- جهاد حرب
(1) فلسطين لجميع مواطنيها
الخطاب الشعبوي الذي رأيناه وسمعناه بخصوص مقام النبي موسى باختصار المقام، وهو معلم تاريخي فلسطيني، للمسلمين انجرار وراء الانفعالات الشعبية غير مقبولة لأي سياسي ومن أي مسؤول حكومي مهما علت الأصوات هنا أو هناك. فالمقام للمسلمين فيه كما للمسيحيين والسامريين حصة الفلسطيني في الأقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد والحرم الإبراهيمي؛ ففلسطين لجميع مواطنيها دون إقصاء لدين أو جنس أو طائفة أو فئة عمرية.
إن أي خطاب إقصائي أو غير وحدوي يعد خرقا فاحشا لنصوص وروح وثيقة الاستقلال المعتمدة من المجلس الوطني الفلسطيني عام 1988 التي تنص على "إن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون أو بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون."
(2) الاعتقال الفنانة سما عبد الهادي
عارضت اعتقال الفنانة سما عبد الهادي، بغض النظر إن كانت حاصلة على تصريح للتصوير/ الحفل/ المشهد الترويجي أو لم تكن أو خرقت هذا التصريح، لأسباب ثلاث؛ الأول: رفض حجر الحرية في مثل هكذا قضايا؛ فصاحب "الجرم" لن يستطيع تغيير "مسرح الجريمة أو أدواتها"، وأنه لن يغادر البلاد أو يهرب من سلطات إنفاذ القانون. هذا إن كان السبب الموسيقى الصاخبة في حضرة المقام الذي فيه مسجدٌ ونزلٌ (فندق) وبازارٌ (سوق) سياحي. والشيء بالشيء يذكر هل السلطات مستقبلا ستمنع الاعراس والسهرات والموسيقى وبناء صالات الافراح بالقرب من المساجد في عموم البلاد.
أما إذا كانت التهمة مخالفة لتعليمات الحكومية لمواجهة جائحة كورونا وهو سبب وجيه ومعقول. لكن لمَ لم تعتقل السلطات الذين عقدوا حفلات أعراس أو احتفالات من سياسيين غير سياسيين. ولإن لم يحصل ذلك قبل الحفل؛ فَلمَ لم تعتقل السلطات أصحاب التجمعات التي حصلت بعد تنبه الحكومة لهذا الخرق من الفرقة الموسيقية. أما امتناع المحكمة عن الافراج عن الفنانة سما فهو مستغرب هذه المرة حيث لم تطلب النيابة الإبقاء عليها وحيث أن الاوجب على المحكمة عدم حجر الحرية ما دامت الإجراءات التحقيقة قد استكملت ولم يعد هناك أي داعٍ للاعتقال، وان استلزم الامر وجود كفالة أو كفالات لضمان بقائها في البلاد.
والسبب الثاني: أن السلطات الحاكمة هي التي تتحمل المسؤولية عن مثل هكذا حفل؛ بسبب منح ترخيص دون تدقيق في طبيعة النشاط وكيفية التعامل معه والأماكن التي من الممكن إقامة حفلات أو مهرجانات أو تصوير أو ما شابه فيه، من اختصاصها لتحكمها بالسلطة التقديرية في منح الترخيص. هذا الأمر لا يعني على الإطلاق حجر الفن والطاقات الإبداعية للمواطنين في شتى الدروب.
والسبب الثالث: أن السلطات الفلسطينية لم تقم بحماية المواطنين والمقامات من اعتداء بعض الأشخاص، والخسائر المادية والمعنوية التي لحقت بهما، بل هذا الامر سيمنح المزيد من الجماعات لاستخدام القوة غير المشروعة لفرض طريقة حياة على المواطنين بعيدا عن القانون أو جهات إنفاذ القانون، وبما يتنافى مع دولة القانون والمؤسسات واحتكار الدولة لاستخدام القوة المشروعة لتنفيذ القانون والطمأنينة والأمان للمواطنين.
(3) نتائج لجنة التحقيق
أُعلن مساء أمس نتائج لجنة التحقيق في أحداث مقام النبي موسى وهو أمر محمود في الوقت الزمني لعملها وفي الإعلان عن نتائج أعمالها في الإعلام وإلى الكافة. وإذ احترم أعضاء اللجنة وجهدهم المبذول إلا أن نطاق عمل اللجنة بقي محدود، وهو التخوف العام بعدم تطرق اللجنة للسياسات أو المحاسبة السياسية حيث أن الوزراء (السياحة والأوقاف) هم في الأساس مَنْ يتحملون المسؤولية السياسية عن التبعات التي جرت لأحداث مقام النبي موسى، وهو ما لم نراه أو نقرأه في إعلان نتائج لجنة التحقيق.
إن اقتصار تحميل المسؤولية للموظفين من شأنه أن يمتنع الموظفين عن اتخاذ قرارات، وفقا لاختصاصاتهم وصلاحياتهم، خوفا من تحمل تبعاتها دون وجود حماية وظيفية لهم، وأن يعقد إجراءات العمل مستقبلا ويثقل على المواطنين. الامر الذي يشير بوضوح الى أن غياب المجلس التشريعي وعدم إجراء الانتخابات يعطل المساءلة والمحاسبة السياسية للوزراء ومن في حكمهم من جهة، ويمنع النظام السياسي من التفاعل السليم مع الأحداث من جهة ثانية، ويحد من تطوير الهوية الثقافية للفلسطينيين وفقا للمعايير المنصوص عليها في وثيقة الاستقلال من جهة ثالثة، ومن جهة رابعة يضعف دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية المنشودة.
ملاحظة: "يلا نحكي" زاوية المقال الجديدة تقوم على فلسفة أن يسمع المسؤولين آراء ومواقف وانطباعات المواطنين، وهي زاوية باتجاه واحد على عكس نميمة البلد التي كانت تحاول نقل قول المواطنين أحيانا وتفسر فعل المسؤولين أحيانا أخرى. أعجبني هذا العنوان "يلا نحكي" عند اطلاعي على عنوان مشروع اثناء مشاركتي في لجنة تحكيم لمشاريع على المستوى العربي قبل عامين ونيف، وبقي هذه المدة الى انتهت زاوية "نميمة البلد" حيث حصلت على إذن مقدمي المشروع وصاحب الشركة التي تحمل هذا الاسم أيضا لأنه مقتبس منهما، وشكرا لهما.