- د. سلامه أبو زعيتر
من واقع الواجب قررت للمرة الثالثة أن أكتب مقالاً حول قضية مطلبية ونقابية للموظفين والعاملين على بند البطالة الدائمة، ببعدها الأخلاقي والقانوني، والانساني، على أمل أن أشاركهم في إيصال صوتهم وإعلاء كلمتهم، وشرح معاناتهم والظلم والاجحاف الواقع عليهم منذ سنوات إلى المسئولين ولأصحاب القرار في الحكومة والسلطة الوطنية، وذلك نابع من دورونا النقابي والشعور بالمسئولية في ظلّ عدم المبالاة والعجز أمام متطلبات الواقع وصعوبة التأثير والتغيير، واختلاط الأولويات والادوار، وزيادة حجم التحدّيات التي تواجه شعبنا من احتلال وحصار وفقر وبطالة وإنقسام وتداعيات كورونا الصحية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن الواجب يدعو دائما لانصاف وحماية المظلومين، وتعزيز العدالة والقانون بهدف حماية الحقوق وصون الإنسان من العوز والحاجة وحفظ كرامته، فقضيتنا اليوم تتمحور حول ما آلت إليه أوضاع من عملوا وخدموا المجتمع، بوظيفة البطالة الدائمة في الحكومة لعشرات السنوات، بدون أمن وظيفي أو حماية اجتماعية أو تأمينات من المخاطر أو ترقيات أو الحصول على حوافز، وظيفة مقطوعة أقل ما نقول عليها قاتلة لأي طموح وقاهرة للأمل والمستقبل.
لم تقف المشكلة عند هذا الحدّ، فبالأمس زارتني مجموعة منهم، واستعرضت أمامي أبرز مشاكلهم ومعاناتهم، وعدم الاكتراث بقضيتهم أو بمطالبهم النقابية والوظيفية، وشعرت بألم ومرارة القضية، وهم يسردون الرواية والحكاية للمرة ما بعد الألف على حد وصفهم في شرح المشكلة وتداعياتها وأبعادها القانونية والقرارات المرتبطة بها، وما وصلت إليه أوضاع وأحوال بعضهم، وخاصة من بلغوا سن الستين، والذين يعيلون أسرة، وأبنائهم في الجامعات، ولديهم التزامات ومتطلبات حياتية ...إلخ، وساحاول تلخيص بعضها عسى تجد أذن صاغية، وضمير حي، وقائد ومسئول يتبنى قضيتهم، ويَحسن التصرف للتدخل في علاجها وانصافهم ومنها التالي:
- منهم من هو على بند البطالة منذ عام 1993، واشتغل مع السلطة منذ نشأتها وشارك في مراحل البناء الأولى، وهم على بند مالي ومسمى البطالة الدائمة في خدمة تزيد عن عشرات السنوات براتب لا يتعدى 1000شيقل، ومن بلغ منهم سن الستين انتهيت علاقتهم بالعمل، بدون أن يحصلوا على حماية اجتماعية أو راتب تقاعدي، أو حتى حقوقهم القانونية، وانتهوا بالشارع لا يستطيعوا تلبية متطلبات أسرهم وإعالتها، ومحروموا من أي مساعدات فهم مسجلين على نظام المعلومات لسوق العمل موظفين وشبكه الأمان لا تغطيهم، ولسان حالهم خدمنا شعبنا والحكومة، وفي كبرنا وشيخوختنا لا معيل أو سند أو معين غير الله على صعوبات الحياة، وصلنا لحالة التسول والفقر المدقع .....
- منهم من تفوق بالجامعة وحصل على أفضل النتائج، وتم تعيينهم من قبل رئيس الوزراء لتفوقهم على بند البطالة الدائمة كمكافأة لتميزهم الدراسي، فترة توقف التعينات عام 2004، وما زالوا من تاريخه على مسمى بطالة دائمة، وكان الأمل أن يتم إدراجهم على الهيكلية، وحتى اللحظة وهم بنفس الوضع والمسمى الوظيفي، وقضيتهم معلقة بدون حل، وكل حكومة تأتي ما أن تفهم قضيتهم لتبدأ تعالجها يتم تغييرها، وتعود العملية من جديد لشرح القضية وإقناع للحكومة الجديدة، برغم أن المجلس التشريعي عام 2005 قد أصدرت لجنة الموازنة المالية فيه توصية بخصوص موظفي البطالة الدائمة، رقم 7 لسنة 1998 بتحميل الحكومة مسئولية أي تقصير بهذا الشأن وإعطائهم أولوية الحق بالتوظيف وإلغاء مسمى البطالة الدائمة ونشرت بالجريد الرسمية.
- منهم من استبشروا خيرا بعد قرار مجلس الوزراء رقم 135 لعام 2005 بإعتماد عقودهم حسب قانون العمل الفلسطيني، وبرغم عدم قانونية الإجراء؛ باعتبارهم موظفي حكومة يفترض أن يطبق عليهم قانون الخدمة المدنية، ولا يجوز التمييز بين الموظفين في مكان العمل، إلا أنهم تأملوا وتوقعوا التثبيت في المستقبل بعقد غير محدد المدة وهذا ما ينص عليه قانون العمل، وأن يطبيق عليهم نظام الأجور وعلاواته على الاقل والحد الأدنى للأجر، وللعلم حتى اللحظة منهم من يتقاضون أقل من 1000شيقل، ويطبق عليهم نظام الخصومات والنسب 50 % و 70% التي تطبق على الموظفين العموميين في الازمات، يعني في الاجراءات هم موظفين عموميين، وبالمعاملة في علاقة العمل يتم التعامل معهم حسب قانون العمل والذي بالأصل لا يجيز التلاعب بالأجر أو المس به، فهو حق ممتاز لا يجوز تأخيره.
- تحدثوا بمرارة وألم عن وعود كثيرة تلقوها من مسئولين، وقيادات فلسطينية ووطنية، ووزراء سابقين وحاليين بأهمية قضيتهم وعدالتها، والاستعداد لتبنيها ولإيجاد حلول موضوعية والمنصفة لهم، ولكن حتى الان الوضع كما هو، والوجع مستمر والقلق والخوف يسيطر عليهم، فهناك من يخرج من المسئولين ليصرح حول قضيتهم، ويقول أن توظيفهم كان حالة اجتماعية ومساعدة إنسانية، بدون أي التزامات أو حقوق، وهذا التصريح عاري عن الصحة وليس له سند قانوني ويتنافى مع الواقع، فمن ابتكر المسمى ووظفهم قد مات أو تقاعد، والجميع يعرف أن موظفي البطالة الدائمة كانوا على رأس العمل، وكانت توكل لهم مهام كاملة كالموظفين، وكانوا وما زالوا منتجين وملتزمين، ومنهم كفاءات وقدرات عالية بمهارات مهنية ومختصة، والواجب انصافهم بالتثبيت في العمل الدائم والمحفز،لا تبرير الظلم الواقع عليهم، والتنكر لحقوقهم، وتجاهل مطالبهم العادلة.
سردوا وتحدثوا عن معاناتهم، وتطلعاتهم بالأمن الوظيفي، والحماية الاجتماعية، والانصاف وخاصة من أمضوا عشرات السنوات بالعمل، وتركوا على قارعة الطريق بدون حقوق أو حماية اجتماعية، وطبّق عليهم إجراءات التقاعد لبلوغ سن الستين بدون راتب تقاعدي،
ومن هنا أتوجه للحكومة، ورئيسها د. محمد شتية، ولكل وزارة فيها موظفين على بند البطالة الدائمة، لتحمل مسئولية هذه الفئة من أبنائها، والعمل على معالجة قضيتهم وفق الأصول والقانون بعدالة وانصاف واقترح للمساهمة في الحل التالي:
- ضرورة العمل لإدراجهم على هيكلية الوزارات، وتثبيتهم وفق الأصول والنظام، ومراعات سنوات خدمتهم وخبراتهم بما يوفر الأمن الوظيفي وحماية اجتماعية، وأن يستفيدوا من نظام التقاعد العام لحفظ كرامتهم بنظام تقاعد يضمن مستقبلهم، وهذا ينسجم مع توصية لجنة الموازنة في المجلس التشريعي عام 2005.
- يجب التطبيق الفوري لنظام الأجورالعادلة، وخاصة بتطبيق الحد الأدنى للأجور على كافة الموظفين على بند البطالة الدائمة بدون تأخير وربطها بجدول غلاء المعيشة، ووقف أي خصومات على الأجر، فرواتبهم لا تستوعب الخصومات، فهي بالكاد توفر الحد الأدنى لمتطلبات الحياة، وواجب الحكومة تنفيذ القانون وحماية الموظفين وتعزيز صمودهم وأعانتهم وتأمينهم من المخاطر.
- ضرورة توضيح طبيعة علاقات العمل لموظفي البطالة الدائمة ومن في حكمهم وإرتباطهم بالحكومة، وتوضيح أي قانون يطبق عليهم من قبل الحكومة في العمل، وللعلم وللتوضيح حسب قانون العمل يعتبر عقد عملهم غير محدد المدة بعد مضي ثلاث سنوات- وهذا يعني أنهم مثبتين -، وقانون العمل ليس فيه سن تقاعد، فإجراء الحكومة ووزارة المالية خصوصاً بإنهاء عقود من بلغوا سن 60 عام تجاوز لقانون العمل، وفيه انتهاك وخلط بالقوانين، ويوقع على الموظف ظلم وإجحاف، ويجب إلغاء كل القرارات بإنهاء عقد العمل، وإعادتهم للعمل وإنصافهم وظيفياً؛ طالما قادرين صحياً على العمل بدون تحديد للسن حتى نهاية العمر.
- ضرورة وضع قضية موظفي البطالة الدائمة على طاولة مجلس الوزراء، وتشكيل لجنة مهنية لانصافهم وحماية حقوقهم ودمجهم وظيفياً، ومراعاة القانون والمعايير المحلية والدولية التي تنص على حقوق الانسان، والحق بالعمل، والحق بالحماية الاجتماعية، والحماية من المخاطر، والعدالة والانصاف، والحق بالترقي، والتحفيز، والأجر الكريم، والعمل اللائق بكرامة وإنسانية، وتنفيد توصية المجلس التشريعي الفلسطيني لعام 2005، وذلك بتثبيت عمال، وموظفي البطالة الدائمة بأثر رجعي منذ عام 2005 واستيعابهم فى كافة الوزارات والمؤسسات الحكومية، وإلغاء ما يسمى بالبطالة الدائمة.
أخيراً إن هذه القضية مسئولية أخلاقية وقانونية ونقابية، وحق إنساني لعدد من الموظفين الذين خدموا وتفانوا بالعمل، ولم يسجل ضدهم تجاوزات إدارية او وظيفية ومن حقهم الأمن الوظيفي، والحماية والاستقرار، والحق في الأجر الكريم، والمكانة والمركز المناسب بالعمل؛ الذي يمنحهم فرصة الإبداع والإنجاز بالمزيد من العطاء والخدمة للمجتمع، ويعزز انتمائهم الصادق وطاقتهم الايجابية، وينمي مشاركتهم ويحفزهم أكثر للعمل، ولا يجوز استمرار إدارة الظهر لمطالبهم والتنكر لحقوقهم، فالأصل أن تسجل الحكومة نموذجاً بالانصاف والعدالة، وأن تحمي موظفيها، وخاصة هذه الفئات وتراعي في معالجتها كل من هم في حكمهم، وانصافهم بالحق في التعيين والتثبيت وفق قانون الخدمة المدنية، ومنهم موظفي 2005 وموظفي شركة البحر وموظفي العقود وأي مسميات أخرى مشابهة، فواجب الحكومة أن تكون قدوة في إعمال وتنفيذ القانون وحماية الموظفين، وحقوقهم، والعمل على تطوير وبناء قدراتهم ومهاراتهم، وتحسين أدائهم وتكريمهم، وهذا يأتي بالعمل وفق خطة واضحة، وتحمل المسئولية، والاهتمام بالقضايا والمشاكل الموظفين، ووضعها على جدول الأعمال ومناقشتها بجدية، وإصدار القرارات المنصفة وفق القانون، لإسعاد الموظفين وأبنائهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها مجتمعنا بكل مكوناته وافراده...
• عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت