- بقلم // د. سمير مطلق الشريف مدير عام ديوان الرئاسة
لم يكن يخطر ببالي و لا ببال أي من موظفي الرئاسة، و بعد اكثر من 20 سنة خدمة في الرئاسة، وسنوات النضال الطويلة و الإعتقال و الإقامة الجبرية والإصابة وغيرها من الاجراءات القمعية لسلطات الاحتلال بحق العشرات بل المئات من كوادر الرئاسة، بأن نقذف على قارعة الطريق بهذه الصورة المهينة، و التي لا تليق إلا بأصحاب السوابق السيئة، و ليس بالمواطنين المخلصين لشعبهم و قضيتهم، الذين آمنوا بها منذ الصغر، و ناضلوا و قاتلوا لأجلها و حرموا من كل شيء جميل لتحقيق هذه الغاية و الوصول إلى الهدف المنشود ألا وهو وطن حر وعيش كريم.
لم نكن نحن موظفي ديوان الرئاسة قد جئنا من المجهول، بل لكل واحد منا قصة و تاريخ و نضال عريق، لو أردنا ان نسردها لاحتجنا إلى مجلدات لكتابتها، و لكن نختصرها يا سيادة الرئيس بأننا أبناء هذا الشعب المناضل المتمسك بأرضه والحريص على كرامته و تاريخه المجيد عبر عشرات السنين، تواجدنا في هذا المكان لأننا نستحقه بجدارة،
وقد أثبتت ايام العمل الطويل و الشاق و التجارب بأننا على قدر عال من المسؤولية، و تحملنا ما لا يتحمله احد لم نكن نعرف الإجازات و لا الاعياد أو العطل الرسمية، فهذه كانت بالنسبة لنا مسميات لا نتعاطى معها بل نتعاطى مع الواقع الذي يفرض علينا بان نكون جنودا على اتم الاستعداد في كل اللحظات، كنا نوصل الليل بالنهار لتأمين كل ما تحتاجه يا سياد الرئيس، من زيارات و مقابلات و معلومات و بروتكولات من ادق التفاصيل التي تتعلق بالزائرين والزيارات و الوفود و الوزراء والاجتماعات وغير ذلك الكثير، و هذا كله يحتاج الى كوادر و خطط و إمكانيات.
و كانت جميعها تتوفر بعزم هؤلاء الموظفين الذين استغنيتم عنهم بجرة قلم و لم يشفع لهم و لم يرحمهم تاريخهم ولا عملهم لعشرات السنين في كل المناصب في الرئاسة، أو لم تعلم يا سيادة الرئيس كم من السنين تعلمنا و تغربنا و دفعنا الثمن الباهض لبعدنا عن الوطن وعن الاهل حتى نصل الى هذه الديناميكية من العمل و المسؤولية و القدرات،؟! أو لم تعلم كم من الوقت اخذت منا ترتيبات كل صغيرة و كبيرة في الرئاسة ليخرج الجميع و في المناسبات و اللقاءات و التحركات على قدر عال من الانضباط و النظام و المسؤولية،؟!
لم نكن نسعى لشيء إلا لشيء و احد فقط بأن تكون ضمائرنا مرتاحة و بأننا انجزنا مهامنا من الألف الى الياء بروح عالية من المسؤولية ، لماذا هذا الاستغناء المهين بعد كل هذه التضحيات؟!
ألم يكن من الأجدر بكم أن تحافظوا على كرامة هؤلاء الموظفين بإعطائهم درجاتهم المستحقة منذ العام 2007 و تنحيتهم عن عملهم بطريقة مشرفة ضمن ضوابط و محددات معينة تنطبق على جميع الموظفين و في جميع المستويات الإدارية، او على أقل تقدير مساواتهم بالعسكر الذين جلسوا في بيوتهم بنسبة تقاعد 70% ، حيث أن نسبة تقاعد الموظفين في الرئاسة تتراوح ما بين 35% الى 50% في احسن حالاتها و هناك الكثيرون لم تنطبق عليهم شروط التقاعد اصلا لأنهم لم تكتمل لديهم عدد السنين للخروج للتقاعد المبكر، و الكثير منهم لم ينجزوا شيئا لأنهم شباب صغار السن لم يتجاوز الكثيرون منهم ال35 عاما من عمرهم في ذلك الوقت الذي قذفوا فيه في الشارع، أليس هذا عيب بحقنا ؟!
ماذا نقول لأبنائنا و نحن الذين حرمنا من مداعبتهم واللعب معهم لسنوات تحت حجة( انا يا بابا في الشغل وهذه هي طبيعة عملي في الرئاسة، ليس عندي وقت )و هكذا عشنا لسنوات طوال و نحن نطمئن ابنائنا بأننا نعمل كل هذا لمصلحتهم كي نضمن لكم مستقبلا أفضل بإذن الله تعالى، و عندما كبر أولادنا أصبحنا نلتحف الفراش حتى المساء و اصبحنا متقاعدين رغماً عن انوفنا و لم نتمكن من توفير سبل العيش الكريم لهم، و اصبحنا نخدعهم كما خدعنا نحن من قبل ( انتم موظفون في الرئاسة ولكم الافضلية عن ما سواكم) فالكثير من اولادنا تخرجوا من الجامعات و لم يحصلوا على عمل، و الكثير منهم لم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعات لأننا و ببساطة لم نتمكن من توفير الاقساط الجامعية حتى للمتميزين منهم، فماذا نقول لهم يا سيادة الرئيس؟!
أنقول لهم بأن الرئاسة خدعتنا و أخذت منا زهرة شبابنا و ألقت بنا على قارعة الطريق؟!، أم نقول لهم بأن الرئاسة لا تريد غزة ولا من فيها؟!، أم نقول لهم بأن هذه إجراءات لإجبار حماس على الخنوع و العودة الى حضن الشرعية؟! ام نقول لهم هذه مناورة لجس نبض الشارع لمعرفة من هو الذي ينتمى للشرعية؟! وام نقول لهم ؟ ارحمونا ماذا نقول لهم لكي لا تهتز صورنا عند أبنائنا ؟!!.
و على الرغم من كل الحجج و التفسيرات فلن ولم يشف غليل أبنائنا أي من هذا الكلام، لانهم حرموا من المداعبة و هم صغار و حرموا من التعليم او الوظيفة او الزواج او العمل و هم كبار، لا نستجديك يا سيادة الرئيس بل نذكرك بالماضي غير البعيد.
فمن هان عليه ترك أبنائه و إلقائهم على قارعة الطريق يهون عليه كل شيء و لن يثنيه أحد، لقد هنا على بعضنا فهنا على الاخرين، فلماذا إذن ننتقد الاخرين عندما يتخذون إجراءات عقابية ضدنا؟! و نحن نعاقب أبنائنا و أبناء جلدتنا منذ سنين فرحمة الله على من سبقونا و لكنهم رحلوا ولم تلاحقهم مأساة التقاعد الإجباري المبكر، و الذين خدموا الرئاسة بكل تفاني و إخلاص الشيخ ماجد حميد و صبح المصري و هشام السيد و علي الاغا و عبد المجيد حسين، و القائمة تطول حتى أبنائهم لم نستطيع ان نقدم لهم شيئا يذكر من وظائف و تعينات، رغم ان الكثيرين تم تعينهم خلال السنوات العجاف لأنهم أبناء فلان و بنات علان يا سيادة الرئيس، فالأطفال منهم يتقاسمون الرغيف بالراتب التقاعدي و الكبار لم يوظفهم أحد و هم يسترجعون ما كان يقوله لهم أبوهم (انا بأشتغل ليل نهار عشان أضمن مستقبلكم) فها هو مستقبلهم في مهب الريح يا سيادة الرئيس ماذا نقول لأطفالنا عندما يكبرون لكم الله يا أحباب الله!! فالرزق من رب العباد وليس من العباد.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت