- عماد عفانة
لم تشهد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تهديداً وجودياً، كالذي تشهده اليوم نتيجة الأزمة المالية التي صنعتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين بإيعاز واصرار من العدو الصهيوني.
الأمر الذي لم يعد يهدد استمرار تقديم المساعدات الاغاثية والتعليمية والصحية التي تقدمها الأونروا لنحو ستة ملايين لاجئي في مناطق عملياتها الخمس، بل باتت تهدد أكثر من 30 ألف من موظفيها بعدم تسلم رواتبهم على الأقل لشهر ديسمبر الجاري، للمرة الأولى منذ انشاء الأونروا قبل اكثر من 71 عاما.
المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني كان حذر في كلمة له أمام اللجنة الاستشارية للوكالة في اجتماعها نهاية نوفمبر الماضي، حذر من وصول الأونروا إلى حافة الهاوية دون وجود أموال في متناول اليد أو تعهدات مؤكدة لتغطية شهرين من الرواتب، الأمر الذي وضعه لازاريني في سياق المحاولات المتزايدة للتخلص من الأونروا وقضية اللاجئين.
والمفارقة المأساوية أن مبلغ العجز المالي البالغ نحو 88 مليون دولار وفق ما أعلنه عدنان أبو حسنة المستشار الإعلامي للأونروا، بل والميزانية السنوية للأونروا البالغ نحو مليار وربع المليار دولار، هو مبلغ تافه ولا يكاد يذكر بالنسبة لدول عربية ثرية تدفع أضعاف مضاعفة لهذا المبلغ، خدمة للمشاريع الأمريكية دون أن يرف لهم جفن، فاذا اختص الأمر بالمؤسسة الأممية– الأونروا- التي ترعى شؤون ملايين اللاجئين صموا آذانهم، فقط لأن أمريكا واسرائيل تريد ذلك.
العجز المالي في موازنة الأونروا ليس الأول من نوعه الذي تعانيه هذه المؤسسة الأممية، والتي رفضت الأمم المتحدة وضع ميزانيتها كبند أساسي في الموازنة العامة لها، واكتفت بالمساهمة بنسبة لا تتجاوز5% فقط من موازنة الأونروا لتغطية رواتب الموظفين الدوليين بشكل خاص.
فيما رهنت الأمم المتحدة تغطية رواتب باقي الموظفين وبرامج عمل الأونروا في مناطق عملياتها الخمس (سوريا، ولبنان، والأردن، والضفة الغربية وقطاع غزة) للمساهمات الطوعية من أعضاء المجتمع الدولي، الأمر الذي أدى إلى تذبذب أنشطتها المعتادة (التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية) باتجاه التقليص المتكرر.
فعوضاً عن انشغال ملايين اللاجئين بالبحث عن وسائل وسبل تنفيذ حق العودة وتقرير المصير الذي أقرته الأمم المتحدة لهم منذ عشرات السنوات، ها هم ينشغلون اليوم بالحصول على فتات المساعدات الغذائية، فيما عدوهم الصهيوني يتمتع بمنتوج مزارعهم التي نهبها، وينام قرير العين على أسرتهم التي سرقها، ويتمتع بظلال أملاكهم وأشجارهم التي صادرها.
فلتواصل ادارة بادين الجديدة سياسة إدارة ترامب العام 2018 بوقف تمويل الأونروا، فانهم لن يرونا نرفع راية الاستسلام التي يتوقعونها، وهيهات لهم ذلك، فنحن كما قال الختيار ابو عمار شعب الجبارين، نموت ولا نستسلم، فإما النصر أو النصر.
ان الاتهامات الصهيونية والأمريكية المتصاعدة للأونروا بالفشل، باتجاه انهاء عملها، هو في الحقيقة اعلان لفشل كافة المسكنات الدولية التي حقنت بها ملاين اللاجئين الفلسطينيين عبر الأونروا ومساعداتها الاغاثية.
ان وقف عمل الأونروا هو في الحقيقة يسرع عملية اعادة الوعي لجموع اللاجئين، بأن قضيتهم وطن وعودة، وليس كيس طحين أو زجاجة زيت.
ففي اليوم الذي ستعلن فيه الأونروا عن التوقف عن القيام بمهامها بتشغيل واغاثة اللاجئين، سيعلن فيه ملايين اللاجئين في المقابل بأولى الخطوات العملية لتحقيق حق العودة بصدورهم العارية، متسلحين بالإيمان بحقهم في العودة الى وطن سلب منهم بالقوة والخديعة.
أيها اللاجئون:
لا تنشغلوا بحجم عجز الأونروا أو قيمته، فهذه مسؤولية العالم وليست مسؤوليتكم.
ولا تلقوا بالا لنجاح أو فشل الأونروا في تأمين ميزانيتها السنوية، فهذه ليبست مهمتكم.
ولا تحزنوا ان لم تفلح الأونروا بتأمين فتات المساعدات الاغاثية التي اعتدتم عليها، فانتم لستم متسولين على موائد الأمم.
أيها اللاجئون:
أنتم أقوى بحقكم من صواريخهم وطائراتهم وأساطيلهم.
فيا من بلغ عددكم اكثر من 15 مليون فلسطيني حول العالم، تحرككم خارج حسابتهم يربك مخططاتهم.
وتململكم باتجاه تحقيق حق العودة بأيديكم يرعبهم.
وزمجرتكم الهادرة باتجاه التمسك والمطالبة بحق العودة والتعويض يقلق آذانهم الصماء، ويفضح قراراتهم وقوانينهم الجوفاء.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت