قال المدير العام لمكتبة القاهرة الكبرى ياسر عثمان، إن المكتبة بمثابة ذاكرة تاريخية للقاهرة ولمصر بشكل عام، وأنها حافظت على الهوية الوطنية، وتصدت لمحاولات الاختراق الفكري وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، منوها بأن الثقافة الصينية ثقافة فريدة، فالصين تهتم بالكتاب بشكل غير مسبوق، لم أراه في حياتي، مؤكدا أن هذا الاهتمام يؤشر إلى أن الصين ينتظرها مستقبلا باهرا في مختلف مناحي الحياة وخاصة في المجال الثقافي.
وقال عثمان، في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء ((شينخوا))، إن مكتبة القاهرة الكبرى أنشئت على غرار مكتبة بلدية باريس، لتكون بمثابة ذاكرة تاريخية تجمع تراث العاصمة وتاريخها وتوثق لعمارة القاهرة وفلسفتها والشخصيات البارزة التي عاشت فيها من كل شعوب العالم.
ومكتبة القاهرة الكبرى مقامة بقصر تاريخي، مملوك للأميرة سميحة بنت السلطان حسين كامل الذي حكم مصر خلال الفترة (1914 - 1917)، وحفيدة الخديوي إسماعيل، والتي عرف عنها حبها الشديد للفنون والموسيقى والأدب والغناء وكتابة الشعر بالعديد من اللغات منها العربية والتركية والفرنسية.
وأوصت الأميرة سميحة قبل وفاتها بأن يخصص هذا القصر لخدمة الأغراض الثقافية، وعلى هذا الأساس قام الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق عند وفاتها في ثمانينيات القرن الماضي، وكامل زهيري أول رئيس مجلس إدارة للمكتبة ونقيب الصحفيين حينها، بتنفيذ هذه الوصية، وإقامة مكتبة القاهرة الكبرى محل القصر بعد ترميمه.
وأضاف ياسر عثمان، أنه منذ ذلك التاريخ والمكتبة التي تقع وسط حديقة واسعة وتبلغ مساحة الأرض التي أقيمت عليها المكتبة حوالي 3475 مترا مربعا، فيما تقام المباني الأصلية على 350 مترا مربعا وتتكون من ثلاثة طوابق، تتلألأ بمختلف الأنشطة وتذخر بصنوف الفكر والفن والمعرفة والثقافة.
وأوضح أن مكتبة القاهرة الكبرى مكتبة عامة للجمهور ومتاحة لجميع الأعمار والفئات، وتحتوي على فنون القاهرة، الدوريات، الميكروفيلم، جغرافيا وخرائط القاهرة والتي تم تحويلها جميعا إلى خرائط رقمية (ديجيتال).
وتضم المكتبة أرشيفا كاملا من الميكروفيلم والميكروفيش يضم جميع أعداد جريدة ((الأهرام)) منذ صدور العدد الأول في 5 أغسطس 1876، وكذلك جميع أعداد مجلة ((دار الهلال)) و ((كتاب الهلال))، ومجلة ((المصور))، وكذلك كتب التراث مثل كتاب ((وصف مصر)) الذي أعدته الحملة الفرنسية على مصر، و((خطط المقريزي))، ((الخطط التوفيقية))، وكل تاريخ مصر بكل عصوره، بحسب مدير المكتبة.
كما تضم المكتبة وصف وتناول كامل لكل مدينة وكل قرية وكل حارة وكل زقاق في مصر، وكل الأماكن والأنشطة وحتى الأشجار التي لها تاريخ في مصر.
وفي هذا الصدد، نوه عثمان بأن المكتبة تنظم سنويا مسابقة بين الباحثين عن أحياء وشوارع القاهرة لعلاج أي قصور في الكتابات، يرجع فيها الباحث إلى التاريخ الشفاهي من خلال التحقيق الاستقصائي.
كما ترصد المكتبة كافة الأحداث التي يشهدها كل مكان في القاهرة والشخصيات التي ارتبطت به وكيف تفاعلت معه وأثرت فيه وأثر فيها، والتي يؤكد مدير المكتبة أنها موضوعات لا يتطرق إليها الكتاب المكتوب في كثير من الأحيان.
وأشار ياسر عثمان إلى أن المكتبة تحتوي على 120 ألف مجلد ما بين مراجع علمية وقواميس، باللغات العربية والانجليزية والفرنسية، فضلا عن الدوريات والكتب العلمية في كل المجالات وفي مختلف العلوم في التاريخ والجغرافيا الديانات والعلوم الفنون التكنولوجيا الآداب والفلسفة والسياسة والإدارة والسياحة وجميع المعارف البشرية.
ولفت إلى أن المكتبة يرتادها يوميا ويتعامل معها في المتوسط حوالي 2000 شخص يوميا سواء بشكل مباشر أو من خلال التواصل الالكتروني، لحضور الأنشطة الثقافية والفنية المتعددة التي تشهدها المكتبة بشكل يومي.
وتتعدد أنشطة وفعاليات المكتبة اليومية ما بين مناقشة وعروض للكتب المهمة التي تهم المجتمع، والحفلات الفنية، وندوات ثقافية، ولقاءات شعرية، ومؤتمرات فكرية وورش عمل للشباب للابتكار والمشروعات الصغيرة والأنشطة العلمية المختلفة.
وتحرص المكتبة على تقديم النماذج المشرفة والايجابية للشباب في مختلف المجالات وكذلك تشجيع الجميع على الاستفادة من أصحاب التجارب المبتكرة والمبدعة، وتقديمها للمسئولين لوضعها موضع التنفيذ والاستفادة منها.
وفيما يتعلق بتأثير تكنولوجيا المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي على الثقافة بشكل عام والمكتبة بشكل خاص، أكد عثمان أنها سلاح ذو حدين، أحدهما إيجابي ونافع ويساهم في إثراء الفكر والثقافة وسرعة الحصول على المعلومات.
وتابع "وهنا يبرز دور المكتبات العامة لتوعية الشباب وتنظيم ندوات حول الاستخدامات الإيجابية والنافعة للشخص والمجتمع في تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي، وتنظيم ورش عمل حول تصنيع الروبوت وتوظيفه باعتبار أنه سيكون لغة العصر حاضرا ومستقبلا، وفي مكتبة القاهرة الكبرى لا يمر شهر إلا ويكون هناك ورشة أو أكثر عن تكنولوجيا المعلومات والروبوت".
وأما الجانب الأخر فهو سلبي، ويتمثل في محاولات الاختراق الفكرى والثقافي وطمس الهوية والسيطرة الثقافية والمواقع الاباحية، ومحاولات التشويه التي تعرض لها التاريخ والتراث المصري خاصة منذ العام 2011، مشددا على أن المكتبة، والمؤسسات الثقافية لعبت دورا مهما في الحفاظ على الهوية الوطنية، وتصدت لمحاولات الاختراق الفكري والثقافي وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي.
ولفت إلى أن مرض فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19) وعلى الرغم من سلبياته وأضراره الهائلة إلا أنه كان له جانب إيجابي مهم خاصة بعد لجوء وزارتي التعليم والتعليم العالي إلى كتابة البحوث العلمية بدلا من الامتحانات التقليدية، ما جعل هناك اقبال كبير جدا على المكتبة من مختلف الأعمار والفئات التعليمية سواء بشكل مباشر من خلال الحضور أو من خلال التواصل مع المكتبة الكترونيا والحصول على الخدمات المطلوبة خاصة من القاطنين خارج القاهرة للحصول على الكتب الرقمية والـ PDF، والخرائط وشرائح الميكروفيلم والميكروفيش.
وفيما يتعلق بالعلاقات الثقافية المصرية الصينية، أوضح أن "الثقافة الصينية ثقافة فريدة، الصين تهتم بالكتاب بشكل غير مسبوق ولم أراه في حياتي، باعتبار أن الكتاب هو الأساس لكل الفنون أو ثقافة أو معرفة"، مؤكدا أن هذا الاهتمام يؤشر إلى أن الصين ينتظرها مستقبلا باهر في مختلف مناحي الحياة وخاصة المجال الثقافي.
وأوضح أن الحكومة الصينية تولي اهتماما كبيرا بالفنون والثقافة، لافتا إلى أن هذا الاهتمام نابع من تراث حضاري عريق من خلال جذور عميقة ترجع لآلاف السنين، لا تقل عن الحضارة المصرية.
ونبه إلى أن هذا الأمر لمسه بنفسه خلال زيارته للصين وتفقد الكثير من المؤسسات الثقافية والاطلاع على ما وصلت إليه من تقدم، مشيرا إلى زيارته إلى المكتبة الوطنية في الصين ومكتبة بكين واستفادته الكبيرة منها.