- بقلم : داوود الديك
لا تستغربوا 2020 على علاتها وما جلبته علينا من مآس وصدمات، إلا أنها قد تنفعنا على قاعدة " رب ضارة نافعة" وعلى قاعدة " فذكّر إن نفعت الذكرى".
دعونا نتذكر معا كيف كان العالم والمجتمعات متعايشا ومتسامحا مع غياب العدالة الاجتماعية ومع انعدام المساواة، ومع التمييز ومع الاقصاء،وكان التعامل معها من باب تحصيل حاصل وأمر طبيعي لا يستدعي أي قلق أو أدنى اهتمام. ثم جاءت الجائحة واماطت اللثام عن هذا القبح المخفي والمسكوت عنه في التباين بين الناس وبين الدول، وأماطت اللثام عن هذا الانقسام الاجتماعي والاقتصادي العميق وعن هذا الظلم والغبن القابع في المجتمعات والأنظمة السياسية.
شكرا كورونا لأنك ذكرت القوي أن قوته محدودة وأنه عرضة للهشاشة في أي لحظة. شكرا كورونا لأنك اظهرت لنا مدى الهشاشة في هذا العالم الذي يتبجح بالقوة والغطرسة. شكرا كورونا لانك جعلت من الكمامة الرخيصة والصغيرة سيدة العالم، وأنها اكثر اهمية واكثر قوة من الاساطيل والصواريخ والاسلحة الفتاكة.وشكرا 2020 لتذكيرنا بأن الانسان يبقى اكثر اهمية من الآلة ومن الماكينة.
شكرا لتذكيرنا بالعقد الاجتماعي، وتذكيرنا كم هو مهم أن نعيد الاعتبار والاهتمام بالعقد الاجتماعي وأن نطوره بما يكفل درء المخاطر ويكفل توفير الاحتياجات الأساسية للأفراد وعدم ترك أحد خلف الركب.
شكرا لإعادة تذكيرنا بالعقد الاجتماعي الذي يمسّ مختلف أوجه حياتنا اليومية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والقيم، والعدالة، والعلاقات الاجتماعية.شكرا 2020 لإعادة تذكيرنا بأن الأنسان هو الأساس وهو محور التنمية وغايتها. شكرا كورونا لإعادة تذكيرنا بمظلمة النساء والتمييز والعنف ضدهن فكرا وثقافة وسلوكا. شكرا لتذكيرنا بأهمية العبء الاجتماعي والاقتصادي الهائل الذي يقمن به من دون أجر، يكفي أن نتذكر أن النساء يشكلن 70% من العاملين في القطاع الصحي في مواجهة كورنا، بينما 70% من كبار المسؤولين عن القطاع الصحي في العالم هم من الرجال!!
شكرا 2020 لتذكيرنا بمحدودي الدخل وبمحدودي القدرات والمهارات. وتذكيرنا بالفقراء وبالمهمشين والمهمشات والقابعين في الخلف: النساء وكبار السن، والأشخاص ذوي الإعاقة، والشباب، والعمال الفقراء وصغار المزارعين والعاطلين عن العمل. شكرا كورونا لتذكيرنا وتنبيهنا الى أهمية العدالة الاجتماعية وأهمية الرأسمال البشري. وشكرا لتذكيرنا بأن الإنسان هو العامل والمنتج والمستهلك والمدّخر.
شكرا 2020 لتذكيرنا بأن العقد الاجتماعي هو مسؤولية الدولة ومسؤولية القطاع الخاص. وشكرا كورونا لتذكيرنا بأنه لن تستقيم الأوضاع إلا بالتآزر والتكامل بين القطاع العام وبين القطاع الخاص وبين المجتمع المدني.شكرا 2020 لتذكيرنا بأهمية الاستثمار في الحماية الاجتماعية، وسياسات التشغيل، والضمان الاجتماعي وأجندة العمل اللائق، والرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية.
شكرا لتذكيرنا بمسؤولية القطاع الخاص في تعزيز العقد الاجتماعي بشكل مباشر وغير مباشر، سواء بالحفاظ على الوظائف وعدم تسريح العمال والاستمرار في دفع الأجور، وعدم اللجوء الى رفع الأسعار وإبقاء تكلفة الحياة معقولة وممكنة.
وبعد كل هذا الشكر، إلى أين نمضي بالعقد الاجتماعي؟
التاريخ يعملّنا أن الأزمات والصدمات والهزات هي مفاتيح للتغيير. وبالتالي الكيّس والفطن من يلتقط الفرصة ويستغلها للتطوير والتغيير.الفرصة سانحة لإعادة تعريف وإنتاج عقد اجتماعي فلسطيني بالشراكة الكاملة بين جميع مكونات المجتمع. عقد اجتماعي يقوم على تقاسم الأعباء والمخاطر وتقاسم المنافع والمكتسبات، عقد اجتماعي قوامه العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص وسيادة القانون والسلم الأهلي والتماسك الاجتماعي، عقد اجتماعي يبنى بالشراكة والتضمين وعدم الاقصاء، عقد اجتماعي لا يستثني أحدا.
ختاما، يخطئ جدا من يعتقد أن المطلوب إعادة الأوضاع الى ما كانت عليه قبل الجائحة، هذا يكون قد ضيّع فرصة ذهبية لاستخلاص العبر والدروس، ويكون قد فوّت منصة مواتية وظرفا سانحا للتغيير والإصلاح.
لله در الجائحة
كشفت أمورا فاضحة
وكيل وزارة التنمية الاجتماعية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت