- نهى نعيم الطوباسي*
بينما تنعم إسرائيل والإسرائيليون بالرخاء والرفاهية والاقتصاد المزدهر، تعمل دولة الاحتلال بكل أجهزتها وأدواتها وسياساتها القاهرة على إفقار مدينة القدس والمقدسيين بهدف تهجيرهم من المدينة وتنفيذ التطهير العرقي.
ففي الوقت الذي تنمو فيه إسرائيل كقوة اقتصادية وعسكرية، ويتعزز نفوذها في العالم، إضافة للتعاون وعقد الاتفاقيات الدبلوماسية والتجارية والعسكرية مع أهم الدول نفوذا وتأثيرا في النظام العالمي، ما أدى إلى تعزيز نفوذ إسرائيل في المنطقة حفاظا على العلاقات العضوية الإستراتيجية التي تربطها بالولايات المتحدة الأميركية، فقد نشر موقع السفارة الأميركية أن العلاقات الثنائية بين إسرائيل وأميركا، علاقات قوية ترتكز على أكثر من ثلاثة مليار دولار سنويا، من المساعدات العسكرية بالإضافة إلى مختلف أشكال الدعم والتسهيلات والمساعدات المالية والاقتصادية الحكومية والخاصة، فبلغ حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل 3.3 مليار دولار سنويا، منذ عام 2019. بالمقابل نشرت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن حجم التصدير في إسرائيل تضاعف ألف مرة خلال نصف قرن، وارتفع من 45 مليون دولار عام 1950 إلى 45 مليار دولار عام 2000، فيما بلغت الصادرات الصناعية 29 مليار دولار في عام 2006.
وأشارت دراسة فضل النقيب التي نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية، أن حجم الاقتصاد الإسرائيلي في سنة 2017 وصل إلى نحو 350 مليار دولار، ونصيب الفرد زاد عن أربعين ألف دولار، وهو مستوى أعلى من مستوى معيشة الفرد في كل من إسبانيا واليونان والبرتغال.
في ذات الوقت الذي يتمتع فيه الإسرائيلي من أفراد وجماعات استيطانية بمستوى عال من الدخل والرفاهية بكل مناحي الحياة على أنقاض بيوت الفلسطينيين وأراضيهم، مقارنة بالمواطن العربي والمقدسي. الذي تضيق إسرائيل الخناق عليه، بهدف كسر شوكته وإجباره على ترك المدينة المقدسة، فقد قوضت إسرائيل فرص نمو الاقتصاد الفلسطيني، وتحديدا في مدينة القدس المحتلة، فالزائر الذي يصل القدس بأعجوبة بفعل الإغلاقات والحواجز، يرى كيف تحولت القدس العاصمة الفريدة في أهميتها الروحية والثقافية والتاريخية لجميع سكان العالم، والتي كانت تنبض بالحياة، وشوارعها مكتظة بالسائحين والزائرين حتى شروق الشمس، قد تحولت إلى المدينة التي تنام باكرا، شوارعها فارغة تغتالها الوحدة وأيادي الاحتلال السوداء.
إسرائيل لم تكتف باحتلال القدس الشرقية عام 1967، بل اخترقت كل القرارات الدولية الخاصة بالوصاية الدولية والوضع القانوني للقدس، فاحتلت عام 1967 القدس الشرقية، وماضية في تنفيذ سياساتها الاستعمارية ومخططها لتهويد المدينة، وتغيير طابعها التاريخي، وتهجير أصحابها الفلسطينيين العرب. فعزلت المدينة جغرافيا واقتصاديا واجتماعيا بفعل جدار الفصل العنصري، في الوقت الذي تمارس إسرائيل الانفتاح التجاري على كل العالم تفرض إسرائيل حصارا اقتصاديا على المدينة المقدسة، من أجل فرض الهيمنة الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني والحيلولة بينه وبين التكامل مع الاقتصاد الفلسطيني.
وأمام هذا الواقع الصعب، فقد أفرغت الأسواق التجارية من المستهلكين من سائحين، ومواطنين مقدسيين وزائرين من كافة المدن الفلسطينية بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطن المقدسي من جهة، والقيود على الحركة من جهة ثانية، وتراجع الحركة التجارية والسياحية والتي تعتبر العمود الفقري للاقتصاد المقدسي، مما أدى إلى عجز أصحاب هذه المحلات التجارية عن دفع الضرائب العالية التي تفرضها إسرائيل منذ عام 1974، وهذا أدى إلى إغلاق العديد من المنشآت الاقتصادية، وإغلاق العديد من المحلات التجارية في الأسواق القديمة، ما يعرضها لخطر التهويد حيث تعتبر هذه الأسواق من أهم معالم المدينة التاريخية، وشاهدة على تاريخ القدس وزيف الرواية الإسرائيلية. عدا عن ارتفاع نسبة البطالة، وضرب الصناعة الوطنية في القدس، كالصناعات اليدوية والحرفية التي تعبر عن هوية المدينة الوطنية، وأصالتها كجزء من الموروث الثقافي، لضرب المنتج الوطني ومنع تصديره، وإغراق الأسواق بالمنتج الإسرائيلي.
أخيرا، إذا كان هناك الكثير من الأغنياء اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين يوظفون مليارات الدولارات والإمكانيات، لصالح إسرائيل، كأمثال اليهود الأمريكيون أصحاب أكبر الشركات في العالم أمثال: لاري إليسون، ومايكل ديل، وليسلي ويكسنر، وأبرزهم شيلدون اديلسون الذي وصفه الرئيس جورج بوش السابق أنه كان وطنيا أمريكيا، ومتبرعا سخيا للأعمال الخيرية وداعما قويا لإسرائيل". أما نتنياهو فقد وصفه بأنه بطل للشعب اليهودي والدولة اليهودية والتحالف بين إسرائيل وأميركا. فإذا كان كل حلفاء إسرائيل من دول ومنظمات وجماعات استيطانية وأجانب، قد اتحدوا من أجل تهويد القدس بالكامل، ويقدمون كل هذا الدعم لإسرائيل والجماعات الاستيطانية، ما مكّن إسرائيل من تقوية نفوذها في المنطقة، وأن تتعامل كدولة فوق القانون الدولي. فهل يعقل أن تذبح القدس أمام كل العالم، دون أي حراك عربي وعالمي، وأن تكتفي جامعة الدول العربية بتصريحات الاستنكار والإدانة؟
فإذا اعتبر نتنياهو أن اديلسون "بطل مذهل للشعب اليهودي والدولة اليهودية والتحالف بين إسرائيل وأميركا"، لأنه بذل ثروته للدفاع عن إسرائيل وتهويد القدس، ألا يجب أن يتحد العرب وكل المسيحيين والمسلمين في العالم، وكل الأثرياء والمتنفذين في العالم العربي والإسلامي من أجل دعم الفلسطينيين في معركة الكرامة والوجود والمصير وحماية القدس من التهويد؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت