حماس وشرارة الربيع العربي المأمول

بقلم: عماد عفانة

عماد عفانة
  • عماد عفانة

رغم مرور نحو عقد من الزمان على ثورات "الربيع العربي" التي انطلقت من تونس في 2011، وطال لهيبها كلا من مصر وليبيا وسورية واليمن والبحرين.

وعلى الرغم من محاولات قوى الثورة المضادّة المتواصلة لإجهاض الربيع العربي بكثير من المال والجهد الاعلامي.

إلا أن العواصم الأخرى التي شهدت خلال العامين الماضيين انتفاضات وثورات بيضاء، وشملت كلا من السودان والجزائر والعراق ولبنان، ورغم كونها اقل حدة من ربيع 2011، إلا أنها أثبتت أن نار الشعوب المشتعلة تحت رماد الأنظمة الطاغية ما زالت قابلة للاشتعال بل وللانفجار كالبركان، بانتظار من يقدح الشرارة.

قد يكون صحيحا أن تظاهرات الربيع العربي كانت هتافاتها مطلبية اجتماعية واقتصادية أكثر منها سياسية، فالآلاف الذين ملأوا الشوارع كان همهم تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فتم الانقلاب على الرئيس السوداني عمر البشير من القوى اليسارية بعد ثلاثين عام في السلطة.

فيما تنحى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من الرئاسة قبل ان يغيبه الموت.

وانتفض العراقيون واللبنانيون أملا في النجاة من غول الفساد والطائفية الطاغية على بلدانهم.

ورغم الحصيلة الهزيلة لثورات "الربيع العربي" قياسا بالخسائر التي تكبدتها دول وشعوب الربيع العربي، إلا ان ثورات الربيع العربي أثبتت كونها الطريق الكفيل بتحقيق مطالب الشارع العربي الحالم بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

إلا أن أبرز انجازات ربيع 2011 كانت الاطاحة بنظام مبارك في 18 يوماً بعد ثلاثين عاماً في الحكم.

واختباء طاغية ليبيا معمر القذافي كالجرذ في عبارة مياه بعد نحو 40عاما في السلطة.

وسقوط طاغية اليمن على عبد الله صالح بعد أكثر من ثلاثة عقود في الحكم.

اصطبغت ثورات الربيع العربي بمطالب اجتماعية واقتصادية وسياسية تخص الشأن الداخلي لكل دولة من دول الربيع العربي، فحققت انجازات وأسقطت رؤساء وأطاحت بعروش، فماذا لو اصطبغت مطالب الربيع العربي المأمول بصبغة سياسية ذات بعد وعمق وطني وقومي وعروبي واسلامي، له ارتباط بعقيدة الأمة ورمز عروبتها، مثل فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك.

الانحدار القومي والعروبي والاسلامي غير المسبوق لدول الثورة المضادة، الأمر الذي بدأ بالمجاهرة بالصلح والتصالح مع عدو الأمة، وصولا لتتالي موجات التطبيع مع محتل قبلة المسلمين الأولى، من الخليج العربي الى المحيط الهندي، بل ومشاركته في اقتحام وتدنيس ثاني المسجدين وثالث الحرمين.

هذا الانحدار المفرط والغير مسبوق، اضافة إلى أن بقاء العوامل التي فجرت الربيع العربي سنة 2011 ما زالت قائمة.

كل ما سبق يوفر بيئة مواتية باندلاع موجة جديدة من الثورات العربية أعتى وأقوى، ليس لتحسين اوضاعهم الاقتصادية والسياسية فقط، بل انتصاراً لعروبة واسلامية فلسطين، ونصرة لمسرى نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم أيضا.

وهنا تكمن الفرصة التي أرى أن على حماس توظيفها بقوة، صحيح أن حركة حماس محاصرة ومحاربة وملاحقة، إلا أنها تملك فرصة كبيرة توفرها لها مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يمكن تطوير استخدامها لرفع منسوب التضامن الجماعي العربي والاسلامي، لجهة حرمان العدو الصهيوني من الاستقرار الإقليمي الذي تسعى لتوفيره عبر موجات التطبيع المتعاظمة.

ويمكن تحقيق ذلك عبر الاغراق في شرح وتفسير وتعظيم الأضرار القريبة والبعيدة لهذا الاختراق الصهيوني الكبير ولهذا الانحدار غير المسبوق من أنظمة سايكس بيكو أمام شعوب الأمة العربية وقواها الحية، تمهيداً لإشعال شرارة انفجار الموجة الثالثة من موجات الربيع العربي، ولكن ليس باتجاه اسقاط وجرف أنظمة وممالك وامارات الرمال والبترودولار العربي المتصهين فقط، بل وباتجاه جرف كيان العدو وانهاء وجوده من أرض المحشر والمنشر.

قد تكون ثورات الربيع العربي تراجعت، لكن ما زالت أسبابها قائمة، وعوضا عن اندلاعها بشكل مفاجئ، ينبغي على القوى العاقلة وبمساعدة مرجعيات وحكماء الأمة التحضير لإطلاق شرارتها بقوة وزخم أكبر بكثير مما كانت عليه الأمور في نهاية 2010، وتوظيف حالة انعدام الرضا في أوساط الجماهير العربية إزاء أداء أنظمة الحكم، التي باتت تحتمي علنا بأمريكا والغرب للمحافظة على عروشها،  لجهة تصويب حركة الجماهير وتعبئتها باتجاه أهداف عابرة لهموم الدول وقمع الأنظمة، أهداف جامعة للأمة، أهداف ذات أبعاد عروبية  وقومية، وبذا يتم ضمان اشتعال ثورات الربيع العربي في مختلف الدول العربي بشكل متزامن، ما ربما يتسبب بسقوطها كما تسقط احجار الدومينو، لصالح توحد شعوب الأمة باتجاه عدوها ومستعمرها وناهب ثرواتها ومقدراتها.

إن حالة الفجور الذي تمارسه الأنظمة العربية في البحث عن شرعيتها في عواصم الغرب وفي تل ابيب، يمثل فرصة ينبغي ألا تفوت لجهة اظهار مدى قمع هذه الأنظمة وتنكرها لجميع الحراكات التي تطالب بالديمقراطية، في حين تستقوي هذه الأنظمة بقوى الغرب الاستعماري، والتي وللمفارقة هي دول تحقق الديمقراطية لشعوبها.    

إن وضع هدف عربي قومي جامع للربيع العربي القادم أمام مختلف دول وشعوب الأمة العربية، سيختصر الوقت والجهد أمام انطلاق وتحقيق أهداف هذا الربيع المأمول، عوضا عن انتظار الموجات المقبلة من الربيع العربي تبعا لظروف كل دولة.

ان تخيير الجماهير العربية بين العيش في ظل الديكتاتوريات وبين الفوضى، كما قال أحدهم "إما أن نقتلكم وإما أن نحكمكم" لم يعد خيارا قابلا للحياة، في الوقت الذي تتسابق فيه هذه الأنظمة للحفاظ على أمن واستقرار تل أبيب.

إن مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها الواسع الذي أثبتته موجات الربيع العربي الماضي، تفتح الباب واسعا أمام انطلاق فعال للربيع العربي لجهة قلب قواعد اللعبة التي تصر أنظمة الحكم على فرضها ضماناً لاستمرارها في الحكم لصالح تل ابيب وقوى الغرب الاستعماري.

إن وضع هدف قومي عروبي اسلامي جامع امام شعوب الامة، هدف عابر للقطرية، سيعفي الأحزاب والحركات الحرة على اختلاف الوانها من الحرج مع الأنظمة، تماماً كما حدث مع حزب العدالة والتنمية الاسلامي في المغرب، الذي دفعه الحرج مع نظام الملك لتبرير عقد اتفاقاً للتطبيع العلني مع العدو الصهيوني بعد عشرات السنوات من التعاون الامني والتطبيع السري معه. 

وعوضا عن انشغال الأحزاب والحركات في دول عالمنا العربي باللغو في مواضيع لا ثمرة حقيقية لها، فانه يقع على عاتق حماس توظيف علاقاتها الواسعة والمتشعبة مع مختلف القوى والأحزاب والحركات في عالمنا العربي والاسلامي، لجهة فتح نوع من الشراكة الثورية باتجاه تحقيق هدف الأمة الجامع وهو تخليص فلسطين والمسجد الأقصى من براثن الاحتلال الصهيوني.

الأمر الذي يتطلب حتما وضع خطة محكمة، ذات مراحل متكاملة، وبتسلسل وسقف زمني واقعي، يقوم على الانشغال في توظيف التكنلوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، لجهة تعبئة الجماهير باتجاه قضية الأمة التي ما زالت تحظى بإجماع عربي عميق في الوجدان والضمير الجمعي لدول وشعوب الأمة.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت