بيت لحم مدينة المقدسات المسيحية والإسلامية المتآخية

بقلم: حنا عيسى

حنا عيسى
  •  (أ.د. حنا عيسى)

يا بيت لحم الفخر والشهداء.. يا قمة للمجد في العلياءِ. فيك الكنائس والمساجد تؤأم

والشعبُ فيك موَحدٌ بإخاءِ.. يا بيت لحمٍ أنت مهدُ مسيحنا. عيسى ومريم فيك رمزُ وفاءِ.. فعلى ثراك المعجزات ُ تتابعت.. والى قيام الدين بيت عطاءِ. فإليك يا بيت الشهامة قبلةً.. من نجل عيسى عاشق الشرفاءِ. من أهل عين عريك ألف تحيةٍ. يا بيت عزِ بيت كُلِ رجاء (أ.د. حنا عيسى)

 

تقع مدينة بيت لحم في الجزء الجنوبي من سلسلة جبال القدس وتبعد عن القدس 10 كم وترتفع عن سطح البحر حوالي 778 م. يحدها من الشرق أراضي مدينة بيت ساحور ومن الغرب أراضي مدينة بيت جالا، ومن الشمال أراضي قرية صور باهر، ومن الغرب أراضي قرية ارطاس.

تعتبر مدينة بيت لحم مركزاً دينياً وسياحياً في فلسطين، إذ ان لها أهمية عظيمة لدى المسيحيين لكونها مسقط رأس السيد المسيح عليه السلام. وفقاً لعلماء الآثار، فإن المدينة قد تأسست على يد الكنعانيين في الألف الثاني قبل الميلاد، كما عُرفت بعدد من الأسماء عبر الزمن، حيث ورد اسم المدينة في مصادر قدماء السريان والآراميين، وقد مر عليها عدد من الغزاة عبر التاريخ، حيث تعرّضت بيت لحم وبقية فلسطين للغزو الأشوري والبابلي والفارسي والإغريقي والروماني والبيزنطي.

تُنسب تسميتها الى الإِله لخمو الكنعاني، وهي بالسريانية، تعني بيت الخبز. وفي الآرامية: لخم أو لحم التي معناها الخبز.

أعاد الامبراطور البيزنطي جستنيان الأول بناء بيت لحم. عام 636 م فتحها العرب المسلمون على يد عمر بن الخطاب الذي ضمن السلامة للمزارات الدينية في المدينة. في عام 1099 م استولى عليها الصليبيون الذين حصنوها واستبدلوا بها الأرثوذكسية اليونانية برجال الدين اللاتين، ثم طردهم صلاح الدين الأيوبي بعد أن حرر المدينة. مع مجيء المماليك في عام 1250 م تم هدم جدران المدينة، ثم أُعيد بناؤها في وقت لاحق خلال حكم الإمبراطورية العثمانية. في عام 1917 م انتزعت بريطانيا السيطرة على المدينة من العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى. بعد نكبة فلسطين عام 1948 تم الحاق المدينة بالأردن. احتلت قوات العدوان الاسرائيلية بيت لحم في عام 1967 بحرب الأيام الستة، ثم قامت بمصادرة اراضي الفلسطينيين وبناء مجموعة مستوطنات تطوق المدينة الآن فيما يُسمى (غوش عتصيون).

لبيت لحم دور رئيس في القطاع الاقتصادي الفلسطيني من خلال السياحة التي تزداد أثناء موسم عيد الميلاد عندما يحتشد الحجاج المسيحيون إلى كنيسة المهد، حيث يوجد في بيت لحم أكثر من 30 فندقا و300 ورشة للحرف اليدوية. أما سكانها المسيحيون فهم من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم، وعاشوا (وما زالوا) مع المسلمين بروح الإخاء والتعاون، وكان أكثر العهود ازدهارا لبيت لحم هو عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد (787-809) م وعهد الدولة الفاطمية (952- 1094) م حيث راجت التجارة ورُممت الكنائس وأماكن العبادة.

 

كنائس بيت لحم:

 

كنيسة المهد: هي الكنيسة التي ولد يسوع المسيح في موقعها، بناها الإمبراطور قسطنطين عام 335، فكانت الأولى بين الكنائس الثلاث التي بناها الإمبراطور قسطنطين في مطلع القرن الرابع الميلادي حين أصبحت المسيحية ديانة الدولة الرسمية وكان ذلك استجابة لطلب الأسقف مكاريوس في المجمع المسكوني الأول في نيقيه عام 325 للميلاد.

 

ومن مميزات البناء الذي أنشأه الإمبراطور قسطنطين أنه حوى في بنائه الأساسي مثمنا فيه فتحة تؤدي إلى كهف الميلاد حيث المذود والنجمة، غربا يجد المرء بازيليكا كبيرة تنتهي ببهو محاط بالأعمدة والذي يُطلّ على مدينة بيت لحم. ان أرضية كهف الميلاد من الرخام الأبيض، ويزين الكهف خمسة عشر قنديلا فضيا التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة والعديد من صور وأيقونات القديسين.

والكنيسة عبارة عن مجمع ديني كبير، فهي تحتوي على مبنى الكنيسة بالإضافة إلى مجموعة من الأديرة والكنائس الأخرى التي تمثل الطوائف المسيحية المختلفة فهناك الدير الأرثوذكسي في الجنوب الشرقي، والدير الأرمني في الجنوب الغربي، والدير الفرنسيسكاني في الشمال الذي شيد عام 1881 م لأتباع الطائفة الفرنسيسكان وتمت توسعة الكنيسة في عام 1992.

احتفالات عيد الميلاد

تقام طقوس عيد الميلاد في بيت لحم في ثلاثة تواريخ مختلفة: تحتفل الطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية بتاريخ 25 ديسمبر، أما الكنيسة اليونانية والسريانية والمسيحيون الأقباط فيحتفلون بتاريخ 6 يناير والمسيحيون الأرمن الأرثوذكس في 19 يناير. تمرُ معظم مواكب عيد الميلاد عبر ساحة كنيسة المهد، في ساحة الخارجية لكنيسة المهد.

 

كنيسة القديسة كاترينا: أُقيمت في القرن الثاني عشر وتم توسيعها عدة مرات وتُقام فيها الاحتفالات السنوية بعيد الميلاد المجيد.

 

يرتبط تاريخ الكنيسة منذ بنائها بتاريخ مدينة بيت لحم فهي بمثابة قلب المدينة النابض، يمكن الوصول إليها عبر بابين، أحدهما إلى اليسار فور الدخول، والآخر من المدخل الجانبي لهيكل الأرمن أو مباشرة من دير الفرنسيسكان.

يؤدي إلى هذه الكنيسة رواق من العصور الوسطى غاية في الجمال، تمّ ترميمه عام 1948. تقوم الكنيسة على بقايا دير القديس هيرونيموس القديم. تمّ اكتشاف كنيسة صليبية مع رسومات للعذراء على الجانب الجنوبي للرواق.

على الجانب الأيمن (للداخل إلى الكنيسة) تحت الهيكل الجانبي يُحتفظ بتمثال الطفل يسوع والذي يعرض ليلة عيد الميلاد في المغارة. قبل بلوغ هذا الهيكل نجد درجا يهبط بنا إلى مغارات تحت الأرض.

 

مغارة الحليب وتسمى مغارة مريم: تقع إلى الجنوب الشرقي من الكنيسة وهي المكان التي أرضعت فيه مريم العذراء يسوع الطفل عندما كانت مختبئة من جنود هيرودس أثناء توجهها إلى مصر.

 

ويقال أن بعض قطرات من حليب العذراء قد سقطت على صخرة مما أدى إلى تحول لون الصخرة إلى الأبيض.

 

دير مار الياس:

يقع دير وكنيسة مار الياس على بعد كيلومترين إلى الشمال الشرقي من الطنطور. ويقع هذا الدير على تلة تطل على القدس وبيت لحم وبيت ساحور. تأسس هذا الدير في القرن السادس ذكرى هروب النبي إيليا من انتقام الملكة ايزابيل في طريقه إلى بئر السبع ومن ثم إلى جبل الرب في سيناء.

 

واختلف الباحثون حول بانيه، فالبعض يعتقد انه بطريرك القدس ايليا عام 494-516 ويعتقد آخرون أن بانيه هرقل ملك الروم سنة 610 وهدمه الفرس سنة 614 لكن الإمبراطور هرقل أعاد بناءه.

وهُدم هذا الدير أثر زلزال، فجدد بناءه الإمبراطور مناويل كمنينوس سنة 1166، وأُجريت بعض الترميمات على الدير أهمها عام 1678 و1976.ويحتفل المسيحيون بعيد مار ألياس في 2 آب من كل عام لتقديم النذور والمهرجان الشعبي.

 

حقل الرعاة للروم الأرثوذكس:

 

يقع إلى الشرق من بلدة بيت ساحور، حيث ظهر فيه ملاك الرب إلى الملائكة وأخبروهم بالنبأ السعيد وهو مولد يسوع وحينها هللت ملائكة السماء " المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس المسرة".

عندما أتت القديسة هيلانة إلى بيت لحم قامت ببناء كنيسة مغارة الرعاة والتي هدمت وأعيد بناؤها ثلاث مرات.

 

كنيسة حقل الرعاة للاتين: تقع كنيسة حقل الرعاة للاتين على بعد 600م إلى الشمال من كنيسة حقل الرعاة للروم الأرثوذكس. وقد اشترى الآباء الفرنسيسكان الأرض المبنية عليها الكنيسة في منتصف القرن التاسع عشر. ويمثل هذا المكان الموقع الذي ظهر فيه الملائكة للرعاة وأخبرهم بالنبأ السار وهو ميلاد يسوع المسيح. أما الكنيسة الحالية فقد تم بناؤها في العام 1954، على صخرة كبيرة يقال أنها قاعدة لكنيسة قديمة مدمرة. قامت دولة كندا بتمويل بناء الكنيسة والتي جاءت على شكل خيمة وسميت ملائكة الرعاة. وقد كانت الكنيسة آخر عمل فني للمهندس المعماري الإيطالي أنطونيو بورلوستو.

 

حقل الرعاة للبروتستانت: عند زيارة السائح كنيستي حقل الرعاة للروم الأرثوذكس واللاتين يتجه شرقا فيجد مرج مليء بأشجار الصنوبر، وفي وسط هذا المرج يوجد مبنى جمعية الشبان المسيحية. وعلى الجانب الشرقي من المبنى توجد مغارة فيها الكثير من البقايا الفخارية. وتذكر هذه المغارة طائفة البروتستانت بالرعاة الذين خبروا بميلاد يسوع المسيح.

 

دير ابن عبيد: بناه ثيودوسيوس في العام 500 م ويقع الدير شرقي قرية العبيدية التي تبعد تسع كيلومترات عن بيت لحم. ويقال إن الرجال الحكماء قد استراحوا في هذا الدير بعد أن حذرهم الله في الحلم بان لا يعودوا إلى هيرودوس.

 

دير مار سابا:

 

تم بناؤه على موقع يطل على وادي قدرون ويبعد 11 كيلومترا إلى الشرق من دير ابن عبيد. وقد أسس الدير القديس سابا اليوناني في العام 482 م.  وعندما توفي القديس سابا في العام 531 تم دفنه في نفس الدير وتم نقل رفاته فيما بعد إلى القسطنطينية، ولاحقا إلى فينيسيا في ايطاليا على يد الصليبيين، ومن ثم تم إعادة رفاته إلى ديره في العام 1965، حيث تم وضعه في صندوق زجاجي. ويحافظ الدير على نفس نمط الحياة الذي كان سائدا في عهد قسطنطين، حيث لا يسمح للنساء بالدخول إلى الدير.

 

دير الجنة المقفلة:

 

يقع هذا الدير في قرية أرطاس. بناه في العام 1901م مطران مدينة مونتفيديو (عاصمة أروجواي في أمريكا الجنوبية)، وتقوم راهبات بإدارة هذا الدير.

 

كنيسة الخضر (اﻟﻘﺪﯾﺲ ﻣﺎر ﺟﺮﯾﺲ):

بحسب الرواية المسيحية وُلد جريس في مدينة اللد في فلسطين سنة 275 م. والتحق بجيش القيصر الروماني دوقليانوس وصار اسمه جاورجيوس القبادوقي نسبة الى قبادوقيا في شمال سوريا. ولما بدأ هذا القيصر يضطهد المسيحيين رفض جاورجيوس ممارسة التعذيب بحقهم، واعتنق المسيحية، واستبسل في الدفاع عنها، فاعتُقل وعُذب حتى الموت وقطع رأسه في 23 نيسان سنة 303 ودفن في اللد، وصار فيما بعد شفيعاً لجيش قسطنطين. ﯾﻌﺮف ھﺬا اﻟﻘﺪﯾﺲ ﺑﺼﻮرﺗﮫ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ وھﻮ ﻋﻠﻰ ﺣﺼﺎن ﯾﻘﺘﻞ اﻟﺘﻨﯿﻦ ﺑﺤﺮﺑﺔ ﻃﻮﯾﻠﺔ ﻟﯿﻨﻘﺬ ﻓﺘﺎة ﺣﺴﻨﺎء. أما الفتاة فتحوّلت إلى رمز للكنيسة التي استشهد مار جريس في سبيلها. وتوجد في بلدة الخضر كنيسة على اسمه حيث تُقام اﺣﺘﻔﺎﻻت تخليداً له في 6 اﯾﺎر ﻣﻦ ﻛﻞ ﻋﺎم إذ يتوافد اﻟﻤﺆﻣﻨﯿﻦ ﻣﻦ ﻣﺴﯿﺤﯿﯿﻦ وﻣﺴﻠﻤﯿﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﻨﯿﺴﺔ دﯾﺮ اﻟﺨﻀﺮ ﻻداء ﻄﻘﻮس واﺣﺘﻔﺎﻻت دﯾﻨﯿﺔ ﺷﻌﺒﯿﺔ ﺗﻘﻠﯿﺪﯾﺔ ﺑﺬﻛﺮى اﺳﺘﺸﮭﺎده.

----------------------------------------

ومن مساجد بيت لحم:

 

مسجد عمر: يعد من أقدم المساجد في بيت لحم، وقد تم بناءه عام 1860 لذكرى الخليفة عمر بن الخطاب الذي زار بيت لحم عام 636م في فترة الفتوحات العربية بعد أن أصدر مرسوما تعهد فيه بسلامة جميع المسيحيين ورجال الدين واحترام مقدساتهم، لذلك يعتبر هذا المسجد رمزاً للتآخي الاسلامي – المسيحي إذ انه يعانق كنيسة المهد التي لا تبعد عنه سوى أمتار.

 

ويتكون المسجد من ثلاثة طوابق، العلوي يحوي المسجد، والأوسط يضم مرافق المسجد والمتوضأ إضافة إلى المحكمة الشرعية التي تقتطع جزءا منه، بينما يوجد في الطابق السفلي محلات تجارية.

تم تجديد المسجد بالكامل عام 1955 خلال الحكم الأردني للمدينة.

 

مسجد بلال (قبة او قبر راحيل):

بناء مملوكي ومقام إسلامي على شكل قبة، البعض ينسبه إلى راحيل - والدة النبي يوسف عليه السلام حيث يسود الاعتقاد بأنها دُفنت هناك - ويقع على الطريق بين القدس والخليل، وبمحاذاة المقبرة الإسلامية في بيت لحم.

 

وحول تسميته، وفقاً لروايات تاريخية، ان الصحابي بلال بن رباح أذن به أثناء قدومه لفلسطين مع عمر بن الخطاب وقت فتح القدس. قامت قوات الاحتلال بتحويله إلى قلعة عسكرية ودينية يهودية.

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت