- محمد سيف الدولة
كتب "اساف اوريون" الرئيس السابق للقسم الاستراتيجى فى مديرية التخطيط بهيئة الاركان العامة لجيش الدفاع الاسرائيلى، مقالا فى معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى فى 13 يناير 2021، دعا فيه الى التمسك بوجود القوات متعددة الجنسية فى سيناء، ورفض اى رغبات امريكية للانسحاب منها، مع اهمية دعمها بتقنيات مراقبة عسكرية جديدة، ودعوة الامارات للمشاركة فيها، ولقد استهل مقاله بما يلى:
((لا تزال معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية ذروة الإنجازات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد لعبت "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" دوراً حيوياً في دعمها منذ عام 1982، من خلال بناء الثقة والتحقق من ظروفها الميدانية. إن استبدال مهام المراقبة المأهولة بطائرات بدون طيار ودعوة دول الخليج للمشاركة من شأنه أن يساعد على تحسين الأمن، وتقليل العبء والمخاطر الأمريكية، وتقليل التكاليف، وتعزيز هيكل السلام الإقليمي)).
***
وقبل الاستطراد فى عرض رؤية الكاتب الصهيونى، قد يكون من المفيد التذكير بماهية وطبيعة القوات متعددة الجنسية والمراقبون:
انها القوات متعددة الجنسية MFO او ذو"القبعات البرتقالية" كما يطلق عليها للتمييز بينها وبين قوات الامم المتحدة ذو القبعات الزرقاء. ويهمنا هنا التاكيد على الاتى :
· نجحت امريكا واسرائيل فى استبدال الدور الرقابى للامم المتحدة المنصوص عليه فى المعاهدة، بقوات متعددة الجنسية، وقع بشانها بروتوكول بين مصر واسرائيل فى 3 اغسطس 1981.
· تتشكل القوة من من امريكا وبريطانيا وفرنسا وايطاليا وكندا وبلغاريا والنرويج واورجواى وكولومبيا وفيجى ونيوزيلاندا، وتخضع كلها لقيادة مدنية امريكية وليس للامم المتحدة التى تخضع لها على سبيل المثال قوات اليونيفل فى لبنان.
· ولا يجوز لمصر بنص المعاهدة ان تطالب بانسحاب هذه القوات من اراضيها الا بعد الموافقة الجماعية للاعضاء الدائمين بمجلس الامن .
· وتقوم القوة بمراقبة مصر، اما (اسرائيل) فتتم مراقبتها بعناصر مدنية فقط لرفضها وجود قوات اجنبية على اراضيها، ومن هنا جاء اسمها (( القوة متعددة الجنسية والمراقبون ـ Multinational Force & Observers – MFO))))
· تتمركزالقوات فى قاعدتين عسكرتين: الاولى فى الجورة فى شمال سيناء بالمنطقة ( ج ) والثانية بين مدينة شرم الشيخ وخليج نعمة، بالاضافة الى ثلاثين مركز مراقبة، ومركز اضافى فى جزيرة تيران لمراقبة حركة الملاحة.
· وتتحدد وظائف MFO فى خمسة مهمات = ( 4 + 1 ) هى :
1) تشغيل نقاط التفتيش ودوريات الاستطلاع ومراكز المراقبة على امتداد الحدود الدولية وعلى الخط ( ب ) وداخل المنطقة ( ج )
2) التحقق الدورى من تنفيذ احكام الملحق الامنى مرتين فى الشهر على الاقل ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك
3) اجراء تحقيق اضافى خلال 48 ساعة بناء على طلب احد الاطراف
4) ضمان حرية الملاحة فى مضيق تيران
5) المهمة الخامسة التى اضيفت فى سبتمبر 2005 هى مراقبة مدى التزام قوات حرس الحدود المصرية بالاتفاق المصرى الاسرائيلى الموقع فى اول سبتمبر 2005 والمعدل فى 11 يوليو 2007
***
وعودة الى المقال: حيث اراد الكاتب اولا التاكيد على اهمية استمرار الوجود الامريكى ضمن هذه القوات ردا على ما اثارته بعض القيادات فى البنتاجون فى فبراير 2020 من امكانية انهاء المشاركة العسكرية فيها.
والسبب الذى ذكره الكاتب للتمسك بوجود هذه القوات ودورها والتمسك بمشاركة الامريكان فيها على وجه الخصوص، هو المخاوف التى ابداها بعض قدامى المخابرات الاسرائيلية من ان الحشد العسكرى المصرى فى سيناء قد يعكس هدفا طويل المدى يتمثل فى الاستعداد لحرب مستقبلية مع (اسرائيل)، وهو ما يتطلب اهمية استمرار مراقبة القوات المصرية هناك مع تطوير ادوات هذه المراقبة وامكانياتها.
والجديد الذى يقترحه الكاتب هنا هو ادخال تقنية جديدة الى تسليح هذه القوات وهى "الطائرة بدون طيار" التى يمكن ان تخفف من "المخاطر والتكاليف" التى تتكبدها الولايات المتحدة بما قد يساعد على انهاء اى افكار لدى البنتاجون عن انسحاب القوات الامريكية من هناك.
وما يمكن ان يدعم ذات الغاية هو دعوة الامارات للمشاركة فى هذه القوات، بل وفى شغل مناصب فى هيئة اركانها، والى الانضمام الى قائمة المانحين والداعمين الماليين لميزانية الـ MFO ، والتبرع بالطائرات بدون طيار المذكورة. وهو ما يمكن ان يتوافق مع مصالح الامارات من حيث انها فرصة لكسب نقاط اضافية لدى واشنطن وتعزيز شراكاتها الدفاعية مع مصر و(اسرائيل) والمساهمة فى الاستقرار الاقليمى فى اطار ما استجد بعد "اتفاقيات ابراهام" التى فتحت المجال امام مبيعات اسلحة كبيرة للامارات وما سيترتب على ذلك من مطالبتهم فى المقابل بتحمل بعض "الاعباء"، وهو ما عبرت عنه تغريدة السفير الاماراتى فى واشنطن "يوسف العتيبة" بقوله: ((ان حزمة طائرات اف 35 .. تمكن الامارات من تحمل المزيد من العبء الاقليمى للامن الجماعى، مع تحرير الاصول الامريكية لمواجهة تحديات عالمية اخرى.))
ثم يتوقف الكاتب عند احتمال ابداء مصر بعض التحفظات على مشاركة الامارات، او على ادخال الطائرة بدون طيار او اى تقنيات جديدة الى مسرح العمليات فى سيناء، خوفا من التجسس عليها وعلى قواتها فى سيناء.
ولكنه يعود ويستبعد هذا الاحتمال قياسا على سماح مصر للقوات متعددة الجنسية عام 2015 باستخدام كاميرات التحكم عن بعد ومنظومة "سى- رام" المضادة للصواريخ لحماية القوات الامريكية هناك. بالاضافة الى تلقى حملتها لمكافحة الارهاب فى سيناء لدعم من سلاح الجو الاسرائيلى.
اما بالنسبة للامارات، فلقد منحت السلطات المصرية للطائرات الاماراتية امكانية النفاذ الى القواعد الجوية المصرية لضرب خصومهما المشتركين فى ليبيا، ناهيك عن ترسخ مبدأ قبول مبدأ التعاون الامنى الاقليمى فى سيناء منذ ان وافقت الرياض على قيود معاهدة كامب ديفيد على تيران وصنافير بعد ان قبلت مصر نقل ملكيتهما الى المملكة.
اضف الى ذلك حجم المساعدات الاقتصادية التى تلقتها مصر من الامارات منذ وصول السيسى الى الحكم والتى بلغت 15 مليار دولار، وقرار ابو ظبى بالانضمام بصفة مراقب الى منتدى غاز البحر الابيض المتوسط ..الخ. وكلها شواهد ترجح عدم ممانعة مصر لمشاركة الامارات فى القوات متعددة الجنسية فى سيناء.
وختم الكاتب مقاله بقوله انه ((لقد حان الوقت لتنشيط بنية السلام المصرية الاسرائيلية من خلال شركاء جدد وتقنيات جديدة وربما الاثنين سوية.))
***
وتعليقى على هذه الدعوات الصهيونية الجديدة ما يلى:
· انها تعكس المكانة الرفيعة التى اصبحت تحتلها الامارات اليوم فى ترتيبات الامن الاقليمي من المنظور الصهيونى، أو ما يطلقون عليه "الامن القومى لاسرائيل."
· يفترض الكاتب ان الادارة الامريكية الجديدة، ستنتهج ذات السياسات والاستراتيجيات التى ارستها ادارة ترامب فيما يتعلق باتفاقات "ابراهام" للتطبيع العربى الاسرائيلى، وبترتيباتها الامنية المرتقبة من تاسيس ناتو عربى اسرائيلى، لتخفيف الاعباء العسكرية عن الادارة الامريكية فى المنطقة، وهو الفرض الذى اتصور ان من مصلحة القاهرة ــ رغم دفء علاقاتها الحالية مع (اسرائيل) ــ ان تتصدى له وتعمل على اجهاضه فى المرحلة القادمة.
· ان على الامارات ان ترفض المشاركة فى قوات المراقبة الاجنبية فى سيناء، من حيث انها جزء من القيود الامنية المفروضة على مصر منذ اربعة عقود، والتى لا يجب ان تقبلها او توافق عليها او تشارك فى فرضها اى دولة عربية مهما بلغت درجة تورطها فى التقارب مع (اسرائيل).
· ان تحرير مصر من كل القيود المفروضة عليها بموجب اتفاقيات كامب ديفيد، هو واجب وطنى مصرى وعربى، وبناء علي ذلك فانه ليس لنا اى مصلحة فى تخفيف الاعباء على القوات الامريكية المراقبة فى سيناء، بل ان مصلحتنا فى انسحابها جميعا، واطلاق يد الدولة المصرية فى فرض سيادتها الكاملة والتامة على كل سيناء بدون تقسيمها الى مناطق (أ) و (ب) و (ج) وبدون تنسيق او استئذان (اسرائيل) وبدون رقابة اى قوات اجنبية وعلى الاخص امريكية.
· واذا كانت مكافحة الارهاب فى سيناء تتطلب ادخال تقنيات جديدة مثل الطائرة بدون طيار، فالدولة المصرية هى صاحبة الحق الوحيدة فى ذلك.
· واخيرا، لا اعلم دقة ما ورد من معلومات فى مقالات الكاتب الصهيونى، ولكننا نشعر بغضب شديد كلما راينا أن ادق قضايانا وتفاصيل امننا القومى تستباح فى كل المنابر ومراكز الابحاث الامريكية والصهيونية، بينما منافذ وقنوات وأدوات المشاركة والتفاعل وتبادل الآراء حولها مغلقة فى وجه مناهضى (اسرائيل) والصهيونية فى مصر.
*****
القاهرة فى 20 يناير 2021
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت