- عمر حلمي الغول
منتصف ليل الأربعاء الخميس (4/2/2021) صمت شهريار عن السؤال والكلام المباح والبحث وتوثيق جرائم الإغتيال في لبنان المثقل بكواتم الصوت ورسائل الموت والإغتيال والخطف. رصاصات غدر اربع أوقفت نبض ولسان لقمان سليم الكاتب الإعلامي، وصاحب مركز "امم" للابحاث في الضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت، واحدى قلاع ونفوذ حزب الله.
كان لقمان صاحب الصوت والكلمة الشجاعة معارضا لحزب الله ودولة ولاية الفقيه في ايران، وهو الشيعي ( وآسف على استخدام المفهوم الطائفي الدارج والمتداول في اوساط الشعب الشقيق) اللبناني العربي الديمقراطي، والمقيم في عقر دار ومركز قرار حزب الطائفة والدولة الفارسية. لم يخشَ التهديد بالقتل، ولا الترهيب، وكان يعلم علم اليقين، ان اسمه مدرج على قائمة الإغتيال، لكنه لم يكن يعرف بالضبط متى؟ وكيف؟ وأين سيتم إغتياله؟ وكأنه نذر نفسه للموت دفاعا عن الكلمة الصادقة، تلك الكلمة الشجاعة، والثقيلة، كلمة الحق أمام وعلى سلطان جائر. لإنه آمن بكلمة الحرية، وسيف العدالة، والمحبة والسلام والإيمان بالحق.
كان لقمان فارسا من طراز مشاكس، لا يعرف المهادنة، ولا المناورة، ولا الكذب على الذات والآخر، ولا طأطأة الرأس امام سطوة البارود والرصاص الغادر، بقي صامدا في بيته في حارة حريك، لم يغادرها، ولم يتراجع قيد انملة عن مواقفه المعارضة للحزب ودولته الراعية في طهران. هكذا كتبوا عنه اقرانه من المثقفين والإعلاميين، الذين عاشروه، وعايشوه، وللأسف لم اتشرف بالتعرف على شخصه، رغم اني عشت في لبنان عموما والعاصمة بيروت خصوصا سنوات طوال، ورافقت عشرات الكتاب والإعلاميين والمثقفين اللبنانيين ومن مختلف التوجهات الفكرية والسياسية والمعرفية، وكتبت في المنابر الإعلامية الرئيسية، وتنقلت بين مكاتب وكالات الإعلام جميعها تقريبا.
مع ذلك شرط الكتابة عن شخص أو حزب او حركة أو نظام ما، مَّثل روح البطولة والشجاعة، أو لأي سبب يخص الكاتب لا تحتاج إلى معايشة، او إلى جسر من المودة والصداقة لتكتب عنه، وبالتالي الكتابة عن لقمان اللبناني العربي، هي الكتابة عن كل اللقمانات العربية في الوطن العربي الكبير، الذين دافعوا بالكلمة الحرة والجريئة والمسؤولة عن حرية وسيادة اوطانهم وشعوبهم في مواجهة الأعداء والطغاة والمستبدين ورجال الكهنوت عموما والإخوان المسلمين من السنة والشيعة والطوائف والمذاهب المختلفة.
شهيد الكلمة والموقف، لقمان سليم هو الإمتداد لإولئك المناضلون اصحاب الكلمة النابضة بالحياة، حملة مشعل التنوير، والإنفكاك من حصار التبعية والإستعمار وانظمة الفساد والتابوهات المنغلقة والأقصوية الدينية والوضعية، أمثال غسان كنفاني وكمال ناصر وماجد ابو شرار وناجي العلي وكمال جنبلاط ومهدي عامل وحسين مروة وسمير قصير وفرج فودة ونصر حامد ابو زيد وشكري بلعيد ومهدي بن بركة وغيرهم الكثير ممن قضوا نحبهم على درب الحرية، الذين مازالت كتاباتهم ومواقفهم الفكرية السياسية والثقافية تخلد ذكراهم.
ولا يضير الراحل لقمان القامة اللبنانية المتميزة الجملة، التي كتبها نجل أمين عام حزب الله جواد نصرالله بعد دقائق من الإعلان عن إغتياله، وعكس فيها حقده ونقمته وغله بالقول "خسارة البعض، هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب"، وارفقها بهاشتاغ "بلا اسف"، التي حذفها بعد الحملة التي طالته على مواقع التواصل الاجتماعي، مدعيا انه لا يقصد شهيد الكلمة. لإنه (لقمان) أكبر وأجل من خصومه واعدائه، ولم يهابهم، وكان يدرك ان رصاصة الغدر ستأتيه ذات يوم. لا سيما وانهم هددوه الف مرة بالقتل.
رحل شهيد الكلمة المسؤولة تاركا خلفه ميراثه الفكري والسياسي والثقافي، ومركز "امم" المنارة المشعة بالأمل وسط اسوار الخفافيش من اصحاب العمائم الفاسدة، الذي سيبقى نقطة الضوء حتى ينقشع الظلام الدامس من الضاحية وكل لبنان. لإن هناك رجال آمنوا بفكر وخيار لقمان سليم، ولن يرفعوا راية الإستسلام أمام بلطجية كواتم الصوت والرصاص الغادر والجبان من كل الطوائف.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت