- بقلم/ د. علي شنن
أستاذ التخطيط الاستراتيجي و الدراسات المستقبلية المساعد
[email protected]
دول عظمى نهضت اقتصادياً و تكنولوجياً و اجتماعياً بعدما تبنت مفهوم التشاركية في بناء أنظمتها المختلفة، و تبوأت أماكن متقدمة بين دول العالم على جميع الأصعدة السياسية و العسكرية و الاقتصادية و التكنولوجية فقط لأنها اعتمدت التشاركية في اتخاذ قراراتها المصيرية وانتهت من انفراد أحد أنظمتها في القرار ونجد العديد من الدول الأوربية المتقدمة تضرب لنا نموذجاً ناجحاً في تبني مبدأ التشاركية في أنظمتها مثل السويد و كندا على سبيل المثال لا الحصر، وفي المقابل نجد دول أخرى تأخرت و تراجعت بعد أن تركت مبدأ التشاركية في أنظمتها البنائية فباتت تحتل مكاناً متأخراً بين دول العالم بعد أن كانت قديماً تتبوأ مراتب متقدمة بينها ولعل بعض الدول العربية لا زالت تعاني من هذا الصدد بعد تركها لمبدأ التشاركية في أنظمتها البنائية .
ولعل المتابع لتاريخ العمل السياسي لدى منظمة التحرير الفلسطينية منذ تأسسها عام "1964" ومرورها بالعديد من التحولات و المنعطفات أبرزها في قمة الرباط عام "1974" التي أقرت القمة العربية من خلالها بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني، ثم جاء اعلان الجزائر عام "1988" ليكون نقطة تحول في تاريخ المنظمة و اعلان قبول حل الدولتين في مؤتمر مدريد للسلام، تلا ذلك تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية إثر توقيع اتفاقية اعلان المبادئ (أوسلو) عام "1993" التي تمت بين منظمة التحرير و إسرائيل، وهنا بدت تظهر أول معالم التفرد بالقرار الفلسطيني و الانسحاب من التشاركية السياسية، حيث أدت هذه الاتفاقية إلى انقسام الفصائل الفلسطينية إلى فريقين، فريق انطوى تحت اطار منظمة التحرير مثل الجبهتين الشعبية و الديمقراطية، وفريق آخر خرج عنها مثل حركة حماس و حركة الجهاد الإسلامي اللتان لم تدخلا في النظام السياسي التي شكلته المنظمة حين ذاك، وهنا غياب مبدأ التشاركية السياسية بين الفصائل وساد مبدأ التفرد في اتخاذ القرارات، مما أدى إلى ظهور الأقطاب السياسية المختلفة داخل الجسد الفلسطيني.
وما لا شك فيه، أن ظهور هذه الأقطاب ترك مساحة للمنتفعين السياسيين من الدول الأخرى المجاورة و المعادية سواء للفكر الفلسطيني أو للفكر الإسرائيلي، وشكل لهم فرصة مناسبة لاستغلال هذه الفجوة القائمة بين الأقطاب الفلسطينية وتغذيتها وتنميتها بما يحقق رغبات و مصالح وسياسات تلك الدول ويجعل منها مُحركاً قوياً لعجلة السياسة في المنطقة .
واستمر تغذية هذه الأقطاب والعمل على زيادة اتساع الفجوة بينها حتى انتقلت من مرحلة المعارضة السياسية إلى مرحلة العداء المُغمس باللدم الفلسطيني، ولينتقل بهم الحال بأهداف تلك الأقطاب السياسية من العمل على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى العمل على الصراع الفلسطيني الفلسطيني، ولم يتوقف إلى هذا الحد بل أن تلك الأقطاب تقسمت فيما بينها وتجزأت كما حدث و شاهدنا في حركة فتح وظهور ما يسمى بالتيار الإصلاحي كجزء منشق عن الحركة، ومضينا على هذا الحال حتى أصبحنا نعاني بذلك من انقسام ثلاثي الأبعاد أرهقنا بالانشغال في عمق مشاكله و محاولة ايجاد حلولاً لعلاجه بدلاً من الانشغال بمشكلتنا الرئيسية و هي الاحتلال .
وما لا يمكن إغفاله، أن كل ذلك وغيره الكثير قد قادنا إلى تكبد العديد من الخسائر السياسية الفارقة في طبيعتها و القاتلة في نتاجاتها، والتي قد يكون من أهمها اختلاف نظرة دول العالم لقضيتنا، وتوفير بيئة مناسبة لإسرائيل لتنفيذ قرارات سياسية كارثية بالنسبة لقضيتنا مثل " نقل السفارة الأمريكية للقدس والإعلان عن صفقة القرن والتوسع في ملف الاستيطان ، بالإضافة إلى اخر انجازاتهم السياسية المتمثلة بتطبيع العديد من الدول العربية مع الكيان الصهيوني " .
إن غياب التشاركية السياسية عن طاولة القرارات الفلسطينية، وغياب الوحدة داخل أركان البيت الفلسطيني، وتبني الأقطاب السياسية الفلسطينية لمبدأ ( عض الأنامل )، هو ما قادنا لهذا الواقع الأسوأ منذ تأسيس المنظمة الفلسطينية.
لذلك فإنه لا بد لجميع الأقطاب السياسية الفلسطينية أن تؤمن بأنه لا يمكن الخروج من كل هذه الاشكاليات ومن ثم الرجوع السليم و الحقيقي للطريق الذي يقود الجميع نحو فلسطين و القدس إلا من خلال التشاركية السياسية من جانب، و الاجتماع تحت مظلة واحدة في بيت فلسطيني واحد وخلف قيادة واحدة وهذا من الجانب الآخر .
ومن هنا إلى حين تحقيق ذلك، فلا يحلُمُ أحداً بنصرٍ أو ببلد أو بقضية، فإما وحدة تقود إلى حرية و إما ضياع إلى ما لا نهاية .
جفت الأقلام و رفعت الصحف ..
انتهى ...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت