- بقلم عدنان الصباح
إذا كان الرقم واحد هو خط عمودي يمكن أن يتغير لأرقام خرافية بمجرد تعديل موقعه من أرقام أخرى أو مع نفسه فهو إذا اتحد مع مثيله مثلا من أسفله أصبح الرقم سبعة ومن أعلاه أصبح الرقم ثمانية وكزاوية حادة يصبح اثنين أو ستة وإذا تكرر يمكن له أن لا يتوقف بحيث يصبح رقما لا نهائي.
دائما اعتقدنا أن الرياضيات هي العد أو الحساب أو مراكمة الأرقام وعلاقتها ببعضها جمعا أو طرحا أو ضربا ولم يدر بخلدنا ونحن على مقاعد الدراسة أن الرياضيات هي أرقام الفلسفة أو هي تجريد الفلسفة ولقد تعلمنا التفاضل والتكامل على قاعدة الرؤيا البصرية للزوايا ولم يدر بخلدنا الرؤيا الإدراكية للبنية الاجتماعية والاقتصادية بكل تجلياتها فالذي اعتقد أن التفاضل ضروري للوصول إلى التكامل على قاعدة التخلص من كل ما يعيق الوصول إلى التكامل شكَّلَ رؤيا ديكتاتورية قامت على قاعدة أن ما يراه هو سواء أكان شخصا أو فئة أو طبقة هو مطلق الصحيح، وبالتالي ارتأى أن التخلص من كل ما هو خلاف رؤياه سيصل به إلى التكامل في حين ارتأى الآخر أن التكامل طريق للوصول إلى التفاضل، وبالتالي فإن الكل سيساهم في خلق الأفضل وفرز الإيجابي عن السلبي لصالح سيطرة الإيجابي أيا كان اعتقاده بالإيجابي إلا أنه اعتمد على قبول الجميع للوصول إلى ما يريد حتى لو اعتبر الجميع أداة لوصوله وسطوته وتحقيق أهدافه إلا أنه بالأساس لم يستثنى أحدا أو جهة أو طبقة أو فكرة؛ بل فتح الأبواب على مصراعيها لكل الريح لعلها تعصف وحدها بكل شيء وتمارس الفرز بين القمح الذي يريد والزوان الذي لا يريد ولكنه أيضا لم يلغِ حتى الزوان بل ترك له الحق بمواصلة الحياة.
مأساتنا أننا لم نقرأ علم الرياضيات كعلم اجتماع وسياسة واقتصاد وإلا لكانت الأمور جدا مختلفة فالرياضيات لغة لا تعرف النفي للآخر لخطورته وأهميته أيا كانت مكانته فالصفر منفردا قد يتحول إلى أرقام فلكية مع غيره وأي تحريك للأماكن في عالم الأرقام ينبغي له توخي الدقة وقمة الحذر فالتغيير في الأرقام والخطوط بدون وضوح ودقة قد يذهب بالمغير ذاته إلى الكارثة وبالتالي فنحن نجد مثلا أن العاملين في الأرقام هم أكثر دقة بما لا يقاس من العاملين في الآداب وهذا ينطبق على متفرعات الرياضيات كالهندسة بكل فروعها والجبر وعلى سائر العلوم كالفيزياء والكيمياء وغيرها بل إن البعض يسمي الرياضيات بأم العلوم أو سيدة العلوم كما أن الفلسفة علم العلوم فالرياضيات والفلسفة هما أعمدة أية حضارة يمكن لها أن تعيش على وجه الأرض والأمم التي لا تملك هاتين الدعامتين لا وجود لها بين حضارات الأمم الحية.
هناك فرق شاسع بين علم الرياضيات وحسابات الدكاكين عند العرب فقد تكون أحداث واشنطن واقتحام الكونغرس وما يجري في انتخابات الكنيست في دولة الاحتلال ومحاكمة نتنياهو مقابل طريقة إدارة الحكم عند العرب نموذجا، فقد ابتهج العرب لما جرى من قبل بضعة مئات من الغوغائيين في حادثة الكونغرس الأمريكي معتبرين أن ديمقراطية أمريكا انهارت ولم يروا أبدا كيف جرى التعامل مع الأمر وكيف انتهى وكيف وجد ترامب نفسه أمام البحث عن سبل لحماية نفسه من المسائلة بعد أن يخرج من البيت الأبيض وكيف تراجع بكل السرعة عن فعلته ودعمه لما جرى من الغوغائيين تأييدا له، وكذا يجري الأمر مع نتنياهو في دولة الاحتلال الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة للاحتماء بديمقراطية دولة الاحتلال والعنصرية للإفلات من محاكمة الفساد ومع أنه قاد دولته إلى أربعة انتخابات في فترة قياسية ولازال يصر على التمسك بالحكم عبر الوسائل الديمقراطية ولا زالوا جميعهم يصرون على الطريق نفسها للتخلص منه دون أن يفكر أيا كان ولو للحظة بالانقلاب على الديمقراطية.
حسابات الدكاكين العربية لا علاقة لها بعلم الرياضيات وهي تماما كالفرق بين الديمقراطية والطغيان ففي دولتي الطغيان والعنصرية والاحتلال الولايات المتحدة وإسرائيل هناك مؤسسة حقيقية راسخة وثابتة وقوية تعمل على تدميرنا ونهبنا وإلغائنا ولكنها في الوقت نفسه تحرص على حماية ذاتها وتقدمها وازدهارها وتقدم نفسها علنا وبكل وقاحة كدعاة وحماة للديمقراطية في العالم وكنماذج تحتذى ببناء المؤسسة الديمقراطية في حين يتبجح العرب بكل غباء عن قرب انهيارهم وعن فساد نتنياهو وسجن رئيس دولة الاحتلال ورئيس وزراءه وانتظار السجن لنتنياهو كما قد يحدث مع ترامب صباح يوم 21 يناير بعد أن يفقد حصانة الرئيس فقد يجد نفسه مطلوبا للعدالة بتهمة التحريض على العنف وهو وكما تقول تسريبات البيت الأبيض إنه بات يفكر بإصدار عفو رئاسي عن نفسه قبل أن تغادره الحصانة الرئاسية عدا عن أنه لم يجد في الولايات الإمبريالية من يؤيده سوى بضعة مئات من الغوغائيين في حين توحدت كل أمريكا في مواجهته.
العرب تآمروا ولا زالوا على ذواتهم ودمروا ليبيا والعراق واليمن وسوريا وقسموا المقسم والمنهوب في فلسطين ولا زالوا يواصلون فعلتهم والوقت نفسه يضحكون هازئين من ديمقراطية أمريكا وفساد دولة الاحتلال في حين أن حسبة علمية واحدة ولحظة تأمل حقيقية واحدة قائمة على علم الرياضيات لا حسابات الدكاكين؛ سنكتشف أن وحدنا من دون شعوب الأرض من لا يحق لنا التحدث عن النزاهة والديمقراطية ما دام حالنا حال دكاكين حاراتنا التي لا تعريف لها إلا على شاكلة دكانة أبو محمود وفي أحسن الاحوال وأولاده فكل مؤسساتنا إن وجدت هذا هو عنوانها وبالتالي فلا حياة لمن لا يرى “اعوجاج رقبته “.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت