لاشك أن العام 2020 كان عاما صعبا على العالم بشكل عام، ولكن في سوريا، هذا البلد الذي يعاني من حرب طويلة الأمد، كانت الصعوبات أكثر وضوحا على المستويين الطبي والاقتصادي.
صحيح أن الوضع الأمني في البلاد أصبح في السنتين الماضيتين أفضل بكثير مما كان عليه قبل سنوات قليلة، لكن الوضع الاقتصادي تراجع بشكل كبير، خاصة في العام 2020 بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا والوضع المتدهور في لبنان المجاور، وانتشار مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد -19).
وفي أكتوبر العام 2019، بدأت الاحتجاجات في لبنان تندلع بسبب تباطؤ الوضع الاقتصادي في البلاد واستمرت الاحتجاجات في العام 2020 قبل بداية أزمة (كوفيد-19)، وخلال الفترة نفسها، فرضت المصارف اللبنانية قيوداً صارمة على عمليات السحب والتحويلات إلى الخارج.
وبسبب الأزمة في سوريا، كان لدى معظم التجار السوريين حسابات مصرفية في لبنان، والتي كانت رئة سوريا خلال الأزمة، لكن عندما فرضت البنوك اللبنانية تجميد الحسابات، تأثر الوضع الاقتصادي في سوريا بشكل كبير.
في نوفمبر من العام الحالي، قال الرئيس السوري بشار الأسد إن حجب مليارات الدولارات من الودائع لدى رجال الأعمال السوريين في لبنان كان السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا.
وقدر الرئيس الأسد أن لدى السوريين ما بين 20 و 42 مليار دولار في البنوك اللبنانية، قائلا "هذا الرقم لاقتصاد مثل سوريا مرعب".
وفي مارس الماضي، تم الإبلاغ عن أول حالة إصابة بمرض (كوفيد-19) في سوريا، تلاها إغلاق جزئي أثر على الشركات الراكدة بالفعل في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت الولايات المتحدة مجموعة من العقوبات في العام 2020 بموجب ما يسمى بقانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا.
ووقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ديسمبر 2019 على القانون، ودخل حيز التنفيذ في 17 يونيو 2020.
وتم استهداف عدد من الصناعات التي تديرها سوريا، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة، ويستهدف القانون أيضًا الأفراد والشركات الذين يقدمون التمويل أو المساعدة للحكومة السورية.
كما فرضت الولايات المتحدة أخيرا جولة جديدة من العقوبات على سوريا، استهدفت البنك المركزي السوري وأدرجت العديد من الأشخاص والكيانات في القائمة السوداء لخنق الحكومة السورية.
مع حدوث هذه الأزمات، استمرت الليرة السورية في التدهور وارتفعت أسعار جميع المواد بشكل كبير، علاوة على ذلك ، حدث نقص حاد في الوقود بالإضافة إلى أزمة تأمين القمح للخبز بسبب ارتفاع أسعار القمح المستورد.
ولجأت الحكومة السورية إلى رفع أسعار الوقود والخبز المدعوم وعالجت الموقف من خلال ضبط التوزيع عبر بطاقة إلكترونية توزع على المواطنين لتحديد عدد المواد المدعومة التي يمكنهم الحصول عليها شهريًا.
في الصورة الملتقطة يوم 24 نوفمبر 2020، نساء يجهزن الطعام في دمشق، سوريا. (شينخوا)
في غضون ذلك، قال خبراء اقتصاديون إن العام 2020 كان من أسوأ الأعوام اقتصاديًا يمر على سوريا خلال سنوات الحرب التي استمرت قرابة 10 سنوات.
وقال الخبير الاقتصادي عمار اليوسف لوكالة أنباء ((شينخوا)) "حقًا ، من أصل 10 سنوات من الأزمة في سوريا ، كان العام 2020 من أسوأ الأعوام اقتصاديًا لأسباب عديدة، الأول هو جائحة فيروس كورونا الذي تسبب في شبه الدمار أو توقف الاقتصاد لفترة طويلة، ثانيًا العقوبات الاقتصادية المتتالية".
ورسم يوسف صورة أكثر قتامة لعام 2021، قائلا إن المصاعب الاقتصادية التي حدثت في العام 2020 مهدت الطريق لمزيد من الصعوبات في العام 2021 ما لم تحصل سوريا على مساعدة حقيقية من دول صديقة.
وأضاف "لسوء الحظ، سيكون العام 2021 أسوأ من العام 2020 بسبب الانهيارات الاقتصادية التي حدثت في العام 2020، والتي مهدت الطريق لسيناريو اقتصادي أسوأ بكثير في العام 2021 ما لم يكن هناك معالجة فعالة وسريعة للوضع بمساعدة الحلفاء والدول الصديقة التي يجب أن تساعد سوريا من خلال خلق مناخ استثماري مناسب".
على المستوى الطبي، لم يؤثر (كوفيد-19) على الاقتصاد فحسب، بل أضاف عبئًا على القطاع الطبي، الذي تعرض لضربة قوية خلال الحرب السورية.
يقول الأطباء إن العام 2020 كان عامًا صعبًا وسيئًا على الفرق الطبية، التي عانت من التعامل مع حالات (كوفيد ـ 19) في البلاد.
وقال الطبيب طارق العبد لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن الطاقم الطبي في سوريا بذل جهودا جبارة في العام 2020 وسط قلة الوعي الشعبي بمخاطر الوباء.
وأضاف "يمكنني القول إن العام 2020 كان عاما صعبا وسيئا بالنسبة لنا حيث بذلنا جهودا جبارة لكن ردود الفعل الشعبية لم تكن على مستوى التحدي".
وأوضح العبد أن العام 2021 يجب أن يكون أقل رعبا من حيث الوباء حيث اكتسب الأطباء السوريون خبرة في التعامل مع الفيروس.
وتابع يقول "في العام 2021، من المفترض أن تكون سوريا قد تعلمت من التجارب الصعبة السابقة التي مررنا بها في العام 2020".
وأضاف أن الأطباء السوريين طوروا من الناحية الطبية تجربة أفضل بكثير في التعامل مع حالات (كوفيد -19) وكيفية تصنيف الحالات الخفيفة والمتوسطة والصعبة والحالات الصعبة وأولئك الذين يمكن علاجهم في المنزل.
وقال "يمكننا التعامل مع القضايا بغض النظر عن موقعها في جميع أنحاء سوريا".
في الصورة الملتقطة يوم 19 نوفمبر 2020، أطفال في فصلهم الدراسي بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا. (شينخوا)
وعلى الصعيد السياسي، ما يزال الحل السياسي يراوح في مكانه منذ عدة سنوات، اذ لم تتوصل الحكومة السورية، وأطياف المعارضة السورية في الخارج من الوصول إلى قواسم مشتركة للحل السياسي للأزمة السورية.
كما لم تفلح جهود المبعوث الأممي إلى سوريا غير بدرسون حتى الآن في جمع المعارضة السورية والحكومة على طاولة واحدة لبحث الازمة السورية والتوصل إلى صيغة للحل السياسي لتلك الازمة التي مضى عليها قرابة العشر سنوات.
وقال المحلل السياسي السوري عماد سالم لوكالة ((شينخوا)) إن "الحل السياسي ما يزال بعيدا، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا" ، مؤكدا أن "الانفراجات في الحل السياسي للازمة السورية معلقة رغم محاولة المبعوث الأممي الحثيثة لايجاد صيغة للحل السياسي ترضي الطرفين".