أعلنت الصين والاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء إتمامهما المفاوضات الخاصة باتفاقية استثمار ثنائية كما هو مقرر، في خطوة راسخة نحو إقامة شراكة اقتصادية أوثق وأكثر إثمارا بين الجانبين.
لقد أرسى اختتام المحادثات أساسا ثابتا لكلا الجانبين للتوقيع أخيرا على الاتفاقية، وبعث برسالة إلهام وأمل لعالم لا يزال يصارع جائحة كوفيد-19 المستعرة وركودا اقتصاديا قاتما، ويأتي بمثابة دفعة كبيرة للتعددية.
إن الحقيقة المتمثلة في أن بكين وبروكسل يمكنهما في نهاية المطاف ملاقاة بعضهما البعض في منتصف الطريق بعد سنوات عديدة من المفاوضات قد أظهرت استعداد الجانبين إلى تجاوز خلافاتهما من أجل الصالح العام.
وكانت الفترة التي سبقت هذا الإنجاز الكبير محفوفة بالصعاب. غير أن التقدم الكبير الذي حققته بكين على مر السنين لتوسيع الوصول إلى الأسواق وتحسين بيئة الأعمال المحلية لديها، والإخلاص الذي أظهرته طوال الوقت، لعبا دورا رئيسيا في ضمان نجاح المفاوضات. ويُبين هذا التقدم الذي تحقق بشق الأنفس أن الفطرة السليمة قد سادت: فالصين والاتحاد الأوروبي يمثلان فرصا تنموية لبعضهما البعض وليس تحديات.
عندما يقوم الجانبان في نهاية المطاف بإبرام الاتفاقية ووضعها موضع التنفيذ، سيتمتع المستثمرون من الصين والاتحاد الأوروبي بوصول أسهل وأوسع إلى أسواق بعضهما البعض، وبالتالي إثراء التعاون الوثيق بالفعل بين الصين والاتحاد الأوروبي، فضلا عن زيادة حجم مصالحهما المشتركة الواسعة في تعزيز التجارة الحرة والنمو العالمي.
على مدى العقود الماضية، حافظت الصين والاتحاد الأوروبي على علاقات مستقرة وصحية في عدد من المجالات، ولا سيما منذ إقامة شراكة إستراتيجية شاملة بينهما في عام 2003. كما دخلت بكين وبروكسل في شراكة في التعامل مع مجموعة من التحديات العالمية مثل تغير المناخ وجائحة كوفيد-19.
في عام 2019، وصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 4.86 تريليون يوان (حوالي 740 مليار دولار أمريكي)، ونما بنسبة 8 في المائة على أساس سنوي. وعلى الرغم من الجائحة والمصاعب الاقتصادية الخانقة الناجمة عن تفشي المرض هذا العام، يواصل التعاون الاقتصادي الثنائي المضي قدما، بما في ذلك توقيع اتفاقية حول المؤشرات الجغرافية بين الصين والاتحاد الأوروبي في سبتمبر.
كما يمثل إتمام المفاوضات يوم الأربعاء دفعة قوية للتعددية.
فالعالم يعاني من أسوأ كارثة اقتصادية منذ الكساد الكبير الذي حدث في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد توقع صندوق النقد الدولي ركودا عميقا في عام 2020 مع انخفاض حاد نسبته 4.4 في المائة في النمو العالمي وحذر من أن الكارثة "من المرجح أن تكون طويلة، وذات درجات متفاوتة، ومشوبة بقدر كبير من عدم اليقين".
تعد كل من الصين والاتحاد الأوروبي من الاقتصادات العالمية الكبرى وقوى الاستقرار حيث تمثلان حوالي ربع سكان العالم وثلث إجمالي الناتج العالمي. وفي عصر تتزايد فيه الحمائية والأحادية والقومية الاقتصادية، فإنه من الأهمية بمكان بالنسبة للصين والكتلة التي تضم 27 دولة عضوا تكثيف الجهود لتعزيز التجارة والاستثمار، والعمل على استقرار السلاسل الصناعية وسلاسل التوريد على الصعيد العالمي، وتقديم نموذج يحتذى به في بناء بيئة أعمال أكثر انفتاحا وإنصافا وشمولية.
يشهد الإنجاز الذي أعلنته الصين والاتحاد الأوروبي حديثا على تفان لا يفتر عزمه من جانبهما تجاه التعددية، ويعطي جرعة ثقة للمستثمرين المحبطين على الجانبين والعالم الأوسع، وسيساعد في تسهيل التجارة العالمية والتكامل الاقتصادي وتنشيط الانتعاش العالمي خلال هذه الأوقات العصيبة.
ويشير إتمام المفاوضات إلى نقطة انطلاق جديدة. فالعمل المستقبلي الرامي إلى تجديد شباب الاقتصاد العالمي الهزيل لا يقل صعوبة عن تعذر التنبؤ به.
لقد سيطرت الصين على الفيروس المميت إلى حد كبير وبرزت باعتبارها الاقتصاد الكبير الوحيد الذي حقق نموا إيجابيا هذا العام. وستواصل التزامها بتحقيق انفتاح أكبر وتنمية عالية الجودة، وبإتاحة المزيد من الفرص للمستثمرين العالميين.
يتعين على الصين والاتحاد الأوروبي اغتنام الفرصة التاريخية، والبناء على الإنجاز الذي تحقق بشق الأنفس، ومواصلة تعزيز التعاون الثنائي، والعمل معا لتوجيه علاقاتهما الاقتصادية والتجارية نحو مستقبل أكثر انفتاحا واستقرارا وتوازنا.
إن العالم يتوق إلى انتعاش قوي. ويمكن لشراكة أكثر دينامية بين الصين والاتحاد الأوروبي أن تساعد على تحقيق، وسوف تساعد على تحقيق، تلك العودة التي طال انتظارها.