- اشرف صالح
يعتبر صدور المرسوم الرئاسي للإنتخابات الفلسطينية بشكل مفاجئ وقبل الموعد المتوقع على لسان بعض الساسة , بمثابة الإنجاز الرائع والعرس الفلسطيني والنصر الديمقراطي الذي إنتظره الشعب الفلسطيني طيلة السنوات الماضية , وبما أن الفصائل كافة أخذت على عاتقها أن تكون الإنتخابات مدخل لإنهاء الإنقسام , فهذا يعني أن الشعب الفلسطيني سيكتب شهادة ميلاده من جديد علي بطاقة الإقتراع , فلا يهم من الفائز بقدر ما يهم أن الحياة الديمقراطية قد عادت من جديد , وخاصة أن طرفي الصراع إتفقا مسبقاً على أن الإنتخابات ستأخذ طابع المصالحة أكثر من طابع التنافس , لأنه سيتم في كلا الاحوال تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم الفائز والخاسر , بالإضافة الى الشبه إتفاق بين فتح وحماس على الدخول في قائمة إنتخابية موحدة , وهذا يؤكد لنا أن الإنتخابات هي شراكة وليس منافسة , وبالطبع هذا جيد لأنه عملياً سيكون الطريق الأسرع لإنهاء الإنقسام .
وعلى مستوى معركة الإنتخابات في القدس , فمن الواضح أن إدارة بايدن الجديدة ستدفع إسرائيل للموافقة على إجراؤها في القدس الشرقية , وذلك لإعتبارات تتعلق بسياسة بايدن الجديدة , وحتى في حال عدم موافقة إسرائيل بإجراؤها في القدس , فهناك أدوات فلسطينية فعالة من شأنها أن تجبر إسرائيل على إجراؤها , وخاصة إذا تقرب الرئيس من كافة الفصائل وعزز جبهته بقوة المقاومة وخاصة في غزة , وهكذا يكون ملف الإنتخابات ناضجاً سياسياً وقانونياً , ولكن التحديات الأهم في ملف الإنتخابات تكمن في كيفية إجراؤها على أرض الواقع , وأيضاً التحديات ما بعد الإنتخابات والتي تركت للرأي العام تساؤلات كثيرة ومقلقة , لأنه ما زال الإتفاق على إنهاء الإنقسام من خلال الإنتخابات إتفاقاً نظرياً , وقد يتسائل الشعب , كيف سيتم إجراء إنتخابات عملياً في ظل إنقسام , علماً بأن الإنتخابات تحتاج الى تشكيل محاكم وإشراف قانوني , وبالإضافة الى الإشراف والحماية الأمنية , وضمان الحريات الإعلامية والشعبية والفصائلية في التحضير والدعاية الإنتخابية , وأيضاً كيف سيكون الوضع القائم في حال فازت حماس أو فازت فتح أو أي حزب آخر أو حتى قائمة مستقلين , وذلك في ظل أن الإتفاقيات لا زالت نظرية ولم يطبق منها شيئ على أرض الواقع كتمهيد لما تم الإتفاق عليه , كل هذه التساؤلات تعود بنا الى الوراء قليلاً حيث أن المشكلة تكمن في التفاصيل , وهذا ما آخر المصالحة أربعة عشر عاماً .
كي لا أدخل الرأي العام في هولات هذا الموضوع فإن الموضوع بسيط لأنه ليست كارثة طبيعية قد تقف الدولة عاجزة أمامها , أو وباء كالذي نعيشه الآن , وليست متعلق بفاشية الإحتلال كي نبقى متخاذلين بحجة أن المشكلة بالإحتلال , إنما المشكلة هي بالأداء السياسي أولاً , ومن ثم النوايا والتي لا يعلمها الا الله , فإذا كان الأداء السياسي ضعيف فلا يوجد حلول حتى لو كانت النوايا صادقة , لأن السياسة هي الإدارة والقيادة , فيجب أن تكون الإدارة صحيحة كي ينجح موضوع الإنتخابات , ولذلك يجب أن تكون الضمانات الدولية والإشراف الدولي حاضرة بقوة , لأن الموضوع يتعلق بمعانقة سياسية ودستورية وقانونية بين الفلسطينيين بعد غياب أربعة عشر عاماً من الخصام , وليس الأمر كذلك فقط , إنما يجب أن يكون الإشراف الأمني وخاصة العربي حاضراً بقوة على أرض الواقع , وخاصة فيما يتعلق بدمج العمل المؤسساتي بين الضفة وغزة في فترة الإنتخابات وإنتقال السلطة من حزب الى حزب , وحتى في حال الشراكة فلا بد من تواجد أمني عربي لمنع وقوع أي مشاكل قد تنقل الحالة الفلسطينية من حالة إنقسام الى حالة إشتباك وحرب أهلية , وأرى أن الدولة المؤهلة فعلياً بالقيام بهذه المهمة هي مصر الشقيقة , والتي هي الأقرب لنا تاريخياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً وجغرافياً , فلا بد أن يكون جهاز المخابرات المصرية حاضراً بقوة ومتواجداً في كل المناطق الفلسطينية كما كان في خضم المصالحة قبل ثلاث سنوات , وذلك للمراقبة والإشراف المباشر على إجراء الإنتخابات وصولاً الى بر الأمان .
أما بما يتعلق بتسليم السلطة من الحزب الخاسر الى الحزب الفائر , فأعتقد أن المشهد لن يكون تسليماً للسلطة بقدر ما هو مصالحة , لأن كل الحلول التي طرحت طوال أربعة عشر عاماً في المصالحة تتلخص في سيناريو واحد , وهو الشراكة في كل شيئ , حتى في المجلس الوطني , وقد إتفق طرفي الخصام على أن الأنتخابات ستكون عبارة عن شراكة قبل أن تكون منافسة وإنتقال للسلطة , وبدليل أن هناك إتفاق مبدئي على دخول "فتح وحماس" في قائمة إنتخابية مشتركة , إذاً هي شراكة وليس منافسة , وبناء على ذلك وحتى في حال عدم توحيد القائمة , فسيكون الحزب الخاسر في الإنتخابات هو شريك في الحكم , والعكس صحيح , وفي النهاية ستكون التحديات الأصعب في ملف الإنتخابات هو كيف ستدار الإنتخابات بكل تفاصيلها قبل أن نرى أي خطوة شأنها أن توحد المؤسسات بين الضفة وغزة , ولذلك أؤكد بقوة على وجود إشراف أمني مصري قوي ومباشر أثناء إجراء الإنتخابات , بدءاً من إصدار المرسوم الرئاسي , ووصولاً الى دمج كل مؤسسات السلطة سواء تحت مظلة حكومة وحدة , أو تحت مظلة حكومة الحزب الواحد المنبثقة عن نتائج الإنتخابات .
أما بما يتعلق بالموقف الدولي وخاصة أمريكيا , وموقف إسرائيل أيضاً من تجديد وجود حماس في الحكم , سواء كان فوزاً في الإنتخابات أو شراكة مع فتح في الحكم , فهذا قد خفت وتيرته عما سبق في عام 2006 , فحماس اليوم ليس كحماس بالأمس , والمجتمع الدولي يعلم ذلك جيداً , وقد تم تأكيد ذلك في وثيقة حماس الأخير , والتي أعلنت بموجبها الإنشقاق تنظيمياً عن "جماعة الإخوان" وقبلت بدولة على حدود 67 كما تنص إتفاقية أوسلو تماماً , وزد على ذلك أن حماس في الأيام الأخيرة إعترفت رسمياً بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني , فهذه التغيرات بحد ذاتها رفعت الفيتو الدولي وربما العربي عن خوض حماس في تجربة جديدة من الحكم , وخاصة أن هناك تفاهمات في غزة بين حماس وإسرائيل بإشراف قطري مصري مباشر , وخفضت نسبة التحديات التي كان من الممكن أن تواجهها حماس في حال أصرت على برنامجها السياسي ما قبل أربعة عشر عاماً , فكل هذه التغيرات تبشر بالخير وتنهي الإنقسام وتجدد الحياة الديمقراطية والتي هي حق الشعب , ولم يبقى سوا الإدارة السياسية الصحيحة , وتجاوز التحديات التفصيلية للعبور في هذه المرحلة المفصلية والحساسة في حياة الشعب الفلسطيني .
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت