أكد خبراء ومحللون سياسيون أهمية التحركات المصرية المكثفة ودورها في تجاوز حالة الجمود التي تسيطر على عملية السلام في الشرق الأوسط منذ فترة.
ولفت الخبراء إلى أن مصر تتحرك على أكثر من مسار وفي عدة اتجاهات لتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتوحيد الصف الفلسطيني، وتهيئة المناخ بالشرق الأوسط وحشد الجهود الدولية والإقليمية لإحياء عملية السلام.
واستضافت القاهرة يوم الإثنين الماضي الاجتماع الرباعي الوزاري العربي-الأوروبي بحضور وزراء خارجية مصر وفرنسا وألمانيا والأردن، لبحث جهود تحريك عملية السلام بالشرق الأوسط.
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال استقباله وزراء خارجية الرباعية الدولية "مجموعة ميونيخ"، أن تسوية القضية الفلسطينية ستغير من واقع وحال المنطقة بأسرها إلى الأفضل.
ولفت السيسي إلى أهمية التحرك في الوقت الراهن لإعادة طرح ملف عملية السلام على الساحة السياسية الدولية، مع مراعاة آخر التطورات السياسية على المستويين الدولي والإقليمي، وأخذا في الاعتبار عضوية المجموعة التي تضم الدولتين العربيتين الأقرب إلى القضية الفلسطينية إلى جانب كبرى دول الاتحاد الأوروبي.
وشدد على استمرار مصر في جهودها الدؤوبة تجاه القضية الفلسطينية، باعتبارها إحدى ثوابت السياسة المصرية وجوهر قضايا الشرق الأوسط، وذلك سعيا لاستعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وفق مرجعيات الشرعية الدولية.
وأكد الدكتور أكرم حسام الخبير بمركز التحرير للدراسات والبحوث السياسية والاستراتيجية، أن مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تبذل جهدا كبيرا لتحريك المسار السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لتجاوز مرحلة الجمود الحالية في مسار الصراع، والتغلب على التحديات والعراقيل التي ساهمت خلال الفترة الماضية في زيادة مشاعر الإحباط لدى الفلسطينيين بشكل عام.
وقال حسام لوكالة أنباء (شينخوا) إن " الدبلوماسية المصرية تقوم بالدفع نحو تشجيع كل الأطراف للعودة لقاعدة التفاوض، والرجوع للمسار السياسي، ومحاولة حشد تأييد دولي واسع لهذا المسار، ومن هنا تأتي أهمية التحركات التي تقوم بها مصر في إطار مجموعة ميونيخ بمشاركة الأردن وألمانيا وفرنسا، التي التقت مؤخرا في القاهرة لتحديد الخطوط العامة للمسار السياسي القادم، وفق رؤية مشتركة من الرباعية، مع أهمية ضم دول أخرى لهذه الجهود وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي".
وأوضح أن الهدف الاستراتيجي من الجهود المصرية يتمثل في السعي لتنظيم مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية مباشرة، والمحافظة على قنوات حوار مستمرة بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، بما يكفل مناقشة كافة القضايا المشتركة، وطرح التحديات على الطاولة، وهو ما من شأنه الوصول لتفاهمات واتفاقات ترضي كل الأطراف، وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وأشار الخبير بمركز التحرير للدراسات والبحوث السياسية والاستراتيجية إلى أن القضية الفلسطينية مرت خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا في عهد إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بفترة عصيبة للغاية على كافة المستويات، وهي فترة وجد الفلسطينيون أنفسهم بدون غطاء دولي، خاصة من القوة الأكبر في النظام الدولي وهي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحولت خلال السنوات الأربع الماضية لطرف في الصراع.
ونوه إلى أن الإدارة الأمريكية فقدت نتيجة لقراراتها الأحادية والمنحازة بالمطلق لوجهة النظر الإسرائيلية فيما يخص القدس والاعتراف بالمستوطنات وما عرف بصفقة القرن وغيرها، موقعها كوسيط أو راعي لأي جهود لحل الصراع.
وأشار الدكتور أكرم حسام إلى أن التغيير الدراماتيكي غير المعهود في الموقف الأمريكي كان له انعكاسات حادة على المسار السياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما كان له أيضا تداعيات على الجهود التي تقودها دول عديدة، تحمل على عاتقها مسئولية تحريك المسار السياسي وإيجاد السبيل المناسب للوصول لحلول مقبولة من الطرفين، وكان على رأس تلك الجهود ما تقوم به مصر والأردن على المستوى العربي والإقليمي وما تقوم به فرنسا وألمانيا على المستوى الدولي، والتي تجمعت في مسار واحد عُرف بمسار الرباعية أو مجموعة ميونيخ.
ولفت إلى أن مجموعة ميونيخ - التي تلعب فيها مصر دورا محوريا- تمكنت في إيجاد منصة دولية وازنة للموقف الأمريكي، الذي اعتبرته بعض الأطراف الفلسطينية طرفا في الصراع وليس وسيطا أو راعيا نزيها، مما وفر للفلسطينيين هامش حركة معقول على المستوى الدولي، للاستمرار في التمسك بمواقفهم الخاصة بضرورة الالتزام بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وشدد حسام على أهمية الجهود المصرية ضمن مجموعة ميونيخ، باعتبار أن مصر من أهم وأكبر الدول الداعمة للقضية الفلسطينية، ضمن خط سياسي واحد، حافظت عليه الدولة المصرية عبر عقود، لم تغيره الظروف الداخلية ولا التغيرات الدولية والإقليمية، وهو عنصر أمان ومبعث طمأنينة للجانب الفلسطيني، يضمن تحقيق الأهداف والتطلعات الفلسطينية المشروعة في إقامة دولتهم، ووفق حل الدولتين، محل الاتفاق من المجتمع الدولي.
من جانبه، أكد عبد المهدي مطاوع، المحلل السياسي الفلسطيني والباحث بمنتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي، على أن الدور المصري المركزي والرئيسي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية لم يختلف برغم كل الأحداث التي مرت بالمنطقة، معتبرا اللقاء الرباعي لوزراء خارجية مجموعة ميونيخ ترسيخا لهذا الدور الحيوي.
وقال مطاوع لوكالة أنباء (شينخوا)، إن الدور المصري برز بقوة منذ يناير 2020 في مؤتمر ميونخ للأمن بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية من أجل طرح بديل لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروفة إعلاميا بـ "صفقة القرن" التي حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلالها خلق أمر واقع وإعطاء شرعية للمستوطنات، حيث اتفقت الدول الأربع مصر والأردن والمانيا وفرنسا على بذل جهود مضاعفة لإطلاق عملية سلام تستند إلى الشرعية والقانون الدولي.
ولفت إلى أن خسارة ترامب ساهمت في إفساح المجال لمصر بشكل أكبر وساعدها على استعادة دورها بعد أن حاولت إسرائيل بالتعاون مع بعض الدول تقليص الدور المصري الحريص على الحقوق الفلسطينية، معربا عن اعتقاده بأنه سيكون هناك دورا أكبر في المصالحة الوطنية وقد ظهر ذلك جليا عبر موافقة حماس على الانتخابات بالتتالي بعد أن عارضتها لسنين.
وأعرب الباحث بمنتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي، عن تقديره بأن يتعزز دور مصر مستقبلا ويكون أكثر محورية بالقضية الفلسطينية فيما تستعد إدارة أمريكية جديدة لإنقاذ حل الدولتين.
واعتبر عبد المهدي مطاوع التنسيق المصري - الأوروبي بالإضافة إلى الأردن محورا هاما يضع حل الدولتين كمحدد رئيسي في مواجهة أي مخططات لإلغاء حل الدولتين.
وأوضح أن هذا الدور المصري سيكون في إطار تغيير هام يطال السياسات الدولية التي تأثرت بالطريقة التراكمية للتعامل مع قضايا دولية حساسة على رأسها القضية الفلسطينية ودعم مبادرة السلام العربية التي حاول نتنياهو إسقاطها عبر اتفاقيات تطبيع مع بعض الدول العربية.