الانتخابات والفرصة الأخيرة

بقلم: محمد الحسيني

محمد الحسيني
  • بقلم: محمد الحسيني

الوطن ليس كلمة عابرة في قاموس اللغة ... ولاهي مجرد مؤسسة تجمع الناس لتحقيق أهداف محددة ... ومصير الوطن ومستقبله لايمكن إختزالة بعبارات التخطيط الجيد أو الإدارة الناجحة فقط ... والمواطن ليس الفرد في هذا الوطن الذي يعتبر عنصراً محركاً للتنمية والتطور فقط ... ففي ضمير الشعوب وفلسفة التاريخ الوطن كلمة جامعة لأحلام الناس وآمالهم وتراثهم وانجازاتهم ... وحضارتهم المتراكمة عبر كل العصور ... الوطن هو الأم وهي أقرب كلمة إلي توضيح المعني منها ... هي التي تعطينا الحياة ... والقدرة علي الاستمرار والتقدم ... لاشيء يشبه الوطن ... ولو كانت هذه الكلمة المفردة تعني الأرض التي نعيش عليها لأصبحت كل بلاد العالم وطن ... ولتركها الناس إلي أي أرض أخري ... فلماذا يموت الناس دفاعاً عن أوطانهم ... ولماذا قال الله سبحانه وتعالي في قرآنه الكريم في "ولو أنا كتبنا عليهم أن أقتلوا أنفسكم أو أخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم"... والمواطن هو أصل الحكايات كلها ... الهدف والغاية والوسيلة ... كل شي في أي مجتمع نخطط أو نفكر فيه نبدأ أولاً بقياس مدي انعكاسه سلباً وإيجاباً علي الناس ... لأن المواطن هو كل البدايات لأية مشاريع وكل النهايات ... وهو الرافعة أيضاً .

في علم أنظمة الحكم تتولي الدولة أو الحكومة بموجب العقد الاجتماعي للإنابة عن الشعب في إدارة وتنظيم شئونه ... وهدفها وهمها وغايتها هي كيف تحقق للناس أحلامهم ... وطموحاتهم ... تحافظ علي مستقبلهم وأمنهم ورفاهيتهم ... هذه هي الدولة ... وهذا هو الهدف من وجودها .

 

طرنا فرحاً عندما سمعنا بالانتخابات و المصالحة الوطنية التي طالما نادينا وحلمنا جميعاً كفلسطينيين بها ... وهدأت أعصاب الشعب المنهك ... وعادت فسحة الأمل تطل من جديد .... وبدأ الحديث عن الخطوات التنفيذية ... وتطاير الكلام عن سياسات الحكومة القادمة وتبعثرت المعلومات حول نقاط البحث والخلاف  ... وهنا كان يجب أن ينقبض قلبنا مرة أخري .... ونحن نري الأخطاء نفسها تتكرر نفس السيناريو الذي أوصلنا إلي أصعب مرحلة مر بها شعبنا في تاريخه الحديث المرحلة التي بدأت في نهاية الثمانينات واستمرت في التسعينات وحتى الآن ... وهي الصراع والاستقطاب الحزبي ... والفصائلي ... الذي لم يتم وفق الأصول في الدول المتحضرة ... بل انزلق في اتجاهات دمرت شعبنا والهدف هو الكم أي كم بغض النظر عن الكفاءة والنزاهة والقدرات .... زاحم ضعاف النفوس ... وفقراء الضمائر ... وبسطاء التفكير ... المفكرين القادة ... والأشراف من أبناء الشعب  وأخذوا يطلون برؤوسهم في الواجهة ويتولوا مناصب عليا... وجرونا إلي الحضيض .

 

في أي مجتمع  الكفاءات القادرة ... والمتسلقون لايجتمعون في كفة واحدة ... ومن يعرف وضعنا في السبعينات والثمانينات ... يعرف كم تراجع مستوانا واحترام العالم لنا ... كنا كما قال الشهيد القائد أبو عمار ... نبني ديمقراطية وسط غابة من البنادق ... عندما كانت الكفاءات تحكم ... ولكن الصراع البائس لحشد الأرقام ... رمي بالكفاءات خارجاً ... وقفز إلي الواجهة رجال لا يستطيعوا  التخطيط  ولا الإدارة ... ولا حتى يتمتعوا بحسن الخلق ... والحس الوطني الصادق فوصلنا إلي ما وصلنا إليه .

 

وحتى التجارب السابقة لتحقيق الوحدة الوطنية ... قادتنا وعلي أكثر من صعيد إلي توافق سلبي أضر الوطن ... وظلم المواطن فالهدف انحصر في أن كل فصيل وكل حزب يريد أدوات سهلة الانقياد ... يمكن شطبها بسهولة من الواجهة  وإحضار دمي آخري ... ليبقي الأمر بين الفصائل ...لم نستطيع ولا مرة الفصل بين القيادة السياسية ... والإدارة التنفيذية الممثلة بالحكومة وإدارتها علي الأرض ... لم نعرف كيف نجعل الحزب شيء والحكومة مؤسسة أخري . الكل يبحث عن المكاسب لتعزيز تواجده في الادارات الرسمية ... وبقينا بعيداً عن الديمقراطية الحقيقية ودولة المؤسسات ... والتي يتم فيها الفصل بين اختصاصات المؤسسة الحزبية عن الحكومة عن القضاء ... الخ ... لو فعلنا ذلك نكون نبني دولة ... ونخدم الوطن ونحقق أحلام الشعب ... فعندما نبني مؤسسات قوية فاعلة ونزيهة ...  و نعرف أن إدارة شؤون الناس ... يجب أن تكون للقوى الأمين .... صاحب الكفاءة العالية والمهنية المتطورة ... والأيادي البيضاء والقلوب الخيرة والعقول النيرة ... وليس الدمى  التي تتراقص بأيدي الآخرين ...بذلك نكون خطونا باتجاه خدمة الوطن والمواطن .

 

لان الوطن أغلى منا جميعا والمواطن هو الهدف كان لزاماً .... علينا أن نقف ونقول كفى ... ألف كفى للسياسة العرجاء وللاستقطاب البغيض ... علينا بلورة ميثاق شرف وطني ملزم... يحرم علينا جميعا أن نسمح للاستقطاب أن يتم بأي ثمن .... علينا أن نحدد معايير القيادة... ومواصفات من يتولى الشؤون العامة ... علينا أن نلملم عقولنا المهاجرة وكوادرنا المنعزلة عن خضم الصراع الفارغ ... ونوحد الشرفاء والأوفياء ... ونوصلهم ليتولوا إدارة  شئوننا ... ويقودوا الشعب الصابر نحو مستقبل يستطيع أن يحقق له الكلمات الضائعة من قاموس  حياته (الأمان –  الكرامة – الثقة – التفاؤل – العدالة- الرفاه) ... يحق لنا أن نتساءل إلى متى سنظل نذبح الوطن والمواطن لنبني كنتونات حزبية فصائلية, إلي متى يجب أن يبقى عقل ونخب الأمة خارج المعادلة ... متى سيعود الشرفاء –الأمناء – الحكماء– الصادقين ليصبحوا في الطليعة.

إذا كان المتصالحون صادقون في نواياهم...فهناك محددات بدونها لا داعي أن نعلق آمالا كبيرة علي  المصالحة وهذه المحددات هي:

 

المحدد الأول ..اخراج الحكومة  من دائرة الاستقطاب  الحزبي وتقديم الكفاءة والمهنية  في تشكيل السلطة التنفيذية تضع إطار وسياسة واضحة... وكل العاملين  في الوزارات والمؤسسات الرسمية جميعا يجب أن يكونوا  مشهودا  لهم بأنهم من العقول النيرة  والأبناء الأوفياء لوطنهم ... وذوي سمعة طيبة مهنيا وإداريا وأخلاقيا ...... القادرين على قيادة السفينة إلى بر الأمان ... وتتولى القيادة السياسية والحزبية محاسبتهم عندما يخطئون هذه الحكومة وكافة العاملين فيها يفضل أن يكونوا من الخبراء والتكنوقراط ويجب أن لا يكون لهم دور سياسي ... وعليهم العمل بأسلوب مهني متقدم .

 

المحدد الثاني ... الادارة الناجحة للاقتصاد  بتوفير الدعم والمساندة للقطاع الخاص المدمر وتعمل كل جهدها لإحداث انتعاش وتنمية اقتصادية حقيقية.

 

المحدد الثالث .. يجب أن تعطي الحكومة الأولوية  لجيل الشباب الذي فقد كل مقومات الأمل بالمستقبل علي أرضه.. وبدأ يتجه لمنحنيات خطرة سواء في الرغبة بالهجرة أو الجوانب السلوكية .

 

 المحدد الرابع ...التركيز علي المواطن واعادة بناء وتأهيل المجتمع فكريا وتربويا وسلوكيا ونفسيا بعد الأحداث التي هزت الأمن الاجتماعي .

 

المحدد الخامس .. الصياغة الوطنية الموحدة للاستراتيجيات والأهداف والسياسات الوطنية داخليا وخارجيا وبناء كافة المؤسسات علي أساس الشراكة الشاملة وليس المحاصصة الحزبية ..لضمان أكبر المكاسب لشعبنا وقضيته العادلة.  

 

   المحدد السادس... تبنى المنهج العلمي في التخطيط والإدارة ... والتعامل مع كامل الملفات بشفافية مجردة ونزاهة ... وتقديم الخدمات للمواطن بصورة ترتقي لتضحياته وبطريقة تحفظ كرامته ... وتحقق العدل والمساواة للجميع في هذا الوطن.

 

المحدد السابع... التركيز علي الانتاج للسلع واستثمار الموارد كافة بأفضل السبل لبناء بنية اقتصادية حقيقية توفر الأمن الاقتصادي ,تغير نهج الاعتماد علي المساعدات وتحكم الجانب الاسرائيلي بالاقتصاد الفلسطيني التابع له.

 

المحدد الثامن...اطلاق الطاقات الوطنية والتكامل مع شرائح المجتمع وتبني المبادرات الخاصة وتوفير الضمانات لها والحماية من المخاطر.

 

المحدد التاسع.. التخلي تماما عن سياسة أقصاء الآخر بغض النظر من ينجح عليه ان يبني شراكة وطنية من الجميع لبناء وطن للجميع.

 

هذا ما يجب أن تكون عليه  محددات الحكومة  والمتصالحون إذا كان الهدف خدمة الوطن والمواطن ... ويبقى القرار لكل من له ضمير حي يصرخ معنا ويقول كفى ... كفى ... (تعبنا من كلاب البحر تحت الأشرعة ... من كلاب البحر فوق الأشرعة ... من رقاد الضبع في جرح النخيل ... كما قال الشاعر الراحل معين بسيسو رحمه الله) ... ونناشد الفصائل الفلسطينية كافة ونقول لهم رجاءا حكموا ضمائركم وكفى .

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت