- حسن عبادي
كان الحجّ علي من كبار الملّاكين والمزارعين في قرى الروحة وله أراضٍ ورثها أبًا عن جد، وكان تاجرًا معروفًا للعنب في أم الشوف وقنير وخبيزة وصبارين، يشتري منتوج العنب من كروم المنطقة ويبيعه في سوق حيفا وخمّارة زمّارين، ويسمح لفلّاحي المنطقة بأخذ أوراق العنب لورق الدوالي، وما تبقّى من العنب يتبعّرونه للمربّى والزبيب، وذلك دون مقابل.
انتكب مع غيره، وفقد، كلّ ما يملك، بين ليلة وضحاها، حُرم من أرضه وزرعِه، صودرت الأرض مع سنّ قوانين أملاك الغائبين، صار حاضرًا غائبًا، وبقي له من حطام الدنيا تراكتور يلازمه، وكما كان يقول: "هذا إيدي وإجري"!
اعتاد كلّ فجر، بعد الصلاة مباشرة، أن يأخذ الزوّادة ويتوجّه صوب الروحة، يجلس قبالة كرومه ويتحسّر على ما آل إليه وضعه، يقضي جلّ وقته بمراقبة أرضه حتى مغيب الشمس فيعود لقرية اللجوء، رغم أنّها على مرمى حجر.
بعد مرور ثلاث سنوات، تشجّع وتوجّه لمالك أرضه، وإذ به هارون الصفدي، الذي كان يتجوّل في القرى كبائع متجوّل، يشتري كلّ ما هبّ ودبّ، ولم يعرف أحد أنّه يهودي! يعرف كلّ واردة وشاردة من أمور الروحة وأهلها.
بعد الصدمة والترحاب، طلب منه أن يضمن سِرب عنب من كرمه، ذلك الكرم الذي زرعه واعتنى به قبل النكبة؛ استغرب هارون من طلبه، بعد طول إلحاح ورجاء وافق ولكن طلب سعرًا خياليًا، وافق أبو حسني في الحال دون مفاصلة ولم ترمش له عين.
انفرجت أساريره وعاد للقرية على أحسن حال؛ جمع العمال من أهل البلدة والقرى المجاورة وأخبرهم بأمر مزاولة دوامهم عنده في قطف العنب، وكم كان سعيدًا حين أخبر نساء البلدة بأنّ الأمور فُرجت وبإمكانهنّ تنقيب ورق الدوالي من جديد.
استعاد نشاطه وبدأ بقطف العنب، هو وشغّيلته، من كلّ بساتين المنطقة وكرومها، عدى "سربه" الذي بقي كما هو عليه حتى نهاية الموسم، شاع الخبر في الروحة بأنّ أبو حسني عازم الكلّ لقطف العنب وورق الدوالي مجّانًا دون مقابل، قائلًا للجميع، إذا بٍسألكم حدا جاوبوه: هذا من سرِب أبو حسني!
حسن عبادي
*** مرفق لوحة من وحي القصّة بعنوان "هاي عليّ" بريشة د. يوسف عراقي.
*** نُشرت القصّة في مجلة شذى الكرمل، إصدار الاتحاد العام للأدباء الفلسطينيين
الكرمل 48، السنة السادسة، كانون الأوّل 2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت