دعا فهد سليمان، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين إلى قراءة لخطوات التطبيع بين أربع دول عربية وإسرائيل، قراءة واقعية بكل تداعياتها الإقليمية والفلسطينية، والدولية، بما يمكن الخروج من هذه القراءة بخلاصات بعيداً عن الأوهام، الأمر الذي يدعونا للاعتراف أن «مبادرة السلام العربية» (بيروت 2002) لم تعد قائمة، فقد تجاوزها النظام الرسمي العربي، حين تخلى عن مشروعه القائم على مبدأ علاقات طبيعية مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة، وقيام دولة فلسطينية وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، وذهب بدلاً من ذلك نحو التطبيع الثنائي، دولة وراء أخرى، دون انسحاب إسرائيلي من أي شبر من الأرض الفلسطينية والعربية.
وقال فهد سليمان، في محاضرة سياسية في قاعة المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق، بدعوة من جمعية الصداقة الفلسطينية – الإيرانية: إن دينامية التطبيع العربي – الإسرائيلي سوف تتواصل، وهناك أكثر من خمس دول عربية مرشحة للانخراط فيها، وهذا يندرج في إطار تطبيق المسار الإقليمي من «صفقة القرن»، والتي تعطل مسارها الفلسطيني بسبب رفض شعبنا وقواه السياسية، وعدم تجرؤ أي طرف فلسطيني، على القبول بالشروط المذلة لهذه الصفقة، والدخول في عملية تفاوضية، هدفها المعلن تصفية القضية الفلسطينية، وإعدام البرنامج الوطني.
وأضاف فهد سليمان: إن انخراط بعض الدول العربية في المسار الإقليمي لـ«صفقة القرن»، والذهاب نحو التطبيع يشكل استجابة لرؤية نتنياهو، التي أعلن عنها منذ العام 2008 عندما قال: «لا نحتاج إلى التقدم في المسار التفاوضي مع الفلسطينيين لكي ننفتح على العالم العربي، بل علينا أن نخترق السور العربي وننفتح على العرب قبل التوصل لاتفاق مع الفلسطينيين، وهذا من شأنه أن يشكل مساحة ضغط على المسار الفلسطيني كي يستجيب لمتطلبات عملية السلام، كما نرسم نحن الإسرائيليين محدداتها».
التصعيد تحت سقف التطبيع
وأوضح فهد سليمان، وخلافاً لادعاءات عواصم التطبيع مع إسرائيل، أن الاتفاقات التي جرى توقيعها في هذا السياق، لم يرد فيها بند واحد، ولا فقرة واحدة تتناول الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني أو تتبناها، أو تضمن تخفيف الإجراءات القمعية والدموية لسلطات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، أو تشير إلى ضمانات أميركية أو إسرائيلية (لا كوثيقة ولا شفهياً) أو حتى تعهدات بإلغاء مشروع الضم. ما حصل في الواقع هو أن الأراضي المحتلة، وبعد التوقيع على اتفاقات التطبيع، شهدت تصاعداً في إجراءات الضم بأساليب مختلفة، وشهدت حملات مسعورة لتوسيع الاستعمار الاستيطاني، وحملات مسعورة من قبل العصابات المسلحة لقطعان المستوطنين ضد المواطنين الفلسطينيين في القرى والبلدات، وتغولاً في الاعتداء على الثروات الزراعية الفلسطينية، وتصعيداً في اجتياح المدن واعتقال العشرات يومياً، والزجّ بهم في المعتقلات.
ما المطلوب فلسطينياً ؟ّ!
رداً على هذا السؤال قال نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية: نحن ضد التطبيع، لأنه يلحق الأذى والضرر بالنضال الوطني الفلسطيني، ويلغي القاسم المشترك الذي أقره النظام الرسمي العربي بشأن القضية الوطنية.
لكننا بالمقابل (أضاف فهد سليمان)، نرى أن معركتنا الرئيسية كانت وستبقى ضد الاحتلال الإسرائيلي وتحالفه مع الولايات المتحدة. ونعتبر أن مهمة مناهضة التطبيع وتعطيل آلياته، وقطع الطريق عليه، ومقاطعة تمظهراته اليومية، في هذا البلد العربي أو ذاك، هي مهمة الشعوب العربية ومعركتها الوطنية والقومية، ومعركة أحزابها السياسية التي تنتسب في الإطار العام إلى جبهة مقاومة التحالف الأميركي – الإسرائيلي ومشاريعه في المنطقة.
وأكد فهد سليمان، أن معركة مجابهة التطبيع ومقاومته، تندرج في إطار النضال الجماعي الذي يتحمل مسؤولياته كل من ينتسب إلى جبهة المقاومة العربية بامتداداتها الإقليمية، وبمراكزها التي لا تقتصر فقط على الأوضاع العربية. ونحن، الفلسطينيين، جزء من جبهة المواجهة، لذلك يصبح المطلوب منا، في خضمّ هذه المواجهة، هو تصعيد النضال ضد الاحتلال والاستعمار الاستيطاني، وضد السياسات الأميركية في سياق انخراطنا في استراتيجية مقاومة عامة وشاملة على امتداد هذا الإقليم.
ثلاثة أمور لاستنهاض مقاومة التطبيع
ورأى فهد سليمان أن مقاومة التطبيع تتطلب الرهان على ثلاثة أمور متلازمة ومتفاعلة فيما بينها وهي:
• أولاً: الوضع الفلسطيني بخصوصيته كوضع مقاومة في جوهره، والمقصود بالمقاومة هنا، هي مقاومة الشعب الفلسطيني بأسره. فشعبنا ينتمي كله إلى جبهة المقاومة، فمعطيات التاريخ والجغرافيا والسياسة قادت شعبنا بأسره إلى خندق المقاومة ومواجهة العدوان والاحتلال، قيض لشعبنا أن يتموضع في الخندق المتقدم على خط التماس الأول مع المخطط الصهيوني، لذلك، سيظل الشعب الفلسطيني، والإنسان الفلسطيني، مقاوماً طالما أنه يرابط على أرض فلسطين، ويرتبط بالقضية والحقوق الفلسطينية، ويواجه مشاريع الاستيطان والتهويد، وكل مظاهر الاحتلال والقمع بمختلف أشكاله.
• ثانياً: جبهة محور المقاومة عربياً وإقليمياً بكل مكوناتها، وكلّ في إطاره الوطني، وضمن خصوصيته السياسية والقانونية والجغرافيا وغيرها.
• ثالثاً: الجماهير والقوى والأحزاب العربية في البلدان التي أقدمت على التطبيع، تحدونا الثقة بأنها ستشكل الضلع الثالث لتأسيس عمل مقاوم جاد في الفترة القادمة.
الانقسام الفلسطيني ... فحواه ... تداعياته ... آثاره
وفي تناوله للأوضاع الفلسطينية، رأى فهد سليمان أن الانقسام الفلسطيني وإنهاءه، واستعادة الوحدة الداخلية، هو واحد من القضايا الرئيسية على جدول أعمال الحالة الوطنية. وأوضح فهد سليمان أن الانقسام الفلسطيني هو انقسام سياسي، وليس طائفياً أو اثنياً أو جهوياً. انقسام سياسي متواشج مع تجاذبات لمحاور إقليمية، وحاصل تجاذب أوسع من جغرافية فلسطين. لذلك عندما نتحدث عن استعادة الوحدة الداخلية أن لا نتحدث عن استعادة الوحدة الوطنية، فالوحدة الوطنية تجسدها وحدة شعبنا، ووحدة برنامجه السياسي، واعتراف قواه كافة بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاُ شرعياً ووحيداً. وأضاف أن التجاذب في ظل الانقسام اكتسب مضمون الصراع على السلطة ومكاسب السلطة، رغم أنها مجرد سلطة حكم إداري ذاتي، يدير حقولاً واسعة تنتسب إلى المجال المعيشي للبشر، كالصحة والتعليم والبنية التحتية، والشؤون الاجتماعية، والمالية، وما يصاحب ذلك من امتيازات ومكاسب لمن يمسك بمقاليد السلطة. من يمسك بالسلطة يمسك بروافع النفوذ على قطاعات واسعة من المجتمع الفلسطيني، ومن هذه البوابة يقيم علاقات مع الخارج بكل ما يترتب على ذلك من مزيد من الامتيازات والمكاسب، تقدمها له علاقاته الإقليمية.
ونفى فهد سليمان أن يكون للخلافات البرنامجية آثارها الفاقعة كما كانت عليه. فما مضى، خاصة بعد أن تم التوافق سياسياً على الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني للعام. ونعتقد أن هذا يمكننا أن نواصل الجهد لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الداخلية، بعدما تجاوزنا مسافات واسعة في الخلافات البرنامجية والسياسية. وهذا ما جرت محاولته في الحوار الذي أدارته القوى الفلسطينية، وصولاً إلى القرار القيادي في 19/5/2020، للتحلل من الاتفاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، ثم المؤتمر الصحفي المشترك بين فتح وحماس في 2/7/2020، وما أرسله من إشارات تؤكد حرص الطرفين على السير إلى إنهاء الانقسام، ثم اجتماع الأمناء العامين في 3/9/2020 وما صدر عنه من قرارات، أهمها تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية الشاملة، وإنجاز وثيقة استراتيجية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية، والمجابهة الوطنية الشاملة للاحتلال، ودورة جديدة للمجلس المركزي يحضره الأمناء العامون، أي الفصائل كلها، من هي في م. ت. ف. ومن في خارجها.
الانتخابات: أداة للحل أم معضلة جديدة؟!
ولاحظ فهد سليمان أن طرفي الانقسام، فتح وحماس، وبدلاً من العمل على تنفيذ ما جاء في مخرجات اجتماع الأمناء العامين، بما في ذلك إنهاء الانقسام، وتكريس الشراكة الوطنية، ذهبا إلى المدخل الأكثر صعوبة، هو الدعوة للانتخابات الشاملة الرئاسية والتشريعية (السلطة) والمجلس الوطني (م. ت. ف.) بالتتالي والترابط، حسب اتفاق اسطنبول بينهما في 23 – 24/9/2020. غير أن حماس تراجعت عن الاتفاق، وطالبت بالتزامن، ما جعل الانتخابات معضلة بدلاً من أن تكون أداة للحل، فالانتخابات بين فتح وحماس هي عنوان آخر من عناوين الصراع، وليست مدخلاً للشراكة الوطنية. الأمر الذي عطل السير في التوافق الوطني الوارد في مخرجات الأمناء العامين، ثم جاء قرار السلطة في العودة إلى أوسلو بشقيه الأمني والتفاوضي ليشكل انقلاباً على كل المسار السياسي الذي افتتحه القرار القيادي في 19/5/2020.
وقال فهد سليمان:
إذن نستطيع أن نقول كخلاصة يوجد عامل سياسي عطل مسيرة استعادة الوحدة يتمثل بالعودة عن ما أعلن عنه في 17/5، التحلل، في إطار قضية تنظيمية لها علاقة بصراع له طابع سلطوي، عنوانه انتخابات متتالية أم متزامنة ... وبالتالي عدنا إلى نقطة الصفر.
وأضاف: علينا كفلسطينيين، قدر المستطاع، تجنّب الدخول على ملف تجاوز الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية من المداخل التي تفتح على حقل ألغام، حيث السير فيها غير مضمون النتائج، والنقطة الرئيسية هي موضوع الانتخابات لأنه يطرح موضوع السلطة على بساط البحث من يمسك بالسلطة؟ ومن الذي لديه أو من يجوز الأغلبية ليمسك بالسلطة والمنافسة هي بين الطرفين الأكثر تأثيراً ضمن ما هو قائم حتى الآن.
كما أضاف فهد سليمان: علينا المحاذرة في السعي لاستعادة الوحدة الداخلية من هذه البوابة، فمنذ العام 2009 تمّ الإعلان للمرة السادسة رسمياً عن الانتخابات، وفي كل مرة يتبين عدم وجود إمكانية لإجراء الانتخابات، وبالتالي فإن هذا المدخل المطروح لاستعادة الوحدة لا يقربنا منها بل يبعدنا عنها. ورئيس السلطة الفلسطينية الأخ محمود عباس أعلن في خطابه في الأمم المتحدة في 26/11/2019 عن عزمه لإجراء الانتخابات، وقال من سيعطل هذه الانتخابات سيحاسب أمام الله والشعب والتاريخ.
وقال فهد سليمان: إذن، عندما نجرب الطريق لمرات عدة ولا يفضي إلى نتيجة، علينا تجربة الطريق الآخر وهو التوافق الوطني، وذلك من خلال توسيع الطابع التمثيلي لكافة الهيئات الفلسطينية، وبإطار المجلس الوطني واللجنة التنفيذية وحكومة السلطة وفق آليات قانونية. ولكن الموضوع يحتاج إلى قرار سياسي غير قائم حتى اللحظة.
وعن الدعوة إلى المفاوضات قال فهد سليمان:
لا توجد مفاوضات مثمرة إذا لم تستند إلى إخلال واضح بميزان القوى. السلطة أعلنت استعدادها للعودة للمفاوضات بإطار «الرباعية الدولية»، ولكن الطرف الآخر لم يعلن موافقته حتى الآن. ونحن كحركة وطنية فلسطينية، فإن القضية الرئيسية المطروحة بالنسبة لنا هي كيف نستطيع أن نطور المقاومة بكافة أشكالها، لأن ذلك هو الطريق الوحيد الذي يقودنا لإنجاز الحقوق الوطنية.
وختم مؤكداً أن المقاومة هي قضية فعلية حقيقية لا نملك إلا أن نخوض غمارها