"الاستبدال العظيم" نازية القرن الحادي والعشرين وعنصرية حاقدة تجاه المسلمين!!

بقلم: إبراهيم التميمي

  • د. إبراهيم التميمي
  • عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين

في شهر نوفمبر صدرت دراسة أعدّتها منظمة "مشروع مكافحة التطرف" بتكليف من وزارة الخارجية الألمانية، وتتناول الدراسة التشابك الدولي لليمينيين المتطرفين، وشملت الدراسة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، وخلصت الدراسة أنه قد نشأت حركة جديدة وبلا زعامة وعابرة للحدود ورهيبة وعنيفة ليمينيين متطرفين في الفترة بين 2014 و2020، وأن هذه الحركة تواصل تطورها وصعودها، وأنها تتنبأ بنهاية العالم وتتجه إلى العنف وتؤمن بنظرية "الاستبدال العظيم"!

وعلى إثر تلك الدراسة دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى تكثيف التعاون الدولي بين المؤسسات الأمنية في مكافحة التطرف اليميني، وقال ماس لوكالة الأنباء الألمانية إنه يتم استخدام الاحتجاجات ضد إجراءات مواجهة تفشي فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" من قبل راديكاليين يمينيين، ليس فقط في ألمانيا ولكن على مستوى العالم بأسره، من أجل نشر فكرهم.

وقبل ذلك كان السفاح الأسترالي تارانت قد استخدم عبارة "الاستبدال العظيم" بأحرف كبيرة على الصفحة الأولى من البيان الذي نشره على الإنترنت قبل بداية هجومه على المسجدين في كرايست تشيرتش بنيوزيلندا في مارس/آذار 2019 وإطلاقه النار على المصلين وقتله 49 شخصاً، وقد أشار تارانت إلى أنه أثناء إقامته في فرنسا لاحظ وجود "الغزاة في كل مكان"، وهذا ما شجعه على اتخاذ تلك الخطوة.

فما هو المقصود "بالاستبدال العظيم"؟ ومن أين جاءت هذه الفكرة؟ وهل هي مجرد فرضية أم أنها تحولت إلى أداة سياسية تؤثر على سياسات الدول الغربية وخاصة الأوروبية منها تجاه المسلمين؟ وهل سياسات فرنسا تنسجم مع هذه الفكرة؟ وكيف يمكن للمسلمين الدفاع عن أنفسهم والتصدي لتلك الفكرة والسياسات المنبثقة عنها؟

  • ما هو المقصود بالاستبدال العظيم أو الكبير؟

"الاستبدال العظيم" أو بالفرنسية (le grand remplacement) هي نظرية يمينية تدور حول وجود مؤامرة منظمة لاستبدال الأوروبيين الأصليين، البيض عموماَ وخاصة الكاثوليك منهم، بالمهاجريين من المسلمين والعرب/البربر الشرق أوسطيين والشمال إفريقيين والأفريقيين من جنوب الصحراء، وذلك من خلال الهجرة الجماعية والنمو السكاني، وتعتبر النظرية وجود المسلمين في فرنسا بأنه خطر يهدد بتدمير الثقافة والحضارة الفرنسية.

  • من أين جاءت فكرت الاستبدال الكبير أو العظيم؟

يعتبر الكاتب والسياسي اليميني الفرنسي رينو كامو القريب من حزب الجبهة الوطنية وصاحب كتاب الاستبدال العظيم عرّاب هذه النظرية التي طرحها لأول مرة في كتابه "أبجديات البراءة" الذي نشر في عام 2010، وذلك قبل أن يقوم بتطويره وتغيير اسمه إلى "الاستبدال العظيم" عام 2011. ويرى بعض الكُتاب أن هذا المفهوم له جذور تاريخية تمتد لنهاية القرن الـ19 وأنه تم طرحه من قبل موريس باريس أحد الآباء المؤسسين للقومية الفرنسية، ويستدلون على ذلك بمقال عن عضوية جمعية الشباب القومية يعود تاريخه إلى عام 1900 يُظهر وضع باريس الأسس النظرية لهذه الفكرة، حيث يقول باريس: "اليوم، تسلل بيننا الفرنسيون الجدد الذين لا نملك القدرة على إدماجهم، ويريدون أن يفرضوا علينا طريقة تفكيرهم"، واعتبر موريس باريس أن انخفاض معدل المواليد واستنفاد طاقة الفرنسيين على امتداد 100 عام مثلت عوامل حاسمة لقدوم الأجانب ورغبتهم في تدمير الهوية الفرنسية، مؤكداً أن "انتصارهم يعني الدمار الحقيقي لوطننا".

وقد حمل هذه الفكرة شريحة من اليمينيين المتطرفين العنصريين، وتم تبني هذا الشعار من قبل حركات الاحتجاج العنصرية، مثل بيغيدا، وكذلك المجموعات الإيديولوجية مثل كتلة الهوية وبعض المدونين والكتاب والفلاسفة مثل الصحفي إريك زيمور والفيلسوف ألآن فينكلكروت والكاتب ميشيل ويلبك، وقامت المواقع اليمينية البارزة مثل Gates of Vienna وPolitically Incorrect وFdesouche بتقديم منصة للمدونين لنشر نظرية المؤامرة وتعميمها.

 

  • هل "الاستبدال العظيم" مجرد فرضية أو أنها تحولت إلى أداة سياسة تؤثر على سياسات الدول الغربية وخاصة الأوروبية تجاه المسلمين؟ وهل سياسات فرنسا تنسجم مع هذه الفكرة؟

قبل الإجابة على هذه التساؤلات سنقوم بتشريح الواقع التفصيلي لهذا المفهوم السياسي والنظرة السياسية عند أصحابه، ومن ثم نستعرض السياسات التي تقوم بها بعض الدول مثل فرنسا تجاه المهاجرين، لنرى إن كان هنالك انسجام بين مفهوم الاستبدال العظيم والتغيرات السياسية وخاصة الداخلية من قبل تلك الدول تجاه المهاجرين وخاصة المسلمين.

تتمحور النظرة السياسية للاستبدال العظيم عند رينو كامو وأحزاب اليمين التي تتبنى نظريته حول نقاط رئيسية أهمها:

  1. التغير الديمغرافي

حيث يرون أن الاستبدال الكبير يحدث من خلال الهجرة الجماعية وارتفاع معدلات الخصوبة عند المهاجرين من أصل غير أوروبي حتى يصلوا إلى مرحلة تجاوز عدد السكان الأصليين في أوروبا، وهذا من شأنه أن يساعدهم على فرض ثقافتهم ودينهم على القارة، ويفسرونه أيضاً بالتحول الكمي حيث يتم -بحسب النظرية- استبدال المجتمع الفرنسي الأصلي المنحدر من أسلاف فرنسيين إلى مجتمع من أصل أجنبي من شعب قادم من المغرب وجنوب الصحراء الكبرى فيحصل بذلك الاستبدال، وبعضهم يسلط الضوء على قضية تناقص معدل الخصوبة عند الأوروبيين وانخفاض عدد المواليد الأصليين فيزدادون حقداً على غيرهم بدل أن يدركوا غفلتهم وضياعهم بفعل الثقافة الجنسية التي حطمت مفهوم الأسرة عندهم وبفعل مفاهيم المساواة وتحرير المرأة التي قللت من الإنجاب وجعلته في أدنى صوره.

  1. رفض المهاجرين وخاصة المسلمين القيم والعادات الغربية والتمسك بقيمهم وعاداتهم ودينهم

حيث يرى رينو كامو في كتابه أن الناس الذين يصلون إلى فرنسا مثلا، لهم ثقافة وتقاليد دينية مخالفة لما هو عليه المجتمع الفرنسي، وأن هذه الثقافة المستوردة والتقاليد الدينية لا تتلاءم والثقافة الفرنسية ولا تتماشى مع العلمانية الفرنسية، ويرى رينو أن المجتمع التقليدي المسيحي المعجون بالقيم والأخلاق العلمانية سوف يستبدل إلى أغلبية مسلمة سيسيطر عليها مع مرور الوقت مسلمون غير معتدلين، وهذا سيؤدي في النهاية إلى تغيير جذري للثقافة وللمظهر العام وحتى شكل الشوارع، حيث يقول في كتابه "تتوالى الأسئلة بخصوص مسألة القبول السلبي لهذا التدفق المستمر منذ 40 عاماً لمحتلين جدد للإقليم حيث يستقرون مع أسرهم وينشئون أحفادهم ويغيرون بشكل جذري المظهر العام ومعه شكل شوارعنا ويمثلون الاجتياح الذي أرادت البلاد تجنبه منذ 15 قرناً وقاومته بكل قواها".

  1. الحكومات سواء في فرنسا أو في الإتحاد الأوروبي بشكل عام لا تقوم بالمناسب لوقف عملية الاستبدال ويتهمونها بالتقصير والتواطؤ في كثير من الأحيان

فمثلاً يقول أصحاب النظرية أن الاستبدال العظيم سيحدث نتيجة مؤامرة تنفذها "سلطة خفية"، وهي النخب الحاكمة الرأسمالية المناصرة للعولمة في بروكسل والإتحاد الأوروبي، حيث أنها تدعم عمليات الهجرة الجماعية من أجل بناء عالم جديد تختفي فيه كل الخصوصيات القومية والعرقية والثقافية، ويصبح قابلاً للسيطرة والتشكل بما يلبي احتياجات الاقتصاد المعولم، ويرون أن الحكومات الفرنسية وبقية الحكومات الأوروبية تسمح بذلك التحول والاستبدال وتشجع عليه من خلال السماح للمسلمين بالهجرة والتكاثر والتمسك بدينهم وعاداتهم وقيمهم.

  1. تفعيل الهجرة العكسية والدمج الكامل للمهاجرين في المجتمع الغربي

يرى رينو كامو وأصحاب نظرية الاستبدال الكبير أن وقف عملية الاستبدال أو الإبادة الجماعية للبيض يكون من خلال وقف الهجرة وتفعيل الهجرة العكسية والقيام بإجراءات تستهدف قيم وعادات وتقاليد المهاجرين وإجبارهم على الانسلاخ عن ثقافتهم بالكامل واعتناق الثقافة الغربية بكل تفاصيلها، وعندها يصبحون أمام خيارين إما الاندماج الكامل في المجتمعات الغربية أو العودة لأوطانهم، وعن ذلك يتحدث رينو كامو في كتابه "إن فرنسا تتعرض لاستعمار عكسي من قبل المهاجرين وأن هذا الاستعمار والاحتلال الديمغرافي أكثر ضرراً من استعمار فرنسا في السابق لتلك الدول، ويطالب المهاجرين بالعودة إلى أوطانهم، وأن الحل يكمن بالهجرة العكسية ما يقابل الاستبدال العظيم هو العودة العظمى للوطن الأصلي"، ويقول أيضا "إن فرنسا تتعرض لاستبدال هويتها وثقافتها من قبل المهاجرين وأن الهوية المسيحية الأوروبية في تنافس حاد مع الأصولية الإسلامية والغزو الإسلامي، وأن هؤلاء القادمين الجدد يفرضون ثقافتهم وعاداتهم ويدفعون الفرنسيين الأصليين للخضوع الكامل للمحتلين المسلمين".

 

بالنظر إلى السياسات المستحدثة ضد المسلمين في أوروبا والتي تستهدف معتقدات المسلمين وقيمهم وعاداتهم وتفاصيل حياتهم، وقراءة تلك السياسات في سياق النقاط السابقة، يتبين للمدقق أن أفكار اليمين في أوروبا وضغوط أحزابها التي تزداد قوة يوماً بعد يوم، خاصة بعد أن باتت تتسنم مناصب سياسية عليا في الدولة، قد بدأت تؤثر على سياسات الحكومات والأحزاب الحاكمة، واستطاعت أن تتخطى المرحلة النظرية لأفكارها النازية الحاقدة، وباتت تترجم تلك الأفكار والنظريات إلى سياسات فعلية تجاه المسلمين على أرض الواقع وخاصة في فرنسا.

وكذلك الحال في الولايات المتحدة فإن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العنصرية تجاه المسلمين والسود واللاتين في أمريكا، وسياسته فيما يتعلق بالهجرة والحد منها وإغلاق الحدود وقضايا التجنيس وأبناء المهاجرين غير الشرعيين ودعم جماعات تفوق العرق الأبيض والدفاع عن عنصرية رجال الشرطة البيض تجاه السود وغيرها من السياسات، هي نموذج مشابه لأفكار اليمين في أوروبا، وكيفية تصاعد تأثيرها على سياسات الحكومات والأحزاب الحاكمة.

 لا سبيل أمام المسلمين للدفاع عن أنفسهم تجاه تلك الأفكار والسياسات سوى بالتمسك بأحكام دينهم وثقافتهم وقيمهم وأخلاقهم، وأن يكون ذلك بالتزامن مع العمل على صعيدين:

  • صعيد الشعوب الغربية: والعمل معها يكون من خلال الصراع الفكري بضرب أفكار العلمانية والرأسمالية والإلحاد وبيان زيفها وبطلانها وما سببته لتلك الشعوب وللبشرية من شقاء وظلم وقتل وسفك للدماء وصراع على نهب الثروات، وفي المقابل الدعوة إلى الإسلام بالحجة والإقناع العقلي، وطرح الإسلام كنظام حياة يعالج مشاكل البشر وينظم شؤون حياتهم على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويحقق للبشرية في حال تطبيقه الأمان والطمأنينة، أي الدعوة لاعتناق الإسلام ليس كدين كهنوتي وإنما كعقيدة ينبثق عنها نظام، وهذا العمل يكون مع الشعوب التي تكتوي مثلها مثل غيرها بمشاكل الرأسمالية من أزمات اقتصادية تتكرر في كل وقت وحين، واجتماعية خاصة مشكلة ضياع مفهوم الأسرة وطغيان النظرة الجنسية على غريزة البقاء والمحافظة على النوع الإنساني حتى باتت تلك الشعوب في حالة تناقص ديمغرافي وأزمات أخلاقية وضياع للقيم وانتشار للشذوذ والانحلال، وأزمات صحية وتخبط في التعامل مع الكوارث والأزمات كما حصل في مواجهة جائحة كورونا.
  • صعيد الحكومات الغربية: حيث يكون التصرف تجاهها بالتصدي لها من خلال الأعمال السياسية التي تكشف عنصرية النظام في التعامل مع المسلمين وكذب ما يدّعيه من حريات ومساواة، وأن الأنظمة الغربية، كالنظام الفرنسي، باتت تدوس -بإجراءاتها ضد المسلمين- الدساتير التي تتغنى بها والحريات التي تتشدق بها، سواء الحرية الشخصية أو حرية المعتقد أو حرية الرأي، بشكل يفضح تلك الحكومات ويظهر عنصريتها ويوجد رأياً عاماً عند الشعوب الغربية يدفعها للضغط على حكوماتها لوقف الإجراءات العنصرية تجاه المسلمين.

وفي الختام:

يوماً بعد يوم تشتد الحرب على المسلمين، ومنهم الذين يعيشون في بلاد الغرب بعد أن أصبحوا يشكلون كابوساً للعلمانيين والرأسمالين واليمينيين، وذلك لأنهم يحملون ديناً سياسياً، وليس ديناً كهنوتياً، ديناً انبثق عنه نظام حَكم العالم مدة ثلاثة عشر قرناً وهو قادر على أن يسوس البشرية من جديد إلى قيام الساعة، ديناً ينبثق عنه نظام فيه حلول لكل المشاكل التي تعاني منها البشرية في الوقت الحاضر، ديناً يقنع العقل ويوافق الفطرة ويملأ القلب طمأنينة، ديناً لا يموت وحملته في حيوية دائمة ومشاعر متقدة واستعداد للتضحية والدفاع عنه، يتمسكون به ولا يرتدون عنه، يحبون رسوله عليه الصلاة والسلام ويغضبون دفاعاً عنه، وفي هذا الصدد يعترف رينو كامو في برنامج خارج النص على قناة الجزيرة بالقول "الإسلام الأكثر بروزاً باعتباره الأكثر تنظيماً ومتانة، والمسيحية تفتقر إلى الإيمان بها وتشهد تراجعا ويمارسها قلة من الناس وتفتقر للإيمان بها، وبالمقابل لدينا ديانة ديناميكية جداً ومحبوبة وممارسة وحية وهي مصدر إلهام وأساس لعلاقة ودودة بين أفراد العائلات وهو ما يشكل قوة في مواجهة أوروبا والغرب بوجه عام".

وهذا يوجب على المسلمين في أوروبا أن يتمسكوا بهذا الدين العظيم ويعضوا عليه بالنواجذ وأن يدافعوا عنه، أما المسلمون في البلاد الإسلامية فيجب عليهم أن يعملوا لإقامة دولة تحكمهم بالإسلام وتقدم نموذجا حضاريا للشعوب الأوروبية التي بدأت تكفر بالرأسمالية وتتلمس البديل لها، دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة تعرف كيف تدافع عن إخوانهم المسلمين في كل مكان وتعمل على حمل رسالة الإسلام إلى البشرية جمعاء رسالة خير ورحمة، دولة تزيل الحواجز المادية بين رسالة الإسلام والشعوب المضللة بتحريك الجيوش وإعلان الجهاد في سبيل الله وهزيمة من يريدون أن يستعبدوا البشرية تحت شعارات الرأسمالية والعلمانية ويضطهدوا الشعوب والأعراق تحت شعارات النازية والقومية وسيادة وتفوق العرق الأبيض.


 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت