الجيل الخامس للحرب

بقلم: عدنان الصباح

عدنان الصباح
  •  بقلم عدنان الصباح

أرسل لي أحد الاصدقاء الأعزاء من المهتمين والمتابعين فيديو يوثق بشكل سهل وسريع ما قاله ويليام ليند عن تقسيم الحروب إلى أربعة أجيال وهي باختصار شديد الحرب التقليدية القديمة، والجيل الثاني الحرب التقليدية بالأسلحة الحديثة، والجيل الثالث هي الحرب الوقائية أو الاستباقية، والجيل الرابع وهي تدمير العدو من الداخل وهي الأكثر شيوعا منذ نهاية الحرب الاستعمارية الثانية وكان أبهى استخدام لها ما سمي بالربيع العربي في العقد الأخير من هذا القرن وفي العالم العربي تحديدا وحيث أرادت الإمبريالية المستغولة ذلك فعلته.
الفيديو المرسل لي من صديقي هذا قادني إلى السؤال عن الجيل الخامس أو السادس أو حتى السابع للحرب فهناك من كتبوا أو تحدثوا عن الجيل الخامس باعتبار الإعلام ووسائل التواصل ركيزة هذا الجيل للسيطرة على العقل وقيادته برغبة ومصلحة المسيطر وحتى يتمكن من فرض سيطرته دون اللجوء إلى القفازات الحديدية لجمهوره المباشر ولا زال العالم يذكر صرخة الاستعماري البريطاني الأشهر سيسيل رودوس الذي دعا رأس المال الإنجليزي للتخلص من أزماته الاقتصادية وفي مقدمتها البطالة بالذهاب إلى الخارج والسيطرة على أراضي وثروات الغير وهي الاستراتيجية التي لم تتغير منذ بدء فكرة الاستعمار ونهب ثروات الشعوب المستضعفة ولا زال الأمر قائما حتى يومنا عبر وكلاء حصريين يسمون حكاما أو قادة في الدول الغنية بثرواتها والضعيفة بقدراتها العسكرية أو مسلوبة الإرادة بقيادات ارتهنت لإرادة الأعداء.
 لم يتغير شيء في مصلحة رأس المال ولكن تتغير الوسائل بشكل كبير لتصبح أقل كلفة وأكثر تأثيرا وقد قالت يوما وزيرة خارجية أمريكا كوندراليزا رايس إن على الأغنياء في دول العالم الثالث أن يدفعوا للفقراء هناك وأن يتوقف دافع الضرائب الامريكي من أن يقوم بهذه المهمة بالنيابة عن أغنياهم وقد فعلت أمريكا ذلك جيدا فاستخدمت أغنياء العرب ليس للدفع لرفاهية فقرائهم بل بالدفع لقتلهم وشراء أسلحة أمريكا لقتلهم واقتتالهم وبوضوح وعلنية سافرة استخدمت أمريكا ولا زالت ثراء العرب لموت العرب إما بالخيانة أو بالغباء فتحولت أمجاد صدام حسين إلى كارثة على العرب ولا زالت ثروات العراق الأغنى بين العرب حتى اليوم تذهب تعويضا لمن تضرر من حروب صدام وفي المقدمة أمريكا وكذا دفعت الدول العربية النفطية ثمن الحروب الدائرة في سوريا واليمن والعراق وليبيا ولا زالت تفعل وهي تعلم جيدا أن 90% من التكلفة تذهب لخزينة الإمبريالييين المستغولين أنفسهم.
عالم إمبريالية المعرفة القادم يحتاج لسلاح مشابه للسلعة وهي سلعة المعرفة وبالتالي فهو لن يكون بحاجة لأدوات الدمار الاقتصادي والجسدي خصوصا في عالمه المسيطر فالقدرة اليوم على السيطرة عن بعد هي الأخطر في تاريخ البشرية وهو ما بات يسمى بالحرب الإلكترونية والتي ظهرت بوادرها منذ ظهور جهاز الاتصال موريس عام 1837م وتطورت حتى ظهرت الاتصالات اللاسلكية والتي استخدمت على نطاق واسع في الحرب العالمية الأولى وقد استخدمت أمريكا وإسرائيل فايروس حربي هو ” ستاكس نت ” ضد عمليات التخصيب النووي الإيراني وقد ذكرت صحيفة ” واشنطن بوست ” إن الولايات المتحدة نفذت هجوما إلكترونيا ضد منظومة التحكم بالصواريخ الإيرانية ليلة 20 حزيران 2019 وقد حذرت الولايات المتحدة من خطر هجوم إلكتروني أكثر من مرة من قِبل إيران كما إن روسيا نفذت هجوما الكتروني ضد استونيا عام 2007 وفعلت أمريكا ذلك ضد صربيا عام 1998 وبالتالي فإن جذور الحرب الإلكترونية تطورت بشكل كبير وخطير عما كانت عليه في القرن السابق وتستطيع اليوم تنفيذ الهجوم ضد مصالح اقتصادية كشبكات الكهرباء والهاتف والاتصالات وهو ما يعني أن هناك قدرات حقيقية على شل دولة بأكملها عبر الحرب الإلكترونية فالعالم اليوم يعتمد في كل أنشطته الاقتصادية والعسكرية على الشبكة العنكبوتية بمعنى أن هجوم عالمي عبر الإنترنت قد يغني فعلا عن أي هجوم نووي وهو لا يحتاج إلى الأخطار التي يحملها مثل هذا الهجوم.
لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتحكم بالإنترنت عبر جميع أنحائه وإن كل مكونات الإنترنت الرئيسة مصدرها الولايات المتحدة وفي مقدمتها جوجل وشبكات التواصل وكذا شركة مايكروسوفت وبالتالي فإن القدرة الأخطر لاستخدام الحرب الإلكترونية بكل مكوناتها بما فيها الإعلام تملكها الامبريالية الأكثر استغوالا وإنتاجا لاقتصاد المعرفة في العالم. وستكون الأكثر أمريكا بالتالي الأكثر استخداما للجيل الخامس من الحرب بكل أشكاله وجعله مختلطا بما يشمل كل الأجيال من الحروب العسكرية وغيرها في دول العالم الثالث والجيل الخامس من الحرب الإلكترونية ستوجهه ضد الدول الأكثر تقدما لشل قدرات التطور والانتقال إلى مرحلة المنافسة.
 الجيل الخامس إذن لن يكون موجها ضد الشعوب الفقيرة والبلدان المتخلفة وغير الفاعلة في موضوع اقتصاد المعرفة؛ فالولايات المتحدة اليوم تتخلى تقريبا عن دورها في صناعة السلع وتمنحه لغيرها وحسب مكتب الإحصاءات الأمريكي فقد بلغت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة عام 2019 452.2 مليار دولار بينما كانت صادرات الولايات المتحدة لنفس الفترة فقط 106.6 مليار دولار وتعد الولايات المتحدة المستورد رقم واحد للمنتجات السلعية الصينية بينما تحتل أمريكا المركز الرابع كمصدرة للصين وهذا يعني أن الرضا الأمريكي مهم جدا للصين التي تحتل المركز الثاني عالميا في امتلاك الثروة وتوقف الولايات المتحدة عن اعتماد الاستيراد من الصين سيحدث خلالا فادحا في اقتصاديات الدولة الأكثر خطرا على الولايات المتحدة.
 الجيل الخامس في حروب أمريكا القادمة ستعتمد على ثلاث وسائل أولاها الحرب الاقتصادية كأكثر الدول استيرادا مما يجعلها سوقا يخشى أي اقتصاد في العالم من خسارته كالاقتصاد الصيني، وثانيا الدولة الأكثر سيطرة على صناعة المعرفة مما يمنحها الأفضلية في حرب صناعة الرأي والتأثير في مزاج وثقافات الشعوب في الدول المختلفة، وثالثا هي الدولة الأكثر قوة عسكرية وانتشارا في سائر أنحاء العالم مما يمنحها القدرة على استخدام أجيال الحرب الأربعة في جيل واحد هو الجيل الخامس القادر على بيع القتل للراغبين به واستخدام القوة الاقتصادية ضد الصين وأمثالها والسيطرة التفوق الإلكتروني ضد الجميع.
امتلاك امريكا لمكونات الجيل الخامس من الحرب يجعل التعامل معها من الخارج أمرا يبدو مستحيلا وبالتالي فلا بديل إذن من تقويض الامبريالية من داخلها كما باتت تفعل هي مع جهات الأرض الأربعة قبل أن تتمكن من تنفيذ ما يقال عن القدرة على التدخل والسيطرة على البشر وخصوصا بداخلها للإبقاء على قوتها ومناعتها الداخلية ضد أي تأثير خارجي وهناك الكثير من التكهنات التي تتحدث عن التدخل بالجينات والـ (دي إن أي) والقدرة على إدارة البشر عن بعد.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت