- د. خالد معالي
في الحالة الفلسطينية باتت الأمور تتعقد أكثر فأكثر كل يوم، فيما لو تركت كما هي دون تحريك للمياه الراكدة ودون تجديد شرعيات تمثل الشعب الفلسطيني حقيقة، ولا يكون ذلك إلا عبر صناديق الاقتراع بنزاهة وحيادية، والقول ان الاحتلال سمح بها، وتحت سمعه وبصره، هو كلام للوهلة الأولى صحيح، ولكن عند التدقيق والتمحيص يظهر عكس ذلك، فهو بحاجة لتدقيق اكثر، فالانتخابات حق كل فرد وشعب سواء كان تحت احتلال ام لا، واصلا جرت انتخابات قبل "اوسلو" ، ولا يصح خلط الحابل بالنابل هنا.
من بشائر اجراء الانتخابات هو الحراك الانتخابي الذي يجري على مختلف المستويات، خاصة لدى حركة فتح، فهناك عدة تيارات، يحاول كل تيار ان يثبت موقعه عبر اختيار أفضل ما لديه وما في جعبته، ومن هنا فان فتح او غيرها لا يقدر على طرح اسماء غير تلك التي لها رصيد شعبي وتنظيمي وجماهيري واخلاقي عالي، وهذا يصب في صالح الشعب الفلسطيني الذي يريد التغيير والتجديد وانتخاب قيادات نخبوية مبدعه ذات رؤى وبرامج وخطط حكيمة قابلة للتطبيق، تخلصه من الضغوط نحو كنس الاحتلال.
على مستوى الحراك الانتخابي الحاصل، فان قوى اليسار او المستقلين باتت تخضع قسرا لاسئلة صعبة، فاليسار ما زال يرى ان افضل طريقة لاثبات نفسه وتحشيد الجماهير هو الانتقاص والتهجم على الفصيلين الاكبر فتح وحماس، وهذا غير مجدي، والافضل برأينا لو انهم اعادوا التقييم واخذ العبر وتطوير انفسهم لمواكبة المستجدات والمتغيرات، ولكنهم حسب قرائتنا لن يفعلوا من ذلك شيئا وسيراوحوا مكانهم بفعل عنادهم واصرارهم على التمسك بافكار وطرق واساليب ثبت فشلها في مهدها.
لكن بالمقابل قد نتفاجئ بقوة للمستقلين في حال وحدوا أنفسهم في قوائم، والسبب قد يعود للقائمة المشتركة – ان حصلت - بين فتح الرسمية وحماس- كونها عند ذلك سنرى جيل مكون من مليون صوت جديد وهو مليون شاب لم يشاركوا في انتخابات عام 2006 قد يقرروا دعم برنامج للمستقلين إن استطاع المستلقون بلورة برنامج يضاهي برنامجي فتح وحماس، وهذا برأينا صعب جدا، لعوامل كثيرة أهمها برامج مقنعة قابلة للتطبيق على ارض الواقع والتمويل .
المشككون كثر وهذا ديدنهم عبر كل انتخابات أو محاولات للتغير، حيث يذهب البعض للقول أن الانتخابات لن تغير واقع، والبعض الآخر يذهب بعيدا ويقول أنها حرام شرعا، في فهم خاطئ وتفسير غير دقيق لفقه الاولويات او الموازنات، فيما يذهب آخرون للقول أنها تحت مظلة"اوسلو" ولا يصح إجرائها لان هذا معناه اعتراف وإقرار به.
لماذا تتدخل مخابرات عربية بانتخابات فلسطينية؟! الجواب سهل جدا، فهم يريدون نتائج انتخابات على مقاسهم، لا تشوش عليهم كراسيهم، لأنه في حال نجاح انتخابات فلسطينية نزيه، سيتساءل المواطن العربي ويقول: انظروا الفلسطينيين تحت احتلال وعملوا انتخابات ناجحة وغيروا قياداتهم دون إراقة دماء أو تخوين أو تهم أجندات خارجية، وهذا ما لا يريده حكام عرب أن يحصل كونهم لا يؤمنوا بصندوق الاقتراع الحقيقي.
صحيح ان الاحتلال يريد نتائج انتخابات فلسطينية تكون على مقاسه، ولكن القوى الفلسطينية التي تعلم وتدرك ذلك مسبقا لن تسمح بذلك، والصراع متواصل، واصلا بامكان الاحتلال ان يقوم بتهجير أهالي الضفة إلى الأردن خلال أسبوع ، فهل يقدر على فعل ذلك مثلا؟! الجواب: لا، فالقوة هناك قيود ومحددات لها خلال استخدامها وليست مطلقة الاستخدام، وعالم اليوم غير عالم الأمس.
لو استعرضنا المشككين والمثبطين ورافضي إجراء انتخابات فلسطينية، لكانت نسبتهم بالكاد تذكر، واصلا هم ليس لهم برامج بديلة او خطط جاهزة لتغيير الوضع وكنس الاحتلال، سوى النقد والتشكيك، وهؤلاء لا وزن لهم كونهم قوة غير منظمة ومبعثرة، واصلا لا يوجد لديهم قدرات ولا أفكار خلاقة للخروج من الوضع سوى التثبيط والتهجم والتشكيك والتجريح.
إذن، بالنتيجة الكلية، أن الانتخابات سواء كانت جبرا وقسرا، أم كانت باخيتار فلسطيني حر وخالص، بضغوط أم بغير ضغوط، فإنها تصب في صالح الفلسطينيين، والحركة بركة، وانظر معي كيف ان المياه الراكدة والساكنة تحركت ولا بد لها أن تخرج أفضل ما فيها، وسنة الحياة أصلا التغير والتبديل، حتى تواصل الحياة وتتطور لدى الشعب الفلسطيني رغم كل المعيقات والتعقيدات والتساؤلات والضغوط ما عرف منها وما خفي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت