- بقلم وليد العوض*
المرحلة الثانية ـ مرحلة تجديد البناء
وتعتبر هذه المرحلة هي الأهم من حيث ضرورة توفر عنصرين أساسيين للربط بين تجديد بناء منظمة التحرير ومؤسساتها انطلاقا من دورها كقائدة لمرحلة التحرر الوطني التي لم تستكمل بعد، مما يستوجب الحفاظ عليها كجبهة وطنية موحدة تضم مختلف القوى والفصائل الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى الحرص على الطابع الديمقراطي لعملية تجديد البناء عبر الانتخابات الديمقراطية التي تضمن أوسع مشاركة شعبية تأخذ بعين الاعتبار ظروف الشعب الفلسطيني وواقع تشتته في مختلف أصقاع المعمورة،
هذه العملية يجب أن تبدأ بالضرورة من المجلس الوطني الفلسطيني باعتباره المؤسسة الأم التي انطلقت منها منظمة التحرير، وهو المرجعية التشريعية العليا لشعبنا الفلسطيني وله وحده صلاحية البت في القضايا المصيرية لشعبنا. إن هذه العملية المعقدة لكنها الممكنة يجب أن تجري في سياق الالتزام بالنظام الأساسي الذي حرص واضعوه على نصوص واضحة تحقق الاستقرار والديمومة في كل الظروف، حيث نصت المادة الخامسة من الباب الثاني من النظام الأساسي على "انتخاب أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني، بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية". كما نصت المادة السادسة (أ) على أنه "إذا تعذر إجراء انتخابات المجلس الوطني يستمر المجلس الحالي قائماً إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات" وهذا يعني دون أي لبس بأن الانتخابات هي الأساس في تشكيل المجلس، لكن مثل ذلك لم يجري في منذ تأسيس المنظمة نتيجة لظروف الشتات من جهة، والاحتلال الصهيوني من جهة أخرى ولذلك فقد جرى الذهاب لمبدأ التوافق بين فصائل المنظمة حسبما بات يعرف بنظام الكوته الفصائلية التي تحافظ على المنظمة ومجلسها الوطني كجبهة وطنية متحدة لكن هذا النظام جعل من المنظمة ومؤسساتها بكل أسف اسيرة لهذا الحال الذي اضعف من التفاف الشعب حولها ، بعد أن امتطت الفصائل نظام الكوتا واحتلت الحيز المخصص للفئات الأخرى تحت مسميات عدة. ولإيضاح نظام تشكيل المجلس الوطني فإن المجلس يتكون من أربع فئات.
أولا - كوته الفصائل: وفقا لنظام الكوته يخصص للفصائل عدد محدد من أعضاء المجلس توزع بينها بالتوافق، ولكل فصيل الحق في تسمية ممثليه وله حق التبديل في أعضائه مع كل دورة وفقا لألياته الداخلية.
ثانيا ـ كوته المنظمات والاتحادات الشعبية: وقد خصص للمنظمات والاتحادات الشعبية عدد معين وزع بينها حسب حجم كل اتحاد، وترك لكل اتحاد تسمية ممثليهم من بين أماناتهم العامة المنتخبة، ويلاحظ هنا ان الفصائل قد قامت بالسطو على هذه الكوته بشكل تدريجي بحيث اصبحت هذه الاتحادات أيضا امتدادا لنظام الكوته الفصائلي الأمر الذي يعني انتداب ممثلي الفصائل للمجلس الوطني لكن بثوب الاتحادات الشعبية لذلك نرى ما تعيشه من حالة ترهل وانكماش.
ثالثا ـ كوته للعسكريين من قيادات وضباط جيش التحرير الوطني الفلسطيني والقوات المسلحة للثورة الفلسطينية، ويترك أمر تسميتهم للرئيس بصفته القائد العام للثورة.
رابعا ـ عدد من الشخصيات الوطنية العامة المستقلة والكفاءات وممثلي الجاليات الذين يتم تسميتهم من قبل السفارات وهذا يتم أيضا عبر طغيان الحسابات الفصائلية، وهذه الفئة يجري تثبيتها وإقرارها بالتوافق بين أعضاء القيادة الفلسطينية من اللجنة التنفيذية والأمناء العامين للفصائل في صيغة اصطلح على تسميتها اللجنة التحضيرية.
أن هذه الصيغة لتشكيل المجالس الوطنية هي ما كانت سائدة على مدى السنوات الماضية منذ قيام منظمة التحرير في الخارج وحتى قيام السلطة الوطنية حيث لم يكن الداخل ممثلاً في المجلس الوطني نظرا لظروف العمل في ظل المنع والقمع تحت الاحتلال الإسرائيلي.
والآن وأمام المتغيرات والمستجدات التي حدثت في الساحة الفلسطينية، وإجراء الانتخابات في مناطق السلطة لمرتين متتاليتين وترسيخ مبدأ الديمقراطية في اختيار ممثلي الشعب الفلسطيني رغم الانتكاسة التي حصلت بسبب الانقسام عام ٢٠٠٧، بات من الضروري القول إن الطريقة التي كان يتم بها تشكيل المجلس الوطني لم تعد هي الطريقة المناسبة التي تتماشى مع التطورات المحلية والإقليمية والدولية. وبالتالي لا بد من البحث الجدي في الغاء نظام الكوته والعودة لمبدأ الانتخاب المباشر خاصة وان الانتخابات داخل الأراضي الفلسطيني أصبحت ممكنة، وتجربة المجلس التشريعي والرئاسية وانتخابات المجالس المحلية أثبتت ذلك. أما على صعيد الخارج فإن مبدأ الانتخاب يجب أن يكون هو الأساس أيضاً خاصة في التجمعات الكبيرة مثل لبنان وسوريا والأردن التي لها وضع خاص، مع ضرورة مراعاة كل حالة حسب خصوصيتها التي ستختلف دون شك من مكان الى آخر، بحيث يمكن أن يستعاض عن عدم التمكن من اجراء الانتخابات بوضع آليات للتوافق شريطة ان لا يكون ذلك رهناً برغبة وإدارة الفصائل وحدها.
ان تحقيق ذلك يتطلب كما اشرت حوارا وطنيا جادا ومسؤولا يقود إلى انتخاب واختيار أعضاء المجلس الوطني في مختلف الساحات حيث تتوفر مشاركة جميع أبناء الشعب الفلسطيني في انتخاب ممثليهم وتقرير مصيرهم ومشاركتهم في الحياة السياسية، كما وتتوفر أوسع عملية تمثيل لمختلف التيارات والقوى السياسية الفلسطينية، كل حسب حجمه وتأثيره وبأسلوب ديمقراطي يعزز دور المنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ويحافظ عليها أيضا كجبهة وطنية موحدة.
▪ إن تعزيز دور المنظمة وهيئاتها التشريعية والقيادية، وتكريسها كمرجعية للسلطة الوطنية ومؤسساتها قولا وعملا و تركيز جهدها واهتمامها بالقضية الوطنية برمتها، يتطلب بحث شكل النظام السياسي الفلسطيني خاصة بعد أن نالت فلسطين صفتها كدولة مراقب في الأمم المتحدة ونالت اعتراف أكثر من ١٤٠ دولة، الامر الذي يطرح تساؤلات هل الانتخابات تتم لبرلمان الدولة أم انتخابات للمجلس التشريعي وفق اتفاق أوسلو؟ وكيف يمكن القفز عن قيود تلك الاتفاقية التي لم يبقى منها إلا ما يحول دون إنجاز الاستقلال؟
الامر الاخر ماهية العلاقة التي تربط المجلس المنتخب بالمجلس الوطني، وما هي المهام التي تناط بكل منهما بحيث يتولى المجلس التشريعي متابعة السلطة الوطنية وشئونها، بينما يتولى المجلس الوطني الإشراف على منظمة التحرير، وأعتقد أن ما توصلت له اللجنة الخاصة بانتخابات المجلس الوطني عام ٢٠١٢ المنبثقة عن اتفاق القاهرة لعام ٢٠١١ ونصت أن يكون المجلس التشريعي جزء من الوطني على أن يتولى مهمة متابعة السلطة ويتولى المجلس الوطني متابعة شؤون منظمة التحرير والعلاقات البرلمانية العربية والدولية والقضايا المصيرية لشعبنا الفلسطيني، وان يكون الأعضاء في المجلس التشريعي هم أعضاء في المجلس الوطني لضمان التكامل، بحيث يتم انتخاب أعضاء المجلس التشريعي في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة لمتابعة مهامهم المتعلقة بشؤون السلطةً وفقا لنظام الانتخابات وتحت إشراف لجنة الانتخابات المركزية، بينما تجرى الانتخابات لعضوية المجلس الوطني حسب نظام انتخابي خاص تضعه اللجنة التنفيذية وفقاً للنظام الأساسي للمنظمة، وفي هذه الحالة يمكن أن تجري الانتخابات التشريعية أولا ثم تليها بعد ذلك وبمواعيد محددة ومتفق عليها انتخابات الرئاسة ومن ثم المجلس الوطني. وأعتقد ان مسألة إجراء انتخابات الوطني في مرحلة لاحقة لانتخابات التشريعي أمر مناسب تفرضه الظروف التي نعيشها وتتطلب بعضاً من الوقت لوضع اللوائح والأنظمة الخاصة بتنظيم هذه العملية الكبيرة متعددة الجوانب والتداخلات على أكثر من مستوى وصعيد.
إن النجاح في ذلك فيما يتعلق بالمجلس الوطني ولجانه وآليات عمله كافة وانتخاب المجلس المركزي واللجنة التنفيذية وفقاً لعملية ديمقراطية حقيقة ترتفع عنها يد الفصائل الثقيلة تقود حتما لعملية تجديد واسعة تعيد المنظمة الى مكانها الطبيعي قائدة لشعبنا الفلسطينية ورافعة النضال التحرري العربي والأحرار في العالم كما كانت.
وبعد: - إن إنجاز هذه العملية الصعبة والمعقدة كما اشرت لتفعيل دور المنظمة وتجديد بنائها بما يقود لتعزيز مكانتها واستعادة دورها كقائدة لحركة التحرر الوطني أمر ليس بالسهل. ولكنه ممكن إذا ما عزم أهل البيت على ذلك، وبغيره فإن مسار التآكل سيبقى مستمراً وصولاً الى هاوية عميقة لا يعرف مداها لكنه المجهول حتما الذي يصعب الخروج منه وحينها سيندم الجميع حيث لا ينفع الندم
▪ إنني اذ أقدم من خلال هذا المقال والذي سبقه مجموعة من الأفكار والمقترحات لإنجاز هذه العملية المركبة، فإني أضعه بين يدي كل المهتمين من السياسيين والمثقفين والكتاب للإسهام في تطويره واغنائه لوضعه بين أيدي الرئيس والأخوة أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولرئيس المجلس الوطني ومكتب رئاسة المجلس، و قادة القوى والاحزاب الوطنية والاسلامية على أمل الإسهام في دفع عجلة تفعيل المنظمة خطوة إلى الأمام ، حتى ولو جاء هذا متأخرا، لكن فلنعمل حسب قول 'أن تأتي متأخرا أفضل من أن لا تأتي'
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت