاومة بالحالة الفلسطينية يحتله الشعب الفلسطيني بأسره، لأن الشعب الفلسطيني يقف في مواقع المواجهة المباشرة مع المشروع الصهيوني الاستعماري منذ مئة عام وحتى الآن، الشعب الفلسطيني برمته هو مقاومة، والفصائل هي التي تعبر عن هذه المقاومة، بالارتباط الوثيق والعضوي المباشر مع الشعب الفلسطيني، لذلك لا يمكن أن تقوم لأي مقاومة قائمة في المنطقة والإقليم ما لم تأخذ هذا بعين الاعتبار، ليس هنالك مقاومة لإسرائيل وأمريكا بدون الشعب الفلسطيني، بدون الحركة الوطنية الفلسطينية، بدون الدور الفلسطيني، هو الذي يستقطب جهود المقاومة، وهي موجودة على امتداد الوطن العربي موجودة من خلال المقاومة في لبنان، في سوريا وفي اليمن، طبعاً دون أن ننسى الدور الرئيسي الذي تتطلع به الجمهورية الإسلامية في إيران في هذا المضمار. نحن نعتقد أن عوامل المقاومة، عناصر المقاومة، ومقومات المقاومة، موجودة في المنطقة، ويجب أن تستنهض، والمسألة بالنسبة لنا هي مسألة زمن ليس إلّا

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - دمشق