هل يسعى بايدن لترويض نتانياهو؟

بقلم: نهاد أبو غوش

نهاد أبو غوش
  • نهاد أبو غوش

أكثر من ثلاثة أسابيع مرت على تنصيبه، والرئيس جو بايدن لم يرفع بعد سماعة الهاتف لمحادثة حليفه الأقرب بنيامين نتانياهو، في الوقت الذي وجد فيه سيد البيت الأبيض الجديد وقتا كافيا لمحادثة أكثر من عشرة رؤساء وزعماء لدول صديقة للولايات المتحدة كبريطانيا وكندا، أو أن ثمة إشكالات معها من مخلّفات عهد ترامب مثل الصين وروسيا، فلماذا إذن يبخل بايدن بمكالمة من بضع دقائق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يتلهف لمثل هذه المكالمة أكثر من أي شخص في العالم؟

الصحافة العبرية انشغلت بهذه القضية، وراحت تنبش في تاريخ العلاقة بين الرجلين، وتساءل داني دانون مندوب إسرائيل السابق في الأمم المتحدة علنا وبشكل مثير عن هذا الأمر، حيث عدّد في تغريدة له الدول التي اتصل بايدن بزعمائها، وأكمل التغريدة بنشر هاتف مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فأثار موجة من التكهنات والسخرية.

التفسير الأولي لهذا الجفاء، المؤقت بالطبع حيث أن بايدن سيتصل بنتانياهو عاجلا أو آجلا، أنه يتحاشى تقديم خدمة دعائية لنتانياهو بينما يخوض هذا الأخير منافسات انتخابية ضارية، خلافا لما فعله ترامب الذي أجزل في تقديم الهبات والعطايا، على حساب العرب والفلسطينيين كالعادة، لنتانياهو حتى وهو في غمرة معاركه الانتخابية خلال الدورات الثلاث الماضية، وهي هدايا ساهمت في تحسين فرص "بيبي" الذي تحاصره الاتهامات من كل جانب.

لكن، وكما يقول مثلنا العربي الذكي "ليس على رمانة، إنما القلوب مليانة"، فإذا كان ظاهر المسألة فيه شيء من الهزل، ففي باطنها كثير من الجد، دون إغفال أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تختلف عن أية علاقات مميزة مع باقي دول العالم، فهي علاقات تحالف عضوي واستراتيجي، لا تخضع لأمزجة القادة وأهوائهم، بل تحكمها مصالح كونية وإقليمية عميقة، وتنظمها مؤسسات سياسية ودبلوماسية واستخبارية واقتصادية، ويكفي أن نشير إلى أن إسرائيل هي أكبر متلق للمساعدات الأميركية بمختلف أشكالها، سواء من حيث حجمها المطلق الذي يصل إلى نحو عشرة مليارات دولار في العام، أو من حيث نصيب الفرد منها.

لكن هذه العلاقات المتميزة لا تسمح لأي فرد أو زعيم بأن يتجاوز قواعد اللعبة، مثلما فعل نتنياهو حين حاول التدخل في الشؤون الداخلية الأميركية، وخاطب الكونغرس من وراء ظهر الرئيس الأسبق باراك أوباما، وواصل هجومه على قرار الإدارة في ذلك الوقت بإبرام الاتفاق النووي مع إيران. بل إن جو بايدن نفسه يحتفظ بذكرى سلبية من حين قام في العام 2010 بزيارة لإسرائيل بصفته نائبا للرئيس الأميركي، واستغل نتنياهو الزيارة  للإعلان بكل صلف عن طرح عطاء لبناء 1600 وحدة استيطانية في القدس الشرقية، وذلك لكي يوحي بأن الأمر تم بالتفاهم مع بايدن والإدارة الأميركية، ما سبب حرجا كبيرا للمسؤول الأميركي واضطر نتانياهو للاعتذار علنا في وقت لاحق.

الأسابيع الفائتة شهدت أيضا مجموعة من المواقف والتصريحات الاستفزازية الإسرائيلية، من بينها تلويح رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي بعمل عسكري إسرائيلي منفرد ضد إيران، ومواصلة هجوم المسؤولين الإسرائيليين على نية الإدارة الجديدة بعقد اتفاق نووي جديد مع إيران، والمناكفات بين نتانياهو نفسه ووزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكين بشأن السيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السوري المحتل.

ومع معاودة التأكيد على أن الإدارة الجديدة لا يمكن لها أن تمس بمستوى العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ولا بمصالح إسرائيل وتفوقها العسكري، ولا حتى بما قدمه الرئيس ترامب وتحديدا الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية للمدينة المقدسة. إلا أن أولويات الإدارة الأميركية الجديدة سوف تتركز على الجوانب الداخلية وخاصة ترميم ما خربه ترامب خلال ولايته بما يشمل موجات العنصرية والكراهية وأضرار جائحة الكورونا، وفي مجال العلاقات الخارجية فإن إدارة بايدن معنية بتدارك وإصلاح العلاقات مع الصين وروسيا، وكذلك إصلاح الخراب الذي لحق بعلاقة الولايات المتحدة مع بعض جيرانها وحلفائها وبخاصة مع المكسيك وبعض دول الاتحاد الأوروبي.

أما بشأن الشرق الأوسط فمن المستبعد أن تلجأ إدارة بايدن إلى إطلاق وعود عريضة كما فعل أوباما في بداية ولايته الأولى وخطابه الشهير في جامعة القاهرة ، فهي إذا شاءت أن تحرز تقدما جديا في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فليس أمامها من سبيل سوى الضغط على إسرائيل، وهو أمر مستبعد بشدة في ضوء الأولويات الأميركية، ودور قوى الضغط المؤيدة لإسرائيل، والفاعلة داخل المجتمع الأميركي بما في ذلك في قيادة الحزب الديمقراطي والإدارة الجديدة. لذلك فإن أقصى ما يمكن أن تفعله الإدارة الجديدة هو إدارة الأزمات ومحاولات استكشاف فرص تجديد المفاوضات، وربما لجم اندفاع نتانياهو لتنفيذ مخططات الضم، وقد أوكلت الإدارة مهمة متابعة هذا الملف للدبلوماسي ذي الأصل العربي هادي عمرو، ومرجعيته الدبلوماسية ويندي شيرمان، ويبدو أن الرئيس ونائبته لن ينشغلا بهذا الملف أكثر من المتابعة العامة.

ربما تحاول الإدارة الأميركية الجديدة إذن تذكير نتانياهو بضرورة احترام القواعد والأصول، وترويضه ليتذكر أن في البيت الأبيض الآن رئيسا جديدا اسمه جو بايدن وليس دونالد ترامب، فسياسات الولايات المتحدة الكونية تحددها مصالح الولايات المتحدة التي تنظر لها من منظور عالمي وليس من زاوية مصالح إسرائيل المباشرة والضيقة فقط.

 

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت