مع إحداث وباء كوفيد-19 تغيرات سريعة بالعالم، عانت البشرية من نكسة كبيرة في عام 2020. وبمواجهة التغيرات والمخاطر وعدم اليقين، غير المسبوقة، يضطر البشر إلى إعادة النظر في المسار نحو المستقبل.
في هذا العام، تم اتخاذ خيارات بين التضامن أو الانقسام، الانفتاح أو العزلة، التعاون أو المواجهة. وفي أوقات الأزمات، قام البعض بدفن رؤوسهم في الرمال، ولعبوا لعبة إلقاء اللوم، متجاهلين الحقيقة.
رغم ذلك، اختارت الغالبية العظمى من الدول، الصداقة والتعاون في المعركة ضد الوباء، معتقدة أن الأزمة يمكن أن تتضمن الفرص إذا تم اتخاذ الاستجابة الصحيحة.
هذا يوضح تماما أن مفهوم مجتمع المصير المشترك للبشرية قد ترسخ، والشعوب من جميع أنحاء العالم قد توصلت إلى فهم أن هذا المفهوم يوفر خطة عمل أساسية للمساعدة في مواجهة التحديات العالمية.
-- عوامل عدم اليقين
بلغ عدد حالات الإصابة بكوفيد-19 المُبلغ عنها في جميع أنحاء العالم حوالي 77.9 مليون، حتى يوم الأربعاء، مع أكثر من 1.7 مليون حالة وفاة مرتبطة بفيروس كورونا الجديد، وفقا لمركز علوم وهندسة النظم بجامعة جونز هوبكنز. ومع ارتفاع حالات الإصابة والوفيات الناجمة عن كوفيد-19، تواصل عوامل عدم اليقين والمخاطر، تزايدها.
أشار تقرير البنك الدولي حول آفاق الاقتصاد العالمي، والصادر في يونيو، إلى أن كوفيد-19 قد تسبب بأعمق ركود عالمي منذ عقود، وتوقع انكماشا بـ5.2 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتشير التوقعات لحدوث انكماش بـ7 في المائة للاقتصادات المتقدمة، وتقلص دخل الفرد في معظم الاقتصادات الناشئة والنامية.
هناك ثروة ضخمة تبخّرت تحت تأثير الوباء. والتجارة والاستثمار تراجعا، والأسواق المالية عانت من الاضطرابات والتعافي يفتقر للزخم.
لقد سلط هذا الوباء الضوء على الحاجة الماسة لإجراءات سياسية للتخفيف من عواقبه، وحماية الناس المعرضين للخطر وتحسين قدرة الدول على التعامل مع التحديات المستقبلية المماثلة، وفقا لتقرير البنك الدولي.
ولكن، رغم ذلك، هناك بعض الدول اختارت إغماض عيونها عن التحديات، بدلا من التكاتف مع الآخرين لمحاربة العدو المشترك. والبعض الآخر آثر الانسحاب إلى العزلة داخل الوطن، وإذكاء النزعة الأحادية والحمائية والشعبوية والهيمنة.
الولايات المتحدة، تحديدا، انسحبت من منظمة الصحة العالمية، ومعاهدة الأجواء المفتوحة، وتدخلت في عملية اختيار المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، وفرضت عقوبات أحادية الجانب على دول أخرى، ومارست الولاية القضائية طويلة اليد، الأمر الذي أضرّ كثيرا بالنظام الدولي متعدد الأطراف الذي تكون الأمم المتحدة في جوهره.
قال الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش، عبر مقطع فيديو في وقت سابق من هذا الشهر في منتدى جائزة نوبل للسلام "إن وباء كوفيد-19 يوفر أدلة دامغة على أننا بحاجة إلى مزيد من التعددية الفعالة، مع رؤية وطموح وتأثير، أكبر تأثيرا".
وأضاف "نحن بحاجة إلى مزيد من التعاون الدولي ومؤسسات دولية أقوى".
-- التعاون
يعتبر هذا الوباء تذكيرا واقعيا بأن العالم قرية عالمية مترابطة. فعمليات الإغلاق والحجر الصحي وسياسات التباعد الاجتماعي قد أدت إلى إخلاء الشواطئ ومحاور المطارات ومراكز التسوق، والتي كانت مكتظة في وقت ما في السابق. ولكن العلاقات والتعاون بين الدول والاقتصادات والحضارات، تواصلت عبر وسائل افتراضية مثل الدبلوماسية عبر الإنترنت ومؤتمرات الفيديو.
في هذا العام، أصدر غوتيريش مناشدة عاجلة لوقف إطلاق نار عالمي، لتركيز الجهود معا على المعركة الحقيقية ضد كوفيد-19، وأعلن عن خطة استجابة إنسانية بقيمة ملياري دولار أمريكي لمساعدة "الضعفاء جدا".
وعُقدت اجتماعات رفيعة المستوى من قبل الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، على التوالي، للتأكيد على التضامن كسلاح ضد الوباء. وتعهد قادة أعضاء مجموعة العشرين "بالارتقاء إلى مستوى التحدي معا"، وإرسال إشارات إيجابية وسط الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
ومع استمرار الأزمة، عملت العديد من الدول معا بشكل غير مسبوق، للتغلب على الخلافات ومواجهة العدو المشترك. لكن المحاولات المناهضة للعلم، والمحاولات من قبل بعض الدول، لم تُضعف جهود السيطرة على الأمراض والوقاية منها، فحسب، بل أدت أيضا إلى تقويض التعاون الدولي، في حين أن بقية العالم توصلت لتوافق في الآراء بشأن أهمية حماية التعددية لمقاومة تأثيرات الوباء.
في نوفمبر، وقعت 15 دولة من دول آسيا والمحيط الهادئ، ومن ضمنها الدول العشر الأعضاء في رابطة الآسيان، والصين، على الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية، وهي أكبر اتفاقية تجارية في العالم، ما يضخ زخما جديدا كبيرا في الجهود المتضافرة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي الإقليمي والعالمي، وتسهيل التكامل الاقتصادي الإقليمي والتعددية والتجارة الحرة.
وباعتبارها أول اقتصاد رئيسي يسجل نموا اقتصاديا إيجابيا هذا العام، نجحت الصين في احتواء كوفيد-19 بشكل فعال واستعادة الإنتاج الطبيعي. خلال عطلة الأسبوع الذهبي لليوم الوطني في أوائل أكتوبر، تم إجراء أكثر من 600 مليون رحلة محلية. وفي مهرجان التسوق الإلكتروني المعروف بالـ11 المزدوجة (أي اليوم الـ11 من الشهر الـ11)، تمت معالجة 675 مليون طرد مُرسل في أرجاء الصين، في يوم واحد.
ومن استئناف مشاريع الحزام والطريق إلى وصول قطارات الشحن بين الصين وأوروبا، حاملة الإمدادات الطبية وأجهزة الحماية، ومن ممر التجارة البرية - البحرية الدولي الجديد إلى معرض الصين الدولي للاستيراد، ومعرض الصين - الآسيان، جلبت الصين الحيوية، موفرة وبانية منصات جديدة للتعافي العالمي.
قال تشن قانغ، مساعد مدير معهد شرق آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، إن توسع الطلب المحلي في الصين لن يدفع النمو الاقتصادي الصيني فحسب، بل سيخلق أيضا المزيد من الفرص للدول الأخرى، ما يؤدي إلى انتعاش اقتصادي عالمي أسرع.
وأضاف أن "حصة الصين في الاقتصاد العالمي ومساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي ستستمران في الارتفاع هذا العام".
-- المستقبل
الوباء يعيد تشكيل العالم. فقد كشف عن أوجه قصور في نظام الحوكمة العالمي الحالي، مؤكدا الحاجة إلى التحسين والابتكار. وتبقى التحديات الناجمة عن كوفيد-19 إلى تغير المناخ، ومن غياب المساواة إلى العنصرية، ومعها ارتفاع معدلات البطالة إلى تفاقم الفقر، تواصل تذكير المجتمع الدولي بأنه بالفعل مجتمع مصير مشترك.
قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، في اجتماع أبيك 2018، في بابوا غينيا الجديدة "نحن جميعا فعلا رفقاء في نفس القارب".
وفي الشهر الماضي، وخلال مخاطبته قمة بريكس الـ12 عبر رابط فيديو، أدلى شي بتصريحات مماثلة، قائلا إن دول بريكس كلها "ركّاب في نفس القارب".
وقال أيضا "عندما تكون الرياح قوية والمد مرتفعا، يجب أن نكون أكثر تركيزا على الاتجاه. ويجب علينا مواكبة ذلك، والعمل كفريق واحد لكسر الأمواج والإبحار بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقا".
خلال هذا العام، وفي سلسلة من الاجتماعات متعددة الأطراف، تبادل شي الأفكار مع قادة العالم حول الحوكمة العالمية، وقدم مقترحات الصين ومساهماتها في معالجة التحديات العالمية.
وأثناء مخاطبته قمة مجموعة الـ20 بالرياض عبر رابط فيديو، شدد شي على الحاجة إلى تعزيز النظام الدولي المتمحور على الأمم المتحدة، لتحسين هيكل الحوكمة للعولمة الاقتصادية، والعمل معا لتعزيز بيئة مفتوحة وعادلة ونزيهة وغير تمييزية لبناء اقتصاد رقمي، وسلط الضوء أيضا على أهمية بناء القدرات لمواجهة التحديات العالمية.
ورغم التحديات والمخاطر، وكما قال شي في قمة بريكس، "ما زلنا مقتنعين بأن موضوع عصرنا - وهو السلام والتنمية - لم يتغير، وأن الاتجاه نحو تعددية الأقطاب والعولمة الاقتصادية لا يمكن تغييره".
ومع استمرار الوباء في نهاية هذا العام، يجب أن يعرف العالم بشكل أفضل الطريق الذي يجب أن يسلكه. والجهود المبذولة لتعزيز التعاون والدفاع عن التعددية والتجارة الحرة وحماية خطى العالم واستقراره، ستمهد الطريق للتعافي الذي يحتاجه العالم بشدة في حقبة ما بعد الوباء.