- عبد الرحمن القاسم
كنا نتهامس فيما بيننا حدا "بطلعلوه يدرس في اوروبا وبيجي يركض يدرس في جامعة البصرة في العراق" ليس انتقاصا من الدولة او الجامعة بقدر ما كان بريق وحياة صخب الغرب يغوي جيل الشباب آنذاك. وكان رده انه يحب الدراسة في بلد عربي ومجتمع عربي واسلامي ولم تفتنه حسناوات تركيا. ورغم كان قبوله بكلية هندسة الكهرباء كان متاخرا والعام الدراسي قد بدا منذ شهرين او اكثر. الا انه تمكن وربما الطالب العربي الوحيد الذي نجح من الدور الاول في الامتحانات. كان نظيفا ومرتبا ولم يكن انيقا بالاحرى لم يكن اهتمامه الأناقة الى جانب انه اثناء الدوام الرسمي كان يفرض على الطلبة ارتداء زي موحدا للجامعة. متصالحا مع ذاته غير متكلف في الحديث او متصنع في السلوك أحببه كل من عرفه لبساطته وطيبته وفي المقدمة معن الحمد وفؤاد مناصرة وبيان ابو جاموس وعبد الله صيام ومروان عبد الكريم ومنير علي وصديقنا دمث الاخلاق الاردني عمر شواقفه وكلهم بالمناسبة مهندسون مرموقون بالاخلاق والمراتب باستثنائي سلكت طريقا اخر. ولا ادعي اننا كنا وقتها كوادر في حركة فتح ولكن اغلب فلسطيني الهواء ونحب ياسر عرفات قبل التوغل في الحركة وما زلنا نتلمس طريق السياسة والحركات ورفضنا بادب الانضمام لحزب البعث او اي حركة وضمنا صنفنا محسوبين "عرفاتيين" وتعرض البعض لضغوطات ومضايقات سياسية.
هو كان يسبقنا تشددا وحبا بفلسطين ودفاعه عن سياسة ياسر عرفات انذاك وصلبا في قيمه الاخلاقية والسلوكية وملتزما دينيا وكما يقال صاحب موقف وكلمة لا يتراجع واذكر انه تراهن مع صديقنا المهندس فؤاد او معن على لعبة تنس طاولة ومن يهزم يقص شاربه وفعلا التزم.
-2-
كلية الهندسة كانت في منطقة تدعى "التنومة" تقع بعد شط العرب ولا تبعد كثيرا عن جبهة القتال العراقية الايرانية وانتقلت الحرب عام 1983 الى حرب وقصف المدن الحدودية واصبحنا نعيش اجواء الحرب وقصف المدن وسقوط ضحايا مدنيين. وتم نقل الدوام الى كلية الادارة في منطقة تبعد قليلا عن الجبهة تسمى باب الزبير اقل حدة بالقصف مع استمرار اجواء قصف المدن وسقوط ضحايا.
وكانت المفاجأة ان صاحبنا قرر العودة الى فلسطين تاركا الهندسة والعراق حاول الاصدقاء اقناعه عبثا البقاء فهو الوحيد الذي بقي له سنتان والعودة الى فلسطين مهندسا ناجحا. فاصر على العودة مبررا انه لا يريد ان يذهب ناقصا يدا او رجلا او مصابا الى فلسطين وان كان له مقدر الاصابة فليصب في فلسطين وانه حتى لو حمل شهادة الهندسة او غيرها فانه سيعود الى فلاحة الارض في قرية دير الغصون , ويضيف معلقا بلهجته المحببة "كيف بدي انكش الارض وانا رايحه مني يد او رجل في حرب ليست فلسطين" واصر على العودة..
وافترقنا واملنا ضعيف باللقاء ثانية خاصة مع الطلبة القادمين من فلسطين المحتلة ونحن نعيش بالشتات وكانت نواة حركة الجهاد الاسلامي من بعض كوادر حركة فتح وتحديدا "القطاع الغربي" جهاز الارض المحتلة بقيادة الشهيد خليل الوزير ابو جهاد ممن تلقوا تدريبات وكانوا كوادر في حركة فتح انضموا الى حركة الجهاد الاسلامي بداية تشكلها. وقضى صاحبنا عدة سنوات في سجون الاحتلال في خلية كانت تخطط لعمية جريئة في الداخل المحتل. ولان عزيمته لا تلين واصل تعليمه وحصل على الشهادات العليا في العلوم الإسلامية.
وعندما عدت الي فلسطين بحثت عنه والتقيته في قريته دير الغصون هو نفسه الشاب ذو العنفوان الثوري كما كان قبل عقد ونصف من الزمان مع عتب الحبيب انني مع "جماعة اوسلو" والوم نفسي للاسف الشديد انني لم التقيه ثانية. وان كنت بين الفينة والأخرى اطمئن عليه من بعض الاصدقاء. وقال لى احدهم مازحا بعد ان تصالح معكم "السلطة" انتقل الى الرفيق الأعلى رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
-3-
26-4-2013 نعته حركة الجهاد الاسلامي ...انتقل إلى رحمه الله تعالى عصر الجمعة الشيخ الدكتور المجاهد قاسم توفيق قاسم خضر"50 عاماً" ،أحد أبرز قادة حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية المحتلة، جراء نوبةً قلبية ألّمت به. ويعد الشيخ قاسم خضر أسيراً محرراً أمضى عدة سنوات في سجون الاحتلال الصهيوني، ومحاضراً بقسم الشريعة الإسلامية في جامعة القدس المفتوحة بطولكرم، وشقيق الكاتب والمفكر السياسي عبد الستار قاسم، وكذلك ملهماً للعديد من شهداء سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، حيث كان مرشداً روحياً لهم ، وثائراً في خطاباته التي تشهد لها العديد من جنازات الشهداء في طولكرم . وكان الشيخ قاسم ناشطا في المجال الدعوي والفكري والاجتماعي بحركة الجهاد الإسلامي، حيث كان له الدور البارز في تأسيس مراكز التحفيظ لطلبة العلم في جمعية الإحسان الخيرية بطولكرم. ونشط الشيخ قاسم في تأليف الكتب الدينية والتفسيرية....، معتبرةً وفاته خسارة لفلسطين. مشيرةً بأنه شيخ وإمام مسجد وخطيب وعالم إسلامي فلسطيني تتلمذ على يداه العديد من الشهداء والأسرى الدين كانوا يتدارسون معه بالسجن.
عليه رحمة الله واسكنه فسيح جناته
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت