سحقاً لصفقة تبادل أسرى تحت ضغط جائحة كورونا

بقلم: فايز أبو شمالة

فايز أبو شمالة
  • د. فايز أبو شمالة

تستغل إسرائيل جائحة كورونا الذي تفشت وسط سكان قطاع غزة، وراحت تشترط على المقاومة إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى مقابل تقديم مساعدات إنسانية، ويتداول الإعلام الإسرائيلي أن حكومتهم نقلت مؤخرا لحماس، عبر الوسيط المصري مقترحا جديدا بشأن صفقة التبادل، يتضمن الإفراج عن أسرى أحياء تحددهم إسرائيل، ومساعدات طبية لمواجه كورونا بغزة، مقابل الافراج عن الأسرى الإسرائيليين المتواجدين بغزة.

وإن كانت غزة بحاجة لمساعدات إنسانية، وإن كانت غزة بحاجة إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد مقابل فك الحصار، إلا أن حاجة فلسطين أشد إلى تحرير أسراها، وبعث الأمل في نفوس احدودب مصيرها خلف القضبان، وذبح أحلامهم الإهمال والنسيان.

ستحاول إسرائيل في هذه المرحلة استثمار البعد الإنساني لأهل قطاع غزة في تحقيق مكاسب سياسية، وتحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية تفاقم الحالة الصحية لأهالي غزة، لذلك جاء الطعم الإسرائيلي عن استعدادها لمساعدة سكان قطاع غزة إذا هم ساعدوا أنفسهم، وأن إسرائيل التي أرسلت الوفد المصري للوصول إلى صفقة تبادل، ستلجأ إلى إرسال وفود تفاوضية أخرى، في محاولة خبيثة للربط بين حاجة السكان الإنسانية وحاجة الوطن السياسية، وعلى مثل هذه المناورات فإن رد المقاومة هو رفض الربط بين الإنساني والسياسي، مع إبداء الاستعداد لتنفيذ صفقة تبادل أسرى فوراً، ولكن بالشروط الفلسطينية، وعلى نمط صفقة وفاء الأحرار.

التلاعب بمشاعر الأسرى وذويهم قد يكون هدفاً إسرائيلياً، ولكن التلاعب بمزاج الشارع الفلسطيني، وتحميل المقاومة مسؤولية الحصار الإسرائيلي، فهذا ما عملت له كل الحكومات الإسرائيلية، وهو الغاية، ولا سيما أن الوضع الحزبي الذي تعيشه إسرائيل في هذه الأيام لا يسمح لحكومتها بتنفيذ صفقة تبادل أسرى، وما الوعود التي تقدمها للشعب الفلسطيني عن تسهيلات ومساعدات، إلا لذر الرماد في عيون المجتمع الدولي، وقد دللت تجربة الشعب الفلسطيني أن كل الوعود الإسرائيلية فيما يتعلق بحل القضية الفلسطينية كانت زائفة وزائلة، وعليه؛ فإن الحديث الإعلامي الإسرائيلي عن النية لفتح المعابر، ورفع الحصار، وفتح الميناء، والموافقة على المطار، كلها مقترنة بعودة جنودها الأسرى، فإن عادوا، ستعود الأوضاع المعيشية لسكان قطاع غزة إلى ما كانت علية.

وفي هذا المقام، فإن تجارب الشعب الفلسطيني تقول: لقد تعهدت إسرائيل بإطلاق سلاح الأسرى في صفقة وفاء الاحرار، ثم عادت واعتقلتهم ثانية رغم وجود وسيط مصري وآخر ألماني، وقد تعهدت إسرائيل بعودة مبعدي كنيسة المهد  بعد عدة أسابيع سنة 2002، اليوم يمر على إبعادهم أكثر من ثمانية عشر عاماً، ولم يعد منهم أحد، وقد تعهدت إسرائيل بإطلاق سراح  الأسرى الفلسطينيين على ثلاث دفعات ضمن اتفاق مع السلطة سنة 2013، وقد أفرجت إسرائيل عن الدفعة الأولى من سجناء مدنيين، وعن الدفعة الثانية من الأسرى ذوي الأحكام الخفيفة، ولم يتم الإفراج عن الدفعة الثالثة حتى يومنا هذا، ولعل في تجربة اتفاقية أوسلو خير شاهد على نكث العهد، فالمرحلة الانتقالية التي كان يجب أن تنتهي سنة 1999، لما تزل قائمة حتى الآن.

على المقاومة الفلسطينية ألا تثق بالوعود الإسرائيلية، وأن تتمسك بصفقة تبادل أسرى بشروط فلسطينية لا بشروط إسرائيلية، صفقة أسرى تحدد المقاومة أسماءهم؛ مثل مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، ونائل البرغوثي وماهر يونس، وكريم يونس ووليد دقة وحسن سلامة، وعباس السيد وغيرهم، وهذا ما تتوقعه الشعوب العربية قبل الشعب الفلسطيني من رجال المقاومة، فغزة التي ضحت بالغالي والنفيس، وقدمت الدماء، وجاعت وتعبت وسهرت ومرضت كي تحقق صفقة وفاء الأحرار، غزة على استعداد للموت بجائحة كورنا ألف مرة، وليست على استعداد للموت جوعاً، ولكن غزة ليست مستعدة لأن تسلم شرفها، وتبيع مستقبلها، وتخون أسراها، وتهدم تاريخها، وتفرط بقيمتها الإنسانية، وذخرها الاستراتيجي الذي أحبه شباب الأمة.

الأسرى خلف القضبان وضعوا ثقتهم بقيادة غزة، وهي تحت الاختبار، وكما صمدت قبل سنوات مع صفقة وفاء الأحرار، عليها أن تصمد، وتصرخ بعالي الصوت أن شأن غزة الإنساني قضية المجتمع الدولي برمته، وستجبر إسرائيل على تقديم الدواء رغم أنفها، ستقدم الغذاء كارهة، ستوافق على تدفق الأموال القطرية صاغرة، فالصواريخ التي تطالب إسرائيل لجمها، هي نفسها العلاج الذي سيسهم في تقديم المصل الواقي من فايروس كورونا.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت