- بقلم : د. لبيب قمحاوي
دعوة محمود عباس الأخيرة الى اجراء انتخابات فلسطينية لا تأتي تلبية لمطلب فلسطيني قديم ومستمر ، ولا تأتي تتويجاً لمصالحة فلسطينية – فلسطينية لأن مثل تلك المصالحة لم تتم حتى الآن ، بل تأتي في حقيقتها منسجمة مع مسعى حكام عرب آخرين لإعادة تأهيل أنفسهم وأنظمتهم تمهيداً للإنسجام مع رؤيا الادارة الأمريكية الجديدة ، وتلبية لمستلزمات حقبة ما بعد الترامبية التي قلبت عوالم العرب المقلوبة أصلاً وانتهكت بوقاحة كافة المحظورات الفلسطينية .
الانتخابات الفلسطينية تأتي في توقيتها كمحاولة لإعادة تأهيل القيادة الفلسطينية الحالية وإضفاء شرعية انتخابية جديدة عليها تؤهلها للعب دور مرسوم لها ومطلوب منها بالتنسيق مع الادارة الأمريكية الجديدة . وهذا يفترض بالضرورة أن نتائج تلك الانتخابات قد تكون محسومة في ذهن السلطة الفلسطينية حتى قبل اجرائها ومعرفة نتائجها خصوصاً إذا كان الهدف تجديد الشرعية وليس تغيير القيادة أو تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية . ومن هنا فإن الحديث قد يكون أقرب الى الصحة والدقة إذا ما إفترضنا أن النتائج المتوقعة من الانتخابات تعـني عملياً مزيداً من الفرقة والانقسام الفلسطيني كون الهدف الحقيقي من إجرائها هو اعادة تأهيل القديم بثوب جديد دون تغيير المحتوى .
من المؤكد أن ادارة بايدن لن تقوم بتغيير سياسة الدعم المفتوح المتواصل لإسرائيل أو بالغاء أية مكاسب حصلت عليها اسرائيل من ادارة ترامب . ماهو متوقع لن يتجاوزعملية تخفيف العداء الملحوظ الذي مارسته ادارة ترامب تجاه الفلسطينيين من خلال اجراآت شكلية مثل عودة الدعم المالي للسلطة الفلسطينية ولوكالة الغوث ، وربما إعادة فتح مقر السلطة الفلسطينية في واشنطن والقنصلية الأمريكية في القدس الشرقية ، وإعادة انتهاج نفس السياسات التقليدية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية . إذا كان الوضع كذلك ، فلماذا يسعى محمود عباس الى اعادة انتاج نفسه وسلطته الفلسطينية من خلال دعوته الأخيرة لإجراء الانتخابات ؟
الدعوة الى اجراء انتخابات فلسطينية هي في حقيقتها نتيجة لواقع محمود عباس كرئيس سلطة مهلهلة انتهت ولايته ولم يقم بتجديدها من منطلق ايمانه العميق بالحكم الفردي . الانتخابات هي محاوله يائسه لإعادة تأهيل محمود عباس وسلطته المتهاوية كمدخل للإستمرار في لعب دور سياسي في ظل متغيرات شكلية سوف ترافق ادارة الرئيس الأمريكي الجديد وسياساتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية ومتطلباتها الايديولوجية العامة في تعزيز النهج الديموقراطي وحقوق الانسان .
يبدو أن أولويات السلطة الفلسطينية قد التبست عليها مجدداً . التحدي العاجل يكمن الآن في العمل على وقف مسارالتطبيع العربي المتسارع مع اسرائيل ، وهذا يتطلب اعادة انتاج العلاقات العربية – الفلسطينية وليس السعي الى ارضاء الادارة الأمريكية الجديدة حصراً ، خصوصاً وأن موقف هذه الادارة تجاه اسرائيل لا يختلف في جوهره عن ما سبقها من إدارات وإن كان قد يختلف في الأسلوب وفي تغليف الانحياز الحقيقي لإسرائيل بقشور العدالة والاهتمام بالفلسطينيين .
اسقاط التطبيع العربي مع الكيان الاسرائيلي هو في الأساس مسؤولية فلسطينية وجماهيرية عربية . وهذا يتطلب من القيادة الفلسطينية اعادة تأكيد دور الحاضنة العربية للقضية الفلسطينية والعمل على تفعيل هذا الدور بعد أن قامت قيادة منظمة التحرير بعد عام 1969 برفسه بعيداً تحت شعار استقلالية القرار الفلسطيني وما تلاه من مقررات الرباط عام 1974 ، بالاضافة الى ضرورة وأهمية التأكيد المستمر على خطورة السياسات والمطامع الاسرائيلية على مصالح دول العالم العربي بلا استثناء في كل زمان . واذا كان من غير الممكن إلغاء ذلك التطبيع ، فمن الواجب العمل على وقف امتداده بكافة الوسائل .
إن المحاولات العربية والفلسطينية والأمريكية الجارية الآن لإعادة خلق وهم "حل الدوليتين" بإعتباره شعار المسار الجديد للإدارة الأمريكية الجديدة هو استخفاف بالعقل الفلسطيني ، خصوصاً وأن الأنظمة العربية ابتدأت في عزف موسيقى " حل الدولتين " وكأن هذا الحل كان مفقوداً وتم العثور عليه الآن . "حل الدولتين" هو معزوفة قديمة بالية مستهلكة منذ عقود .
ان ما يجري الآن من ترويج نشط وملحوظ لشعار "حل الدولتين " يأتي منسجماً مع سياسات الادارة الأمريكية الجديدة كونه يعكس في حقيقته هدف خلق وهم السلام وليس بالضرورة تحقيقه بهدف تخفيف الاحتقان في المنطقة ، وربما تبرير مسار جديد من السياسة العربية - الأمريكية يهدف الى خلق أجواء ملائمة لمزيد من التطبيع العربي مع الكيان الاسرائيلي كثمن يدفع مقدماً تمهيداً للوصول إلى حل الدولتين المزعوم . إن حل الدولتين لا قيمة له بدون التزام أمريكا بتحديد ماهية وطبيعة الدولة الفلسطينية المنشودة وعدم الاكتفاء بترديد العنوات ففط .
الحلم العربي والفلسطيني الدائم بأن يأتي الحل من الخارج وبالتحديد من أمريكا سوف يبقى وهماً . الحل لن ياتي إلا من الداخل الفلسطيني أولاً والعربي ثانياً ولن يهبط علينا من السماء حتى لو كانت المظلة أمريكية .
24/01/2021
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت