-
اشرف صالح
إن صمت المواطن الفلسطيني على الإنقسام طوال السنوات الماضية , خشية منه أن يترجم نزوله للشارع الى ثورة ضد الحاكم , وتتحول الشوارع الى دماء مهدورة , جعل الأحزاب السياسية تعتقد أن المواطن لا يعرف شيئ بما يدور حوله , وبالتالي فلا يملك إلا أن ينتظر تطبيق مخرجات الإجتماعات بين الأحزاب والتي بدأت منذ أربعة عشر عاماً ولم تنتهي بعد , وحتى في إجتماعات القاهرة المنعقدة الآن فلا زالت الأحزاب تتشاور على قاعدة أنها صاحبة الولاية وصاحبة الحق في إبطال الإنتخابات في أي لحظة وبحسب مزاجها العام أو أجندتها الخارجية , ولهذا السبب بالذات نجد أن الشارع الفلسطيني يترقب الحوارات بخوف شديد , وهذا الخوف بحد ذاته يتولد من القاعدة التي ذهبت على أساسها الأحزاب السياسية الى حوارات القاهرة , وهي أن الإنتخابات الفلسطينية تخص الأحزاب وحدها , وبناء على ذلك تستطيع الأحزاب التحكم بها بعيداً عن إرادة الشعب , وبدليل أن حوارات القاهرة التي تجرى الآن لا زالت تأخذ طابع الحوارات القديمة , والقابلة للفشل في أي لحظة , رغم أنه عملياً لا يجوز أن تحمل حوارات القاهرة الحالية نفس طابع حوارات المصالحة القديمة , لأنه يوجد الآن مراسيم رسمية بالإنتخابات وبتحديد مواعيدها على مرأى ومسمع العالم وبموافقة كافة الأطياف الفلسطينية عليها , وبناء على ذلك فمن المفترض أن تتمحور حوارات القاهرة حول إدارة ولوجستيات الإنتخابات , وليس حول مناقشة قوانين وسياسات وملفات شائكة ليس لها علاقة بطبيعة مفهوم الإنتخابات كونها حق للشعب وليس للأحزاب .
إن المواطن الفلسطيني واعي بما يدور حوله جيداً , ويعرف تماماً حقوقه وواجباته , ولو قارنا بينه وبين الأحزاب السياسية والتي تتعامل معه وكأنه كمالة عدد , لوجدنا أن الأحزاب هي الخاسرة , لأن دليل خسارة الأحزاب في هذه المقارنة هو وجود إنقسام نتيجة فشلها المتكرر بإنهائه , وحتى أن الأحزاب فشلت في إدارة الحوارات بحد ذاتها , وأكبر دليل على ذلك هو وجود هذه الحوارات خارج فلسطين , وبرعايات مختلفه ومتعددة , وزد على ذلك أن كل خطوة تخطيها الأحزاب تحتاج الى ضمانات دولية , إذاً فصمت المواطن الفلسطيني ليس شهادة على عدم وعيه , بينما فشل الأحزاب السياسية في إنجاز مجرد ملف داخلي يسمى بالمصالحة هو أكبر دليل على عدم وعي الأحزاب .
أعتقد أن الدلائل كثيرة على وعي المواطن الفلسطيني بما يدور حوله , فعدم نزول المواطن الى الشارع بسبب القيود الأمنية , لا يعني أنه عديم التعبير عن راية , فالمواطن الفلسطيني عبر عن رأية على كل منصات التواصل الإجتماعي , وفي كل وسائل الإعلام , وعبر عن رأية عبر مؤسسات المجتمع المدني , والنقابات والإتحادات وحقوق الإنسان وجميع الأطر المهنية , وحتى في الأطر السياسية كان هناك تعبير عن الرأي , ولكن التعبير السياسي يدخل في سياق المنافسة أو الحرب بين الأحزاب , فمثلاً إبن حماس يقول في فتح ما قاله الإمام مالك في الخمر , وكذلك إبن فتح يقول في حماس ما قاله الإمام مالك في الخمر , ويعتبر تعبير الموطن من داخل حزبة وعياً مؤطراً ومسيساً , وبحاجة الى الخروج كي يتطور ويصل الى مرحلة تحديد جهة الخطأ وجهة الصواب بشفافية ونزاهة , ولا يتقصر وعي الموطن على الحراك المؤسساتي والكتابة على التواصل الإجتماعي وإبداء رأية عبر وسائل الإعلام , إنما ثبت هذه الأيام أن الإقبال على التسجيل للإنتخابات كبير , وهذا يدلل على أن المواطن يعرف حقه جيداً في الإنتخابات , ويعرف أنه مصدر للسلطات , وحتى وبحسب التوقعات أن الأيام القادمة ستشهد تغير واضح في خريطة الإنتخابات , وهذا التغير يتمثل في مشاركة كبيرة من المجتمع المدني والمستقلين من خلال قوائم غير حزبية , وحتى على مستوى الرئاسة فمن المتوقع أن يزداد عدد المرشحين للرئاسة كمستقلين .
السؤال المهم في هذا المقال والذي يدور في عقل المراقبين حول العالم , وهو , لماذا المواطن الفلسطيني والذي نضرب فيه المثل بالشجاعة , والذي يعرف ويعي كل ما يدور حوله , لماذا لا يتحرك فعلياً في الشارع لتغيير الواقع كما حدث في البلدان العربية ؟ الإجابة بكل صراحة وقد يعرفها الإقليم أيضاً , وهي تعتبر الإجابة الأهم من سبب خشيته النزول الى الشارع بسبب مفهوم الثورة وحمام الدم والقبضة الأمنية , هي أن المواطن الفلسطيني يرتبط بمصدر دخله إرتباطاً كلياً بصانعي القرار أو الحاكم الفعلي أو الحزب المهيمن , سواء كانت وظيفة أو بطالة أو عمل أو مساعدات أو أو أو...إلخ , وهذا الإرتباط بحد ذاته يعتبر قيد يكبل المواطن ويجعل له خط رجعة وسقف معين , وحتى في سياق ما ذكرت أعلاه من أدوات التعبير عن الرأي , نجد أن المواطن أصبح له سقف ومرجعية لسلوكه التعبيري , وبالطبع كلها مرتبطة بلقمة العيش , فالقيود المعيشية والأمنية ترجمت شخصية المواطن الفلسطيني أمام الساسة وأصحاب القرار , على أنها غير واعية وغير مثقفة سياسياً وقانونياً , ولهذا نجد عزلة كبيرة بين الأحزاب السياسية والحكام وبين المواطنين , وهذا أدى بالطبع الى أن الأحزاب السياسية أصبحت تخطئ وتتمادى في الخطأ , وأصبت تفشل وتتمادى في الفشل , في حين أنه لا زال المواطن وسط القيود ينتظر موعد الإقتراع , كي يمارس حقه ويثبت أنه صاحب الإختيار الصحيح .
كاتب ومحلل سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت